المعلم نقطة الانطلاق لكل عام دراسي ناجح

سبتمبر 29, 2025 - 08:57
المعلم نقطة الانطلاق لكل عام دراسي ناجح

سارة محمد الشماس

مع بداية كل عام دراسي جديد، تبدو الصفوف كصفحات بيضاء ينتظر الطلبة أن يخطوا عليها قصص طموحاتهم وأحلامهم، لكن البداية الحقيقية تكون بيد المعلم، الذي يرسم ملامح العام الدراسي ويحدد الإطار الذي يتحرك ضمنه الطلبة. فإذا كانت المناهج والكتب الدراسية هي المحتوى التعليمي، فإن المعلم يحولها إلى تجربة تعليمية حية وفاعلة، محفزة للتعلم والإبداع. وأحد أبرز عناصر النجاح هو الاستعداد المبكر للمعلم؛ الذي يدخل الصف بخطة واضحة يستطيع توجيه مسار التعليم منذ اليوم الأول، يتضمن التخطيط أساليب التدريس، الأنشطة التفاعلية، وطرق تقييم الطلبة. بعض المعلمين يعقدون جلسات عصف ذهني قبل بداية العام لمناقشة طرق جديدة لتبسيط المفاهيم المعقدة أو لإدخال أنشطة عملية في العلوم والرياضيات، بينما يقوم آخرون بإعداد خطط فردية للطلبة الذين يحتاجون دعمًا إضافيًا، لضمان ألا يترك أي طالب، مؤكدين أن كل طالب يستحق فرصة للنجاح.

المناهج الدراسية تحدد أهداف التعلم، لكنها تبقى نصوصًا جامدة بدون المعلم، الذي يترجم هذه الأهداف إلى مواقف تعليمية حقيقية. فعند تدريس درس عن الجغرافيا الفلسطينية، يمكن للمعلم أن يطلب من الطلبة رسم خرائطهم ومقارنتها مع خرائط حديثة عبر التطبيقات الرقمية، ما يحول الدرس إلى نشاط عملي وإبداعي، وفي مادة اللغة العربية، يمكن تحويل نص القراءة إلى مشهد مسرحي قصير يؤديه الطلبة، فيثري مهارات التواصل ويجعل النص ينبض بالحياة. العلاقة بين المعلم والمنهج إذًا تفاعلية وإبداعية وليست مجرد تنفيذ آلي.
المعلم لا يقتصر دوره على نقل المعلومات، بل يصبح قدوة في السلوك والقيم. العديد من الطلبة في فلسطين يذكرون كيف ألهمهم معلموهم؛ أحدهم يروي أن معلمه في الصف الخامس كرر دائمًا: عدم النجاح ليس نهاية الطريق، بل فرصة جديدة للتعلم والابداع، ابتسامة المعلم، عدله بين الطلبة، وتشجيعه على المحاولات مهما كانت بسيطة، كلها رسائل تربوية تتجاوز حدود الكتاب وتترك أثرًا عميقًا في نفوس الطلبة. وقد تكون بداية العام الدراسي صعبة على بعض الطلبة بسبب رهبة الصف الجديد أو القلق من التحديات، هنا يظهر دور المعلم في تقديم الدعم النفسي وتهيئة بيئة صفية آمنة، مثل بدء الحصص بأنشطة تعارف بسيطة أو السماح للطلبة بالتعبير عن مشاعرهم وأمنياتهم للعام الجديد، أو تنظيم أنشطة جماعية في الأسبوع الأول مثل زراعة شجرة أو تنظيف ساحة المدرسة لتعزيز روح التعاون والانتماء.
دور المعلم يكمل ما توفره المناهج من محتوى تحفيزي؛ فالطالب يحتاج إلى منهج محفز، لكن لا يمكن أن يثمر إلا بمعلم يزرع الثقة ويحفز الخيال، مع بيئة صفية آمنة ودمج التفكير الإبداعي في الأنشطة، تصبح العملية التعليمية أكثر فاعلية، وتعزز قدرة الجيل الجديد على مواجهة تحديات العصر بالعلم والإبداع والقيم الإنسانية.
بداية العام الدراسي يكون المعلم قائد الرحلة التعليمية، لديه خطة واضحة، يشرف على الطلبة في هذه المرحلة التعليمية، ليحوّلها إلى تجربة تعلم متكاملة ومنسجمة. الاستثمار في المعلم، سواء بالدعم أو التدريب أو التقدير، هو استثمار مباشر في مستقبل فلسطين التعليمي والإنساني، ويظل المعلم الفلسطيني باني العقول وصانع الأمل، يفتح أبواب المعرفة ويزرع بذور الإبداع، ليحصد المجتمع ثمارًا من جيل واعٍ، مبدع، ومتمسك بالقيم الإنسانية.