هل عاد كابوس امتحان التوجيهي ليكشف عوراتنا؟

للأسف الشديد، ما من جيل فلسطيني الا وعانى من هوس وقلق كابوس امتحان التوجيهي!!!
آثرت بداية، أن أذكّر القارىء بمقولة الشهيد المناضل غسان كنفاني، "قد نخسر المعركة السياسية ولكن عار علينا أن نخسر المعركة الثقافية التعليمية".
لو رجعنا قليلا، الى تاريخ التعليم في فلسطين منذ احتلال ما تبقى من فلسطين التاريخية عام 1967، لوجدنا أن التعليم قد شكّل عامل جذب ووحدة لكافة القوى والاتجاهات الفكرية الوطنية والاسلامية. لتدعيم هذا القول نذكر :-
• الهبّة الوطنية التي حدثت مع بداية العام الدراسي الجديد في اكتوبر سنة 1968 (تأخر افتتاح السنة الدراسية آنذاك بفعل هزيمة حرب حزيران 1967، بعد أن حاول الاحتلال تطبيق المناهج الاسرائيلية في مدارس القدس الشرقية، حينها تصدت شخصيات وطنية تربوية، ومن كافة الاتجاهات السياسية لهذه المحاولة باعلان الاضراب والعصيان، الى أن تمت الاستجابة لطلب الاستمرار في تطبيق المنهاج الأردني في هذه المدارس والابقاء على امتحان التوجيهي فيها.
للتاريخ، لزاما أن نذكر أن وزير التربية والتعليم الأردني في حينه، أصدر قرارا يعتبر فيه طلبة الضفة الغربية ناجحين في الامتحان بسبب الحرب. كما نجد لزاما ومن باب التوثيق ذكر أسماء بعض هذه الشخصيات الآتية من مشارب فكرية وسياسية مختلفة، غالبيتهم قضى نحبه ( المربي ومهندس العملية التربوية في القدس المرحوم حسني الأشهب، الناشط المجتمعي المهندس المرحوم إبراهيم الدقاق، المهندس المرحوم داود الاستنبولي، المربي المرحوم نهاد أبو غربية، المربية المرحومة علية نسيبة وزميلاتها المرحومة دورس صلاح وزليخة الشهابي) وواصل الدرب كل من المرحوم المهندس حسن القيق والمرحوم نهاد أبو غربيه والقائمة تطول، ومنهم من تعرض الى الابعاد عن الوطن ( الاستاذ بهجت أبو غربية والمحامي إبراهيم بكر).
• هبة تعليمية نقابية بادر اليها قطاع المعلمين في المدارس الحكومية عام 1977 وتواصلت الى أن جاءت مبادرة لاحقة، سنتاولها بالتفصيل لاحقا. تمثلت هبة العاملين في التعليم الحكومي، في انصهار عدد كبير من المعلمين والمعلمات ومن مختلف المشارب الفكرية والانتماءات السياسية في لجان نضالية لوائية، تمخض عنها تشكيل اللجنة العامة لمعلمي الحكومة، انخرط فيها ممثلو جميع التنظيمات والاتجاهات الفكرية، فنالت اسناد ودعم القوى الوطنية المنطوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية . تعرض البعض منهم للاعتقال والبعض الآخر للفصل من وظيفته.
• تجربة ثالثة تجلى فيها العمل الوطني الوحدوي الفلسطيني، وهي محاولات تشكيل جسم نقابي موحد لكافة الأطر التعليمية في الوطن ( حكومة، وكالة غوث، مدارس خاصة، كليات وجامعات. بدأت هذه المحاولة عام 1983 من خلال تشكيل اتحاد العاملين في قطاعات التعليم والذي استمر دوره حتى البدء بممارسة التعليم الشعبي بعد اقدام الاحتلال على اغلاق المدارس في 19-12-1987 خلال انتفاضة الحجارة. مع تزايد الحاجة لتلبية الاحتياجات المطلبية، ارتأى فرع التعليم في القيادة الموحدة للانتفاضة تشكيل اتحاد مستقل للمعلمين الفلسطينين، رغم وجود كتل نقابية مختلفة الأسماء والولاءات التنظيمية مثل: كتلة حركة الشبيبة للمعلمين، اتحاد لجان المعلمين الديمقراطين، جبهة العمل للمعلمين، وكتلة اليسار للمعلمين( التنظيم الشيوعي في حينه).
تواصلت الجهود لتشكيل اتحاد معلمين وحدوي الى عام 1993، حيث تم عقد لقاء موسع لعدد كبير من أعضاء كتلة الشبيبة الفتحاوية في مسرح الحكواتي بالقدس وتم الاعلان عن تشكيل اتحاد للمعلمين من لون واحد، بعد أن فشلت اللجنة التحضيرية في تشكيل اتحاد يضم الجميع قبل اجتماع المعلمين في الحكواتي بقرابة شهر.
• في ظل هذه الخلافات التنظيمية، كان الطرف الآخر يعدّ بكل ما أوتي من دهاء لتفتيت العملية التعليمية، بدءا من تهميش دور بعض كبريات المدارس الرسمية الى دور لا يذكر في مجال التربية والتعليم من خلال تحويلها الى مراكز لتعليم آخر( لغة عبرية، دورات نظرية في تدريب السياقة ...)، واهمال البعض من المؤسسات التعليمية المشهور منذ القدم ( الكلية العربية مثالا)، والبدء بتشجيع عمل مدارس خاصة تحت اسم مدارس غير رسمية لكن معترف بها.
• يرى الكاتب أنه ما أن بدأ فيروس العمل الفئوي نشاطه مع الابتعاد عن العمل الوحدوي، حتى قام الطرف الاخر بالمزيد من الانتهاكات بحق التعليم في القدس ، نذكر منها:-
- الامعان المتعمد في تهميش مدارس حكومية لها تاريخها العريق، مما أدى الى انخفاض عدد الطلبة الملتحقين بها، وتدني نسبة النجاح في امتحان التوجيهي.
- تسهيل فتح المزيد من مدارس المقاولات وزيادة الاغراءات المالية للقائمين عليها، مما أدّى الى انخفاض في عدد الطلبة الملتحقين بمدارس المدينة، لا سيما المدارس الخاصة.
- البدء في فرض المنهاج الاسرائيلي على الطلبة الفلسطينين في مدارس القدس الشرقية، وتكثيف حملات المداهمة والتفتيش خلال الدوام المدرسي للتأكد من استخدام المنهاج الاسرائيلي المحرّف .
- التهديد بوقف الاعانات الشهرية للمدارس العربية وسحب التراخيص منها، تم فعلا سحب تراخيص بعض هذه المدارس التي لم تذعن لتطبيق المنهاج الاسرائيلي.
- اغلاق مكتب التربية والتعليم التابع لدائرة الأوقاف الاسلامية في البلدة القديمة داخل أسوار القدس.
عودة الى الجزء الأهم من هذه العجالة "ضرورة تطوير امتحان التوجيهة العام، حيث بادر عام 2013، رئيس الوزراء في حينه دكتور رامي الحمد الله الى تشكيل لجنة مراجعة نظام التعليم المتبع، وكان لي شرف العضوية بها مع ثلة من التربويين المختصين،على أن يكون وزير التربية في حينه رئيسا للجنة التي تناوب عل رئاستها بالترتيب حتى العام 2016 كل من الوزيرة لميس العلمي، والوزيرة د. خولة الشخشير، والوزير د.علي أبو زهري ثم تبعه الوزير صبري صيدم الذي حول اسمها الى اللجنة الوطنية للتعليم والتي جمدت عضويتي بها لظروف صحية طارئة، حتى جاء الوزير مروان عورتاني الذي اكتفى بتشكيل لجنة استشارية مصغّرة ممن حوله، كان من انجازاتها الغاء فكرة مشروع انجاز الذي تبناه الوزير صيدم.
تركز عمل لجنة المتابعة (2013 -2016، على طرح مقترحات عملية لتطوير امتحان التوجيهي المعمول به، حيث تشكلت لجان متفرعة عن اللجنة الأم. كان لي شرف العمل مع بعض الزملاء في اللجنة المصغّرة ( أ. جانيت ميخائيل والمربي المرحوم علي خليل حمد ود. مي المغاثي)، حيث قمنا باجراء زيارات ومقابلات ميدانية مع بعض الممثليات الدولية في فلسطين وبالتحديد تلك التي يعترف الجميع بتطور التعليم فيها – بكل أنماطه وسبله ومستوياته)، تمكنت اللجنة من صياغة توصيات بعد هذه المقابلات، كان من
من أبرزها:
1- الحاجة الضرورية والماحة لتطوير نمط امتحان نهاية التعليم المدرسي، دون الاكتفاء بالتغيرات الشكلية: امتحان نظام الفصلين، أو الابقاء على الامتحان السنوي، حذف مواد من مقررات المنهاج المدرسي قبيل انتهاء العام الدراسي ).
2- اعتماد نسبة من علامات كل مرحلة تعليمية في المدرسة ( ابتدائي، اعدادي وثانوي) مع نسبة للامتحان التجريبي الذي يسبق الامتحان العام النهائي.
3- اعتماد نسبة من العلامة النهائية لنموذج المشروع المدرسي الميداني ( زراعي، مهني، حيواني، تجاري).
4- اعتماد نسبة من العلامة النهائية للعمل التطوعي والمساهمة في مبادرات مجتمعية.
5- ما تبقى من العلامة الكلية (100%) للامتحان النهائي مع ضرورة التشاور مع الجامعات وكافة مؤسسات التعليم العالي في الوطن وتلك في بعد الدول العربية الشقيقة.
على ما أذكر عند طرح هذه التوصيات في اجتماع حضره جميع الأعضاء، اعتبرتها الغالبية تطويرا نوعيا ومنفذا للخروج من شباك أزمات سياسية كالتي فرضها الاحتلال خلال الاجتياحات لمناطق السلطة الفلسطينية سابقا وقد تخدم حاليا، مع بعض التعديلات في حالة طلبة غزة خلال العام الدراسي الأول من حرب السابع من أكتوبر2023 ، وواقع طلبة القدس اليوم.
في 26-8-2021 وبعد ظهور نتائج التوجيهي لعام 2020-2021 وكانت التائج غريبة لدرجة الذهول لا سيما بعد الاضراب الطويل الذي خاضه المعلمون. وذلك تحت عنوان "نتائج التوجيهي بين الصدمة والنزعة للتغيير"، بمشاركة عشرات من التربويين المخضرمين ومن كافة أرجاء الوطن المحتل. تمت صياغة التوصيات ورفعها الى وزير التربية في حينه د.مروان عورتاني، والذي كما لمسنا لم يرد علينا بأي جواب لغاية اليوم!!
من بين هذه التوصيات :
- ضرورة التنسيق مع جامعات الوطن في مسألة التوجيهي بخصوص عقد امتحانات القبول وامكانية عقد الامتحان في قاعات هذه الجامعات .
- ضرورة اعادة النظر تربويا وسيكولوجيا في مسألة توزيع الطلبة على قاعات غير مدارسهم، آخذين بعين الاعتبار مسألتي تعزيز الثقة بالمدرسة الأم ( وطواقمها والطلبة)، مع البدء في تطوير فرص الاستفادة من التطور التكنولوجي الهائل، كأن يتقدم الطالب للامتحان إلكترونيا حيثما أمكن.
- ضرورة تعزيز التعاون المشترك مع المؤسسات الرسمية والأهلية قبل وأثناء عقد الامتحان.
ختاما، يرى الكاتب في مسألة طلبة توجيهي القدس الحالية أن الاحتلال غير بريء من التسبب في هذه المشكلة، لكن نحن كفلسطينيين أيضا نتحمل مسؤولية في ذلك، أقول هذا بناء على :
- الحاجة الملحة الى اعادة النظر في سياسة التعيين لتكون مفتوحة للجميع دون تحيز للفئوية النظيمية، وبهذا يتم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
- ضرورة الأخذ بالعديد من الدعوات لتشكيل المجالس الشعبية لحماية التعليم الفلسطيني.
- بخصوص طلبة غزة وبالتحديد اولئك الذين لم ينالوا شرف الشهادة الأعظم، حبذا لو يتم الاتفاق مع الجامعات المحلية والعربية، بالاكتفاء بامتحان القبول الذي تعقده الجامعة وقصر السنة الدراسية الأولى على كونها سنة تحضيرية يتم تعويض ما يمكن تعويضه قدر المستطاع، آخذين بعين الاعتبار الميول المختلفة لدى الطلبة في التخصصات سواء كانت أكاديمية أو مهنية.
-لو أتمننا عملية احصائية بسيطة لعدد المؤسسات الرسمية والأهلية التي دوما تسرد في أدبياتها الحفاظ على الهوية الوطنية للشعب عامة وللمقدسين خاصة، لكن للأسف الشديد، نرى أن هناك شحا ملحوظا في التفاف المواطنين حول غالبية هذه المؤسسات كونها اختارت من بداية عملها تبني أسلوب العمل الفئوي الاقصائي لكل من هم ليسوا من عظام الرقبة، كما يردد المقدسيون، سواء في مشاريع الاسكان أو دعم الحالات الاجتماعية المحتاجة وتلك المتضررة من نهج سلطة الأمر الواقع والمتمثلة في سياسة هدم المنازل وفرض الغرامات حتى في عملية توزيع المنح والمساعدات التعليمية التي تستند الى معيار الانتماء السياسي وليس معيار الحاجة الفعلية للطالب/ الطالبة. لذلك ترى السواد الأعظم من المقدسيين يبتعدون عن تلك المؤسسات. يا حبذا لو تقوم الجهات المختصة ( ديوان الرقابة المالية والادارية وغيرها المختصة بمتابعة عمل تلك المؤسسات سواء كانت وزارات، مؤسسات تمكين أو جمعيات أهلية، لتصويب عملها دون محاباة.
بهذا يمكن أن نعيد للهوية الوطنية عامة والمقدسية خاصة هيبتها المنشودة فعلا لا مجرد قولا، ولا نقع من جديد في فخ سلطة الأمر الواقع.