كيف تطور تدريبات المشاة العسكرية القيادة الأخلاقية؟

كيف تطور تدريبات المشاة العسكرية القيادة الأخلاقية؟

محمد قاروط أبو رحمه

(الملخص: الانسان كائن أخلاقي، والأخلاق منظومة مجتمعية يلتزم بها الفرد، وتقود تصرفاته. أحد اهداف تدريبات المشاة العسكرية، تطوير وترسيخ القيادة الأخلاقية لدى المتدرب عن طريقين، الأول التعلم بالقدوة من المدربين ومن بيئة التدريب، والثاني بناء قيادة اخلاقية من خلال تدريبات المشاة العسكرية التي ترسخ مجموعة من القيم والصفات الأخلاقية الفردية والجماعية).

تساهم تدريبات المشاة العسكرية في تطوير القيادة الأخلاقية عبر تعزيز الانضباط الذاتي، وبناء الشخصية القوية القادرة على تحمل المسؤولية، وتنمية روح الفريق والعمل الجماعي، وغرس قيم الولاء والوطنية، وتطوير القدرة على مواجهة التحديات واتخاذ القرارات السليمة في الظروف الصعبة، وكلها عناصر ضرورية لبناء قائد أخلاقي فعال.

تعرف القيادة الأخلاقية بأنها "قيادة تُظهر وتُعزِّز السلوكَ الأخلاقيَّ السليمَ من خلال أفعالها الشخصية وعلاقاتها الشخصية". وباختصار، تعني القيادة الأخلاقية وضعَ أشخاصٍ في مناصب إدارية وقيادية يُشجِّعون ويُقدِّمون مثالاً يُحتذى به في السلوك الأخلاقيِّ السليم في أفعالهم وعلاقاتهم في مكان العمل. مرجع (1)

والقيادة الأخلاقية هي أسلوب قيادي يرتكز على مبادئ وقيم راسخة مثل النزاهة، والشفافية، والإنصاف، والمسؤولية، حيث يلتزم القائد بالسلوك الأخلاقي في أقواله وأفعاله، ويكون قدوة حسنة لفريقه. ويهدف القادة الأخلاقيون إلى اتخاذ قرارات لا تحقق أهداف المؤسسة فقط، بل تضع المنتسبين للمؤسسة والمجتمع في الاعتبار، وتساهم في بناء بيئة عمل قائمة على الثقة والاحترام المتبادل.

إذا كنت ترغب في أن تصبح قائدًا في مجال الامن والشرطة والقوات المسلحة، فإن تعلم القيادة الأخلاقية أمرٌ بالغ الأهمية لتحقيق ذلك. تقع على عاتقك مسؤولية أن تكون قدوة في السلوك الأخلاقي في مكان العمل عندما تكون في موقع سلطة في أي مؤسسة. النزاهة والسلوك الأخلاقي والأخلاقيات هي أساس القيادة الناجحة.

بناء وتطوير القادة الأخلاقيين.

بناء القيادة الأخلاقية في قطاع الامن والشرطة والقوات المسلحة، يبدأ من خلال تبني المؤسسات التعليمية والتدريبية في قطاع الامن والشرطة للقيادة الأخلاقية كأسلوب قيادي يومي، لتشكل نموذج يقتدى به للمتدربين (التعلم بالقدوة)، من جهة أخرى من الضروري اظهار صفات وسلوك القيادة الأخلاقية من خلال التعليم الصريح، بذلك يكون دور المؤسسات التدريبية والتعليمية تقديم نموذج للقيادة الأخلاقية من خلال قيادتها، وتضمين محتويات البرامج التعليمية والتدريبية (تقديم تعليم مقصود) للمتدربين.   

يمكن اعتبار العناوين التالية ارشادية في بناء وتطوير القيادة الأخلاقية:

1-   النزاهة والشفافية: يتصرف القادة الأخلاقيون بصدق وشفافية في تعاملاتهم، حتى في المواقف الصعبة، مما يعزز ثقافة الثقة والتعاون داخل المؤسسة.

2-   العدالة والإنصاف: يحرص القادة على معاملة جميع أعضاء الفريق بإنصاف وعدل، وتوفير فرص متكافئة ومكافحة التمييز.

3-   المسؤولية: يتحمل القادة الأخلاقيون مسؤولية أفعالهم وقراراتهم، ويحاسبون أنفسهم والآخرين على السلوك الأخلاقي.

4-   المسؤولية الاجتماعية: يأخذون في الاعتبار الآثار الاجتماعية والبيئية لقراراتهم، ويهتمون بالمنتسبين والمجتمع ككل.

5-   تقديم القدوة: يكونون قدوة حسنة لفريقهم من خلال السلوك الأخلاقي السليم، ويلهمون الآخرين لاتخاذ نهج مماثل. يساعد القادة الأخلاقيون زملائهم الأقل مرتبة في أداء مهامهم اليومية، مما يتيح لهم فهما أعمق لعمل الآخرين والتحديات التي قد يواجهونها في عملهم. ومن ثم، يتمكن هؤلاء القادة من توجيه الاخرين في أداء مهامهم اليومية. كما يُظهر القادة الأخلاقيون كيفية التحلي بالأخلاق والقيم في عملهم، مما يُعدّ ترجمة للقدوة الحسنة.

6-   الاستعداد للتطور: يحتاج القادة الأكفاء إلى القدرة على التطور والتكيف مع التغيرات التي لا مفر منها في اختصاصهم. القدرة على التكيف مفتاح النجاح. القادة التنظيميون الأكفاء على استعداد لتقبل التغييرات القادمة ومواجهتها بحزم. هذا يُشجع المتدربين والمدربين على التكيف والتطور مع التغييرات. مهما كانت التحديات التي تواجهها المؤسسة الامنية، يُمكن للقادة توجيه دفة الأمور بطريقة إيجابية وأخلاقية.

7-   احترم الجميع على قدم المساواة: الاحترام عنصر أساسي من عناصر المسؤولية الأخلاقية. إن عدم إظهار الاحترام لمن حولك قد يُنشئ بيئة عمل سلبية أو عدائية بسرعة. إنها طريقة أكيدة لفقدان الثقة وخلق المشاكل داخل مؤسستك. إن عدم إظهار نفس القدر من الاحترام قد يُشعِر الناس بأنهم يُعاملون معاملة غير عادلة، وقد يُسبب المزيد من المشاكل في مكان العمل.

8-   التواصل بانفتاح: يحتاج القادة ذوو الأخلاقيات إلى التفوق في التواصل لضمان أن تكون مؤسستهم بيئةً تسودها الثقة والنزاهة. فبدون التواصل، قد تبقى المشاكل دون أن تُكتشف لفترة طويلة، مما قد يُولد عداءً وانعدام ثقة في مؤسستك. أما القادة ذوو السلوك الأخلاقي، فيركزون على التواصل الجيد والصادق والمفتوح مع كل فرد في مؤسستهم.

9-   إدارة التوتر بفعالية. يواجه القادة والمدراء مواقف عصيبة يوميا، سواءً في حياتهم العملية أو الشخصية. من غير المقبول أن تُفرغ ضغوطك الشخصية أو حتى المهنية على الزملاء او المتدربين. القادة ذوو الأخلاق الحميدة يعرفون كيفية التعامل مع ضغوطهم بطريقة إيجابية ومثمرة. الانفعالات المتكررة غير مقبولة، وستُشعر الآخرين بالتوتر أيضًا. القادة الجيدون الذين يُمارسون السلوك الأخلاقي يجدون طرقًا للتعامل مع ضغوطهم، ويشجعون غيرهم على التحسن عند الحاجة، بطرق إيجابية ومفيدة.

10-                     يتوسط بإنصاف: القائد الأخلاقي خبير في حل المشكلات بطريقة عادلة لجميع الأطراف المعنية. يأخذ بعين الاعتبار جميع الآراء والأشخاص المعنيين لضمان الإنصاف والحياد. القادة التنظيميون الجيدون يتسمون بالعطف واللطف عند المساعدة في حل المشكلات والقضايا. ويحرصون على استمرار عمل الجميع معًا بشكل جيد بعد حل النزاعات، ويركزون على التفاعلات الإيجابية مستقبلًا. سيثق المتدرب والمدرب وطاقم العمل بالقادة الذين يتحلون بالأخلاق، والذين يعلمون أنهم سيستمعون إليهم ويهتمون بهم.

لا قيادة بلا اخلاق مرجع رقم (2)، ولا اخلاق بلا وعي.

أهمية القيادة الأخلاقية:

1-   بناء بيئة عمل قوية: تخلق بيئة عمل تسودها الثقة والاحترام، مما يزيد من ارتباط المنتسبين ببعضهم وبالمؤسسة، وترتفع وإنتاجيتهم.

2-   تحسين الصورة الذهنية لمؤسسات السلطة الوطنية: تساهم في بناء سمعة وصورة ذهنية جيدة، مما يساعد مؤسسة الامن على القيام بواجباتها، كما تعزز التعاون مع الشركاء في مجال الامن والتنمية والسلم الأهلي.  

3-   تحقيق الأهداف بعيدة المدى: القيادة الأخلاقية تساعد المؤسسة الأمنية وكذلك مجموع العمل الوطني على تحقيق أهدافه الوطنية على المدى الطويل من خلال التزامها بالمبادئ الأخلاقية.

دور تدريبات المشاة العسكرية في تطوير مهارات القيادة:

1-   من خلال محاكاة المواقف القيادية ولعب الأدوار، يكتسب الأفراد خبرات عملية في القيادة وتحمل المسؤولية، مما يزيد من ثقتهم في قيادة الآخرين.

2-   غرس القيم الأخلاقية والوطنية: توفر البيئة العسكرية فرصة لترسيخ قيم الاحترام والانضباط والتعاون، وهي قيم أساسية في بناء ثقافة منظمة.

الولاء والانتماء: تساهم التدريبات في تعزيز الشعور بالانتماء للوطن واحترام مؤسسات الدولة وقوات الأمن.

3-   الصلابة النفسية والتعامل مع التحديات: يتعلم الأفراد تحمل الألم والإرهاق والضغوط النفسية، مما يزيد من ثقتهم بقدرتهم على مواجهة صعوبات الحياة.

4-   التعامل مع الخوف والفشل: تواجه التدريبات الأفراد مواقف صعبة تختبر قدرتهم على السيطرة على الخوف واتخاذ قرارات سليمة، كما تعلمهم تقبل الفشل كجزء من عملية التعلم والتحسين.

المحفزات للتنمية الأخلاقية

1-   تنشئة عسكرية موجهة، تهدف المؤسسة العسكرية إلى صقل الأفراد نفسياً وذهنياً لتعزيز دفاعاتهم الأخلاقية ورفد رصيدهم الشخصي بالمحفزات الإيجابية.

2-   صقل الشخصية: تعمل التدريبات على بناء شخصية قوية، متزنة، ومنضبطة، قادرة على تحمل الأعباء واتخاذ القرارات المناسبة في مختلف المواقف.

تعزيز الانضباط والمسؤولية

1-   الانضباط الذاتي، تعلم التدريبات العسكرية الأفراد تنظيم وقتهم، والالتزام بالتعليمات، واتباع النظام، مما يبني شخصية منضبطة وقادرة على تحمل المسؤولية.

2-   تحمل المسؤولية، تدرب التدريبات الأفراد على تحمل مسؤولية أفعالهم ونتائجها، مما يعزز ثقتهم بأنفسهم وقدرتهم على اتخاذ القرارات الصعبة.

تنمية المهارات القيادية والعمل الجماعي

بناء روح الفريق، تتطلب تدريبات المشاة التعاون والاعتماد المتبادل بين أفراد الوحدة، مما يعزز العمل الجماعي والقدرة على تحقيق الأهداف المشتركة كفريق واحد.

وأخيرا:

القائد التي تقود تصرفاته القيم والأخلاق، ينتصر دائما، ويترك اثرا لا يموت، ولنا في ملكة سبأ قدوة وعبرة. اخلاقها جعلتها موروث عالمي، ووثق سيرتها القران الكريم، قرانا نتبعد به، ونتعلم منه، الى يوم الدين. ولا نزال نتعلم منها، وتعلم القادة، كيف تكون القيادة الأخلاقية. مرجع رقم (3). 

المراجع:

(1)   ما هي القيادة الأخلاقية، موقع wug على الشابكة، https://www.wgu.edu/blog/what-is-ethical-leadership2001.html

(2)   بكر ابو بكر، القائد الممتاز، كتاب اصدار دار البيرق العربي للنشر والتوزيع، رام الله فلسطين، 2025. الأخلاق في القيادة تظهر بوضوح في الصفحات (10، 28، 41)، أن القيادة لا تنفصل عن القيم الأخلاقية). (الصدق صلاح كل شيء، والكذب فساد كل شيء) (ص28). والتواضع، (لو جاءك الحق على لسان أجهل الناس فاقبله) (ص41).

(3)   محمد قاروط أبو رحمه، دروس من تجربة ملكة سبأ، كتاب اصدار دار البيرق العربي للنشر والتوزيع، رام الله فلسطين، 2024.

محمد قاروط أبو رحمه، القيادة الاخلاقية في زمن الفوضى، مقال مركز الناطور للدراسات 19/7/2025. https://natourcenters.com

وتلفزيون كل الناس، 17/7/2025. https://kolalnastv.com/21371