الحكومة الإسرائيلية تقاطع "هآرتس" وتمنع الطيب من زيارة مروان البرغوثي
لطالما أثبتت الحكومة الإسرائيلية مدى هشاشتها وخوفها من الحقيقة التي تتمثل في صاحب الأرض المغتصبة، وذلك من خلال قراراتها التعسفية التي تصدرها بشأن من يرفع صوته بالحق، خاصة بما يتعلق بالقضية الفلسطينية. فها هي في الوقت الذي تروج فيه لدولتها الديمقراطية، تتخذ قرارا بمقاطعة صحيفة هآرتس التي وصفت ذلك بـ"سعي نتنياهو لتفكيك الديمقراطية الإسرائيلية"، بحجة دعم الصحيفة للإرهابيين الذين تسميهم هآرتس (مقاتلون من أجل الحرية).
وافقت الحكومة الإسرائيلية على اقتراح وزير الاتصالات شلومو كرعي بإلزام الهيئات الممولة من الحكومة بالامتناع عن التواصل مع صحيفة هآرتس، أو نشر إعلانات فيها، وإلغاء جميع الاشتراكات لموظفي الدولة وموظفي الشركات المملوكة للدولة بها؛ لأنها كما تدّعي تنشر الكثير من المقالات التي أضرت بشرعية إسرائيل وحقها في الدفاع عن النفس، وخاصة التصريحات الداعمة “للإرهاب” التي أدلى بها مالك الصحيفة عامون شوكين، الذي دعا إلى فرض العقوبات على الحكومة الإسرائيلية، وذلك لأنها تطبّق نظام فصل عنصري وحشيٍّ في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
تضرب إسرائيل بعرض الحائط حرية الإعلام والصحافة عندما تفرض عقوبات على أقدم صحيفة رسمية مستقلة لديها، وسبقها بشهرين إغلاق مكتب الجزيرة في رام الله، وهي الآن تغلق هآرتس بسبب مصداقيتها في تغطيتها التي تنتقد الحرب عقب هجمات حماس في السابع من أكتوبر 2023م، في خطوة لإجبارها على الصمت أو التلاعب بالحقائق، وخاصة بعد تصريح عاموس في لندن حول حكومة نتنياهو التي لا تكترث بفرض نظام فصل عنصري قاسٍ على السكان الفلسطينيين، وتتجاهل التكلفة التي يتحملها الجانبان في الدفاع عن المستوطنات أثناء محاربة المقاتلين من أجل حرية الفلسطينيين الذين تسميهم إسرائيل إرهابيين.
وفي الوقت الذي تسمح فيه الحكومة الإسرائيلية لنواب من اليمين المتطرف بزيارة أسرى أمنيين يهود، فإنها تمنع الدكتور أحمد الطيبي من زيارة الأسير مروان البرغوثي، حيث ادّعى جهاز الأمن العام أن القيام بأي تحرك بخصوص زيارة الطيبي، قد يرفع من شعبية الأسير مروان البرغوثي وتعزيز مكانته السياسية، وكذلك مكانته بين الأسرى أنفسهم وفي الشارع الفلسطيني والعربي.
إن الأمر الذي يدعو الحكومة إلى المسّ بحصانة النواب العرب، ودورهم في الحفاظ على حقوق الإنسان والأسرى، إنما هو سياسة ممنهجة للنيل من حقوق الأسرى الفلسطينيين وعزل قضيتهم عن العالم الخارجي ومنع الرقابة على ظروف اعتقالهم غير الإنسانية، في ظل امتلاء الزنازين بأعداد هائلة من الأسرى وبظروف سيئة للغاية، وتعرضهم لأبشع أنواع العنف والتعذيب، التي أودت بحياة عشرات الأسرى، وتلك السياسة إنما تمثل سياسة بن غفير بمنع زيارات أعضاء الكنيست من زيارة الأسرى الأمنيين والاطلاع على ظروف اعتقالهم، ومراقبة عمل مصلحة السجون.
ثم إن مكانة الأسير مروان البرغوثي، الذي اعتقل عدة مرات وتم إبعاده عن أرض الوطن في عام 1986م، وانتخابه نائبا للشهيد القائد فيصل الحسيني بعد عودته في اتفاق أوسلو عام 1994م، ثم أمين سر حركة فتح في الضفة الغربية، وانتخابه عام 1996م عضوا في المجلس التشريعي لحركة فتح، فضلا عن الدور البارز له في الانتفاضة الفلسطينية الثانية، تم على إثره اعتقاله عام 2002م، والحكم عليه بالسّجن المؤبد، أصدر خلاله كتابه "ألف يوم في زنزانة العزل الانفرادي".
إن هذا التاريخ النضالي لا يحتاج زيارة من الطيبي لتعزيز مكانة البرغوثي أو رفع شعبيته لدى الجميع.