ثم إن القهوة سيدة
ثم إن القهوة سيدة.
كان في دورية عام ١٩٨٢، وكان دليله فدائي درزي من مدينة عاليه، وكانت والدته مناضلة وهي بعمر والدته، وشقيقها أحد كوادر قوات العاصفة وقادتها وهو احد شهدائها، وكان الأمر يتطلب أن يبيت في بيتهم ليلة.
حدث هذا أثناء احتلال مدينتهم من جيش الاحتلال. كان ذلك في شهر ك١ وجبل لبنان شديد البرودة وخصوصا أثناء الليل وكانت الكهرباء مقطوعة.
حضرت الوالدة له ولإبنها اسرة في غرفة الشتوية (في جبل لبنان كل منزل فيه غرفة الشتاء)، ووضعت فيها أسرة ثم أحضرت خشب السنديان وأشعلت موقدت الحطب (الصوبة)، ولون نار خشب السنديان مائل الى الزرقة. فلما توهجت النيران في الموقده فتحت أبواب الموقدة، وكانت الغرفة مطلية باللون الأبيض، كان المنظر بهي وبديع، مائل إلى الزهري بسبب تمازج زرقة النار مع بياض جدران الغرفة.
أحضرت غلايتن (ركوتين) من النحاس ووضعت إحداها (الممتلئة بالماء) على الموقدة، والثانية الفارغة على الأرض، وما أن غلا الماء حتى وضعت القهوة في الغلابة (ركوة في اللكنة اللبنانية)، او تسمى (دلة)، او (دولة)، ولما ان غلت القهوة انزلتها عن الموقدة حتى ارتاحت، ثم صفتها في الغلاية الثانية واعادتها على الموقدة (صوبة الحطب) ثم قامت وغسلت الغلاية مما ترسب فيها من حثل القهوة وبعد أن غلت القهوة مرة اخرى صفتها مرة ثانية، وهكذا اربعة أشواط.
في الجبل يشربون القهوة في الفناجين العربية الكبيرة. صبت القهوة، وما أن ارتشف صاحبنا اول رشفة حتى أيقن أن للقهوة:
سحر صانعها
وطريقة تحضيرها
وجمال مكان شربها
ونكهة جلسائها
وسبب احداثها،
ونوع ولون الفنجان التب تشرب به.
حتى الآن كلما شرب القهوة تذكر تلك الحادثة.
وعندما يكون في مزاج عالي يصنع القهوة لنفسه ولنا بنفسه.
ويبقى لكل فنجان قهوة طعمه حتى لون الفنجان يؤثر في طعمها.
ولانها سيدة فان تاء التانيث المربوطة، تربط كل مذكر من عنقه بقلادة ود وحب.
والقَهوّةُ؛ قبلَ أن؛ تَربِطُها تاءُ التأنيث كانتْ؛ بُنٌ؛ قّبْلَ أنْ؛ في المِحْماسِ تَشْوبها النارُ؛ وقَبْلَ أن؛ يُأنثها طَرقُ المهباش.
والهيل.ُ مثل البُنِ؛ ذَكَرٌ؛ على النار وتحت المطرقة اصبحا قَهوة.
والقهوةُ؛ لا تُشْرَبُ إلا بَفنجانٍ؛ مِنْ؛ يَدٍ سيِدةّ تَعْرِفُ أنّ النّارَ والطرقِ؛ ونارٌ تَحْتَ رَكْوَتِها أصبحتا هي وَقَهْوُتها.
اسعد الله اوقاتكم مع فنجان قهوة من يد سيدة تشاركك فيه مع سيدتين هي وقهوتها.
محمد قاروط ابو رحمه.