ياسر عرفات الهوية الوطنية والضمير الحيّ

نوفمبر 11, 2024 - 16:18
ياسر عرفات الهوية الوطنية والضمير الحيّ

بهاء رحال

عشرون عامًا على رحيل ياسر عرفات، القائد الوطني الخالد، مؤسس الكينونة الفلسطينية، وباني أمجاد الحلم الوطني، وصانع ثورة المستحيل في الزمن المستحيل، وربان السفينة التي أرست أسس الدولة، وهيأت للشعب الفلسطيني ميلاد استقلاله المنشود. 

عشرون عامًا على رحيل أبي الهوية الوطنية، الذي صنع المعجزة في زمن اللامعجزات، واستطاع مراكمة النضال الوطني في كل الساحات والمنابر، وفي كل الطرقات والخنادق، وفي كل الميادين التي كان ياسر عرفات يضع فيها بصمة الفلسطيني الثائر في وجه الاحتلال، لتصير بعدها ركنًا صلبًا وركيزة في معادلة العالم، لا يمكن لأحد أن يتجاوزها، علامة وشعارًا وإرثًا مشتركًا لكل حرّ ولكل مؤمن بالعدالة، ولكل تواق للحرية. إنها قسمة الفلسطيني وفلسفة ياسر عرفات الخالدة التي أضحت نهجًا وأسلوب حياة وليست شعارًا فحسب، وقد شكلت طوق نجاة مستمر إلى يومنا، فهي القادرة على مواجهة التحديات، وهي الحاضنة لروح الإبداع الثائر، وهي البوصلة التي جسدت معنى النضال الوطني، وأسست ديمقراطية غابة البنادق، بإبداع عرفاتي ليس له نظير.

عشرون عامًا على رحيل ياسر عرفات الإنسان، الثائر والقائد والزعيم، وفي ذكراه هذه الأيام نستذكره كما تستذكره غزة التي تتعرض لإبادة جماعية مستمرة، وكم أحبته وأحبها وكم كان على أرضها فارسًا بانيًا شامخًا، يؤسس دولة الحلم الفلسطيني، بمطار وميناء وبنيان شكَّل صورة غزة الحديثة، الناهضة قبل الحطام والخراب الذي حلَّ بها، وقد عزز اللحمة الوطنية بقربه المشهود له مع الجماهير التي أحبته وأحبها، والتصقت به وقارب المسافات بينه وبينها بصدق عاطفته معها، فكان يصل الكبير والصغير، ويزور المخيم قبل المدينة، ويلتقي بالشبيبة قبل الوفود الرسمية والدولية، ولا يقطع وصلًا مع أحد، وهذه هي المدرسة العرفاتية العظيمة بمبادئها وقيمها وسلوكها وبُعدها النضالي والإنساني.

عشرون عامًا على رحيل القائد المؤسس، الباني والملهم والإنسان، الرمز الشجاع، وفي هذه الذكرى التي تمر وغزة تحت الإبادة الجماعية، تتعرض للموت والقتل والقهر والخراب، وتعيش فصلًا من أصعب الفصول، والعالم شاهد وصامت على كل ما حدث ويحدث من مجازر ومذابح وتجويع وحصار، وفي هذه الذكرى التي تمر تحت وقع المأساة وعذابات شعبنا، فإن عزيمة البقاء والصمود باقية بقاء العرفاتية الصلبة، التي رفضت الطرد والأسر والترحيل، وآثرت الشهادة، تمامًا كما نشهد هذه الأيام رفض الناس الهجرة والطرد والنفي، وهم باقون رغم كل ما يتعرضون له في فصول العذابات والمعاناة التي يعيشونها.

عشرون عامًا على رحيل ياسر عرفات، نتذكره ببزته العسكرية حين وقف في البيت الأبيض سيدًا وقائدًا، وبحذاء الثوار وكوفية الأحرار تربع على عرش المكان والزمان، رمزًا  شاهرًا شارة النصر التي ما بدلها قط، وما تنازل عنها ليهبها للأجيال إرثًا وشعارًا وهوية، وعلى خاصرته مسدس الفدائي، وفي هيبته وقار المناضل من أجل حقوق شعبه، وما تغيرت ملامح الفلسطيني فيه من قبل ومن بعد، معلنًا منذ ذلك اليوم ولادة فجر جديد، لنضالات شعب قاد مسيرته الوطنية باقتدار الزعيم الذي ناضل من أجل حياة حرة كريمة لشعبه، وقد كسر نظرية الاستعمار والاحتلال التي سعت لتكريس ترهة "سكان عابرين في المكان" وأرض بلا شعب كما زعموا، إلى شعب كامل التكوين، فدائي في الميدان، باني دولة المؤسسات والقانون، محافظ على إرث الأولين، لغة وثقافة وحضارة راسخة، بهوية وطنية وقيم إنسانية خالدة دليلها في المعنى كوفية معقودة بعناية، فما كان من دول العالم إلا أن انصاعت وقدمت اعترافها القاطع بحق شعبنا في أرضه، وأن ينعم بالحرية والاستقلال. 

فله المجد والخلود.