الضم الصامت.. كيف تنفذ إسرائيل الضم في الضفة الغربية دون إعلان رسمي؟

مايو 22, 2025 - 09:07
الضم الصامت.. كيف تنفذ إسرائيل الضم في الضفة الغربية دون إعلان رسمي؟

نبهان خريشة

من ينتظر إعلان إسرائيل عن ضم أجزاء من الضفة الغربية فهو مخطئ، لأن إسرائيل بدأت فعلاً بالضم التدريجي الصامت، وذلك عبر إجراءات بيروقراطية وأدوات استيطانية، مع إبقائها على الباب موارباً أمام المجتمع الدولي. ومن هذه الإجراءات التدريجية، تصعيد الاستيطان ومصادرة الأراضي وهدم المنشآت الفلسطينية، وتترافق هذه الإجراءات مع  ضعف الموقف الفلسطيني، واقتصار المواقف الدولية على إطلاق التصريحات المندده، وإصدار بيانات تدعو لوقف الاستيطان، تحت عناوين مثل: أن الضم يقوض فرص إقامة دولة فلسطينية مستقلة نهائيا، ويدفع بالوضع نحو نظام أبارتهايد طويل الأمد. ومنذ تولي ائتلاف نتنياهو الحكم أواخر عام 2022، والضفة الغربية تشهد تصاعدًا غير مسبوق في إجراءات الضم "الصامت"، بتغيير الجيوسياسية للضفة الغربية.
 وفي كل يوم، تعلن الحكومة البنيامينية اليمينية، عن قضم أراضي الفلسطينييين في المنطقة C من الضفة الغربية. وقالت مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان في تقرير"إن النقل المستمر للصلاحيات على الضفة الغربية من الجيش إلى الحكومة يسهل توسع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وفرض السيادة الإسرائيلية عليها او على أجزاء واسعة منها". وفي سياق إجراءات الضم الصامت، شق المستوطنون والجيش عشرات الطرق غير المصرح بها حول المستوطنات والبؤر الاستيطانية، بهدف ربطها بعضها ببعض، مترافقاً مع إعاقة حركة الفلسطينيين، وبموازاة ذلك أيضاً تكثف الحكومة الإسرائيلية خدماتها للمستوطنات، لإضفاء الطابع المؤسسي على أنماط التمييز المنهجي، بالعزل العنصري والقمع والسيطرة، وغيرها من الأعمال اللاإنسانية بحقّ الشعب الفلسطيني .
وتتجسد سياسة الضم الصامت على الأرض بشق الطرق الالتفافية كـ "شارع السيادة"، ومشروع "نسيج الحياة"، اللذين يهدفان إلى عزل منطقة العيزرية الى الشرق من القدس الشرقية بالكامل، وتوجيه حركة الفلسطينيين من شارع يمر عبر منطقة "جبل البابا" الواقع على أطراف العيزرية، وصولًا إلى رام الله. ومنذ تعيين بتسلئيل سموتريتش وزيراً للمالية ومسؤولاً بصلاحيات واسعة عن الإدارة المدنية، يتم طرح مشاريع الاستيطان والمصادقة عليها بشكل دوري، دون عرضها على المستوى السياسي لنقاشها كما كان الأمر في االسابق. وفي سياق سياسة الضم الصامت، حولت الإدارة المدنية نحو 18 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية مؤخرًا إلى مناطق مخصصة "للرعي الاستيطاني"، وخاصة في مناطق الأغوار، ويترافق هذا مع عمليات الترحيل الممنهجة للتجمعات البدوية في مناطق مسافر يطا جنوب الخليل وفي الأغوار.
ويوجد إجماع واسع بين الإسرائيليين على مسألة الضم، لكن الخلاف بينهم يتعلق بالمساحة التي يجب ضمها، فبعضهم يؤيد ضم الكتل الاستيطانية فقط، فيما تطالب قوى اليمين والمستوطنين بضم كافة مناطق C   . ويتزامن هذا النقاش مع مصادقة  مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر مؤخراً، على قرار يقضي بتسجيل الأراضي في المناطق C التي تشكل 60% من مساحة الضفة، لمنع الفلسطينيين من القدرة على إثبات ملكيتهم لأراضيهم، ومنع إجراءات تسجيل أراضي مشابه تنفذه السلطة الفلسطينية، إلى جانب وجود مساحات واسعة لا يملكها فلسطينيون، ويتم تسجيلها على أنها "أراضي دولة" تابعة للاحتلال الإسرائيلي. وفي موازاة ذلك، تدفع الحكومة الإسرائيلية بإجراءات لسن قانون يسمح للمستوطنين بشراء أراض في قلب البلدات والمدن الفلسطينية في الضفة، كما تم إقرار قانون يقضي باستخدام عبارة "يهودا والسامرة" كمصطلح رسمي بدلاً من الضفة الغربية.
 إن اليمين الإسرائيلي الذي سال لعابه عند تولي ترامب الرئاسة في ولاية ثانية، واستبشر خيراً بتوفيره الدعم والغطاء السياسي لضم الضفة الغربية، أصيب بخيبة أمل من احتمال كهذا، بعد المؤشرات عن "توتر" في العلاقات الأميركية - الإسرائيلية بعد اتخاذ إدارة ترامب لخطوات اعتبرت خروجاً عن الثوابت التقليدية في دعم إسرائيل، تمثلت بتجاوز الإدارة الأمريكية لإسرائيل في الاتفاق مع حماس على إطلاق سراح الأسير الأمريكي عيدان ألكسندر، وسبق ذلك الاتفاق مع الحوثيين على وقف الهجمات على السفن الأمريكية مقابل وقف الهجمات الأمريكية عليهم، دون علم إسرائيل وحتى دون طلب أمريكا وقف الحوثيين هجماتهم على إسرائيل، وكذلك المفاوضات بين واشنطن وطهران حول البرنامج النووي على غير رغبة إسرائيل، اتبعها ترامب بجولته الخليجية التجارية، ولقائه الرئيس السوري الشرع على غير رغبة إسرائيل أيضاً.  
إزاء ذلك فإن هناك عدة سيناريوهات لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، أو على أجزاء منها بشكل رسمي تختلف في أساليبها وتداعياته:
(1)   الضم الرسمي الجزئي للمناطق المصنفة ( C ) ، والتي تصل مساحتها لنحو 60% من مساحة الضفة العربية، والخاضعة حاليًا للسيطرة الإسرائيلية الأمنية والإدارية وفق اتفاق أوسلو. وهذا السيناريو محتمل التحقق إذا لم تعارضه إدارة ترامب او وقفت موقفاً محايداً منه، بفعل ضغط اللوبي الإسرائيلي ومؤسسات الصهيونية المسيحية والحزب الجمهوري، الا أنه سيلقى معارضة دولية قوية، لا سيما من الاتحاد الأوروبي والدول العربية. ومن التداعيات المترتبة على هذا السيناريو انهيار محتمل للسلطة الفلسطينية، واحتجاجات محتملة من قبل الفلسطينيين قد تنفجر على شكل عنف ميداني.
(2) الضم الفعلي بدون إعلان رسمي (سياسة الأمر الواقع)، وذلك من خلال استمرار إسرائيل في التوسع الاستيطاني ومصادرة الأراضي وشرعنة البؤر، وتسجيل الأراضي دون إصدار إعلان رسمي بالضم. وهذا السيناريو هو قيد التطبيق حالياً، وهو أقل تكلفة دبلوماسية، لأنه لا يستفز المجتمع الدولي بشكل مباشر. الا أن تداعياته تتمثل بتآكل حل الدولتين، وخلق نظام فصل عنصري (أبارتايد) بنيوي أوسع، بالإضافة لخنق التنمية الفلسطينية وبناء واقع دائم من السيطرة دون تمثيل سياسي للفلسطينيين.
(3)   ضم الكتل الاستيطانية الكبرى فقط، بفرض السيادة على مناطق مثل "معاليه أدوميم" و"غوش عتصيون" و"أرئيل"، و"موديعين عيليت"، مع ترك باقي مناطق الضفة لمفاوضات في المستقبل. وهذا السيناريو حظي فعلاً بدعم ضمني من بعض القوى الدولية، وقد يُعرض كحل "وسط" ضمن خطة أوسع للتسوية. إلا أن من تداعياته جعل الدولة الفلسطينية المستقبلية (فيما لو قدر لها أن تقوم) غير متصلة جغرافيًا، كما أنه يعزز موقف المعارضة الفلسطينية، لأنه يقتطع أهم المناطق الاقتصادية والجغرافية من الضفة الغربية.
(4)   ضم شامل لكامل الضفة الغربية لإسرائيل رسمياً بما يشمل المناطق A وB ، إلا أن هذا مستبعد في المدى القريب بسبب الثقل الديموغرافي للفلسطينيين (نحو 3 ملايين نسمة)، ما يتطلب إعادة تعريف "المواطنة"، إما بإعطاء الجنسية للفلسطينيين أو فرض نظام أبارتهايد رسمي. ومن تداعيات هذا السيناريو المحتمله نهاية حل الدولتين نهائيًا، ومواجهات واسعة النطاق، مترافقاً مع ضغوط دولية وحقوقية ضخمة وعزلة دبلوماسية لإسرائيل.
(5)   الضم ضمن اتفاق مرحلي مع السلطة الفلسطينية أو دولة ثالثة، من خلال اتفاق قد يُبرم مع السلطة الفلسطينية (أو برعاية دولية) يعترف بسيطرة إسرائيل على بعض المناطق مقابل تسويات سياسية واقتصادية. إلا أن الاحتمال ضعيف في ظل الوضع السياسي الحالي والانقسام الفلسطيني الداخلي. ومن تداعيات هذا السيناريو أنه قد يواجه رفضًا شعبيًا فلسطينيًا واسعًا، بالإضافة الى أنه يقوض العدالة التاريخية الشعب الفلسطيني.
إن السيناريو الذي تطبقه إسرائيل حالياً هو"الضم الفعلي بدون إعلان رسمي"، بإتخاذ إجراءات فرض السيادة على الأرض عبر أدوات بيروقراطية واستيطانية تدريجية، أما السيناريوهات الأخرى فتتوقف على موازين القوى السياسية داخل إسرائيل وعلى الموقف الأمريكي، والتطورات الإقليمية والدولية.


.............

في سياق سياسة الضم الصامت، حولت الإدارة المدنية نحو 18 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية مؤخرًا إلى مناطق مخصصة "للرعي الاستيطاني"، وخاصة في مناطق الأغوار، ويترافق هذا مع عمليات الترحيل الممنهجة للتجمعات البدوية في مناطق مسافر يطا وفي الأغوار.