القيادة الاخلاقية في زمن الفوضى ملكة سبأ والنبي سليمان أنموذجاً

القيادة الاخلاقية في زمن الفوضى
ملكة سبأ والنبي سليمان أنموذجاً
محمد قاروط أبو رحمه
(الملخص: لا قيادة بلا اخلاق؛ ولا أخلاق بلا وعي، تنمية الوعي شرط التحول الى القيادة الأخلاقية)
لا اريد ان ترافقوني في رحلة عبر الزمن، الى القرن العاشر قبل الميلاد، بحدود 950 قبل الميلاد لزيارة مملكة سبأ، ومقابلة ملكتها، والاستماع الى تجربتها. 
سأحضرها لكم لنتعلم من تجربتها القيادة الأخلاقية في العصر الحديث. 
قبل ان نبدأ اريد توضيح ما المقصود بالقيادة الأخلاقية؟
القيادة الأخلاقية هي التي، تقوم على القيم والمبادئ (كالعدل، الصدق، الاحترام). وتحترم الإنسان والكرامة الإنسانية، وتسعى لتحقيق الأهداف دون فساد أو ظلم أو إذلال، وتوازن بين النتائج والوسائل، فلا تتبنى مبدأ: الغاية تبرر الوسيلة.
وملكة سبأ، والملك النبي سليمان، اظهرا لنا القيادة الأخلاقية، وأخلاق الملوك كما تظهر في كتيب: المفاوضات والحكم والقيادة، دروس من ملكة سبأ. ملكة سبأ ملكة وقائدة عربية أنثى جمعت الحكمة، ولم تتسرع في اتخاذ القرار، واستشارت الملأ مجلس قيادتها، واظهرت صدقها عندما عرضت موضوع رسالة سليمان بدقة دون تحريف، وعلى الرغم من ان رسالة سيدنا سليمان رسالة تهديد، الا انها عرضتها بصدق وهدوء بدون رفع وتيرة الاجتماع واثارة غضب المجمعين كما وأنها عرضتها باحترام وهي على خلاف عقائدي مع سليمان. واظهرت الحشمة والعفة، ولكن عندما استدعى الموقف منها، كشفت عن ساقيها اضطرارًا، بشكل تلقائي غير خادش، ودون تكلف. 
الملكة التي ناورت الملك النبي حتى نزل على رأيها بالتفاوض بدل التهديد، كانت تبحث أيضا عن الحقيقة وتجنيب قومها ويلات الحرب. وعندما ايقنت بالحق، قدمت فورا الاعتراف بالخطأ وقالت “ربي إني ظلمت نفسي” دون أن تلوم أحدًا. وقدمت الولاء للحق، أسلمت لله لا تبعًا لسليمان، بل معه وأسلمت مع سليمان. تجنبت الحرب، اختارت السلام ورفضت خوض صراع دموي، رغم امتلاكها للقوة، والتفويض اللازم لاستخدام القوة من مجلس قيادتها بكل بأس.
هذه كلها مظاهر للقيادة الأخلاقية التي تحترم كرامة الإنسان وتوازن بين القوة والحكمة.
 اما سيدنا سليمان النبي الملك، جسد القائد الأخلاقي الكامل. وأول تجسيد هو العفة، واحترام عفتها، وحين كشفت عن ساقيها، وجّهها مباشرة دون إحراج.
وسليمان الملك النبي اظهر الرحمة مع الحزم مع الهدهد هدده ثم استمع له. 
وتتجلى قيمة الحفاظ على الهدف بصلابة، والمرونة بالاستراتيجيات والأساليب عندما بدل استراتيجية الاكراه باستراتيجية الإقناع بدل الإكراه، واستمر بمحاولة إقناع ملكة سبأ، يقدم لها الدليل تلو الدليل لإقناعها بنبوته وتغيير عقيدتها من عبادة الشمس الى عبادة الواحد الاحد، وهكذا قدم نموذج أخلاقي بإقناعها بدل إذلالها بالحرب. 
ونتعلم القيادة الأخلاقية منهما وذلك لما ابدياه من الاحترام حتى مع المخالف العقائدي حيث لم يهنها رغم عبادتها للشمس، ولم تنهيه عن عبادة الواحد الاحد. 
وقدم النبي الملك نموذج في إبداع الوسيلة الأخلاقية، عندما استخدم الصرح الزجاجي كرسالة دليل ذكية دون عنف.
 وفي التواضع أمام العلم لم يتجاهل سليمان ما قدمه الهدهد، بل درس وقيّم واختبر صدق الهدهد.
سيدنا سليمان هو نموذج القائد الذي جمع بين النبوة والملك، أي القيادة على أساس أخلاقي متين. 
تتجلى أخلاق الملِك النبي والملِكة بالقدرة على ضبط النفس رغم امتلاك السلطة، وليس بالتسلط بالسلطة. واحترام الحلفاء والخصوم على السواء.
وتفضيل الكرامة على النصر الزائف، واتخاذ قرارات حاسمة دون طغيان.
وسليمان النبي الملك والملكة مارسا ذلك، فكانا ملكين وقائدين، لكن أخلاقيين قبل كل شيء.
والعلاقة بين الأخلاق والقيادة الأخلاقية نبرزها في الكتيب بصدق الملكة في عرض رسالة سليمان والشفافية في التواصل مع مجلسها، وعدم تعجلها في القرار والحذر وضبط النفس. ونظهرها في عفة سليمان احترام الكرامة الإنسانية
وحوار سليمان مع الهدهد التي تحترم آراء الآخرين ولو كانوا أدنى رتبة، وتفادي الحرب وحفظ الأرواح وتغليب السلام
ونقد الذات من الملكة تعبير عن القيادة الأخلاقية بتحمل المسؤولية والاعتراف بالأخطاء.
في الخلاصة: كتيب المفاوضات والحكم والقيادة، دروس من تجربة ملكة سبأ لا يعرض أخلاق الملوك والقادة بوصفها زينة شكلية، بل يُظهر أن القيادة القوية لا تنجح إلا إن كانت قائمة على أخلاق حقيقية. 
القائد الأخلاقي هو القادر على قول الحق، وتحمّل الخطأ، وحماية الناس حتى من نفسه. وهذا ما مارسته ملكة سبأ والنبي سليمان عليه السلام في أبهى صوره.
وبكل وضوح، كتيب المفاوضات والحكم والقيادة: دروس من تجربة ملكة سبأ يقدّم نموذجًا راقيًا للأخلاق في القيادة، من خلال تحليل تصرّفات ملكة سبأ قبل ان تسلم وبعد اسلامها، وتصرفات سيدنا سليمان عليه السلام، ويبرز للقيادة أهمية الاخلاق في القيادة، والقيادة الأخلاقية، ويُسقطها على مفاهيم القيادة الأخلاقية الحديثة.
ملكة سبأ، تعلمنا الان معنى القيادة، وفنها. انها العربية التي نتشرف بالانتساب اليها. وأنها جدة بناتنا وقدوتهن. 
كتيب المفاوضات والحكم والقيادة: دروس من ملكة سبأ.
تأليف محمد قاروط أبو رحمه
اصدار دار البيرق العربي للنشر والتوزيع، رام الله فلسطين 2025