أنقرة تنوب عن تل أبيب في الحرب على سوريا
راسم عبيدات
كشفت تركيا بشكل واضح عن أنها من تقف خلف الهجوم الذي شنته "جماعة النصرة" فرع تنظيم "القاعدة" بقيادة أيمن الظواهري، ومعها بقية المجاميع الداعشية والتكفيرية والإرهابية، متعددة الأسماء واليافطات والتي تتبع وتنتمي لنفس المنتوج. وقالت إن سوريا هي من تتحمل مسؤولية هذا الهجوم، على خلفية رفض الرئيس السوري بشار الأسد اللقاء مع أردوغان. أردغان هذا الذي يجيد الرقص على كل الحبال، والذي يبدو بأن لعبة الرقص على الحبال لن تخدمه إلى ما لا نهاية، خاصة مع روسيا التي "عقرها" أكثر من مرة، وكذلك أوراقه أظن باتت مكشوفة أمام الشعب الفلسطيني، إلا من يشاطرونه نفس رؤيته الفكرية والسياسية من الجماعات المتأسلمة المنخدعة به كخليفة لها ستصلي خلفه في المسجد الأقصى، من خلال "بروبوغاندا" يروجها ويسوقها، بأنه يقف إلى جانب فلسطين وشعبها وقضيتها، وأنه ضد الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي تقوم به إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني على حد قوله، وفي الواقع العملي علاقاته التجارية والاقتصادية والأمنية والعسكرية مع إسرائيل لم تنقطع، وشريان النفط وشحنات الخضار والفواكه وملابس الجيش الإسرائيلي المصنعة في المصانع التركية، وتدريبات الطائرات الإسرائيلية في تركيا لم تتوقف طوال الحرب المستمرة على قطاع غزة.
الأسد رفض لقاء أردوغان قبل انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية التي تحتلها، وقبل الإقرار بوحدة وسيادة سوريا على أراضيها، ووقف دعمها ورعايتها واحتضانها وتمويلها وتسليحها وإيوائها للجماعات والمجاميع الإرهابية والتكفيرية في أرياف إدلب وحلب. الخليفة التركي يبدو أنه أراد أن يقدم أوراق اعتماد للرئيس الأمريكي القادم ترامب، حيث لديه تخوفات عالية بأن الرئيس ترامب قد يعقد اتفاقيات مع روسيا حول اوكرانيا، وتكون سوريا جزءاً من هذا الاتفاق، خاصة أن ترامب قال إنه لا يرى مبرراً لبقاء قواته في سوريا، وإنه يفضل أن تتولى سوريا محاربة المجاميع الإرهابية هناك، وإنه لا يمانع أن تتولى روسيا إدارة العملية السياسية في سوريا، وإنه لا يرى مبرراً لدعم جماعة "قسد" الكردية، ودعمها لاستمرار نهب النفط السوري وإقامة كانتون انفصالي هناك. أردوغان الذي في القمة العربية - الإسلامية فوق العادية التي عقدت في الرياض مؤخراً، انسحب أثناء إلقاء الرئيس الأسد كلمته، وكذلك فعل الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر، الذي غادر مسرعاً قبل إلقاء الأسد كلمته، ولذلك لم ينتظر أردوغان قدوم ترامب، لكي يبادر إلى تقديم أوراق اعتماده، حيث أدار حواراً مع الجماعات الكردية، وأعلن جهوزيته لتنفيذ المهمة التي رفضت روسيا القيام بها، أثناء الزيارة التي قام بها وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر في حكومة نتنياهو إلى موسكو، حيث المبعوث الروسي إلى دمشق الكسندر لافرتيف، رفض العرض الإسرائيلي بأن تقوم موسكو بالضغط على دمشق لإقفال الحدود السورية، أمام دخول السلاح إلى المقاومة وحزب الله اللبناني، وقال إن روسيا لا تتدخل في شأن سيادي سوري.
بعد الهجوم الفاشل على لبنان، وفشل إسرائيل في تحقيق أهدافها الاستراتيجية في القضاء على الحزب وإضعاف المقاومة وإعادة النازحين عن مستوطنات الشمال ، وعدم القدرة على استكمال الحرب البرية، بسبب حالة الاهتراء والضعف والنقص في الذخيرة والعتاد والأفراد التي يعاني منها الجيش الإسرائيلي، والتي أجبرت نتنياهو على قبول وقف إطلاق النار، الذي وصفه قادة المستوطنين ورؤساء المستوطنات الشمالية باتفاق الإذعان والاستسلام أمام الحزب، وكذلك الجبهة السياسية الاستيطانية التي تقف إلى جانب نتنياهو، شاطرت المستوطنين وقادتهم وجهة نظرهم، وبأنه لم يتحقق لا نصر ولا نصر ساحق. أردوغان أعلن أنه مستعد لتنفيذ هذه العملية التي تحمي أمن أسرائيل من سوريا بإقفال الحدود البرية السورية- اللبنانية، أمام مرور وعبور السلاح الإيراني والسوري إلى المقاومة والحزب في لبنان، وكذلك هذه المهمة تلقى تشجيع الرئيس ترامب.
الحرب الدائرة في الشمال السوري، هي امتداد للحرب التي كانت دائرة في لبنان، وتوقفت باتفاق غير مباشر لإطلاق النار، وليس عبر معاهدة. اتفاق هش ما زال يحمل في ثناياه إمكانيات تفجيره، على ضوء التطورات الحاصلة، وليس فقط فيما يتعلق بالخروقات الإسرائيلية لهذا الاتفاق، بل على ضوء ما يجري في الشمال السوري، ولا أحد ينكر بأن تلك الحرب التي تشن على شمال سوريا، كان يعد ويخطط لفتحها مباشرة، في لحظة انشغال حزب الله في العدوان الإسرائيلي عليه، ونحن ندرك تمام الإدراك أن الإدارات الأمريكية ديمقراطية وجمهورية، يهمها بالأساس أمن إسرائيل أولاً وعاشراً، بعد أن فشلت في حسم الحرب على لبنان، أو القضاء على الحزب وإضعاف المقاومة، والعلاقة ما بين جنوب لبنان وشمال سوريا، هي علاقة تكامل وتنسيق وخطوط إمداد رئيسية للحزب والمقاومة، ولذلك قضية الحدود اللبنانية – السورية، لو نجحت إسرائيل وأمريكا في حربهما على لبنان، كان مصيرها التدويل، ولكون فرض شروط الوصاية على لبنان قد فشلت، نجد التركيز على قضية الحدود اللبنانية – السورية، ولكون الأسد رفض رغم كل الغارات والتهديدات والضغوطات الإسرائيلية، والمغريات الأمريكية بالرفع الكامل للحصار والعقوبات الاقتصادية الأمريكية على سوريا، أن يبقى خارج المحور، أو يقفل حدوده تجاه لبنان، جرى الإيعاز إلى "المجاميع الإرهابية والتكفيرية والداعشية"، وعلى رأسها ما تعرف بجبهة النصرة بالتحرك بالدعم والتسليح والمشاركة التركية المباشرة، من خلال الأسلحة والذخائر المتطورة، ومنها مسيرات بيرقدار التركية، ومسيرات أوكرانية، حيث طول الحرب التي كانت تجري على الجبهة اللبنانية، كانت غرفة عمليات مشتركة، بما فيها ضباط أوكرانيين تشرف على تدريب تلك الجماعات، ولذلك بنيامين نتنياهو عندما قال "الأسد يلعب بالنار"، كان يؤشر إلى أن الهدف التالي هو سورية، وبينما كثيرون يتوقعون هجوماً إسرائيلياً على سورية، كان الجيش المتعب والمنهك من حرب لبنان أضعف من التفكير بخوض حرب جديدة، لكن كان هناك من يتولى المهمة، أردوغان الذي حرك تلك الجماعات ودفعها إلى جانب إسرائيل وأمريكا وغيرها من القوى الاستعمارية للقيام بهذه العملية الإجرامية المستهدفة لحلب وأريافها وإدلب وأريافها وكذلك مدينة حماة وريفها، يقول بكل وقاحة بأنه على سوريا وروسيا وقف عملياتها العسكرية ضد "المجاميع الإرهابية والتكفيرية"، وهو يدرك بأن المشغل لها واحد، فعندما خرج "غولاني" من لبنان، دون تحقيق أهداف حربه الاستراتيجية التي خرج اليها، ناب عنه في تنفيذ المهمة في الشام ما يسمى بالخليفة أبي محمد الجولاني، فالمشغل واحد في كلا الحالتين.