استراتيجية نتنياهو.. التصعيد نحو حُلم "إسرائيل الكبرى"

أكتوبر 27, 2024 - 13:33
استراتيجية نتنياهو.. التصعيد نحو حُلم "إسرائيل الكبرى"

مروان أميل طوباسي

مع تصاعد الهجمات الإسرائيلية على غزة وجنوب لبنان والجرائم والمحارق التي تنفذها، أتى التصعيد الأخير الليلة قبل الماضية باستهداف مواقع إيرانية خائفاً وباهتاً إلى حد ما، ما يؤكد رؤية نتنياهو الطويلة الأمد لتحقيق مشروع "إسرائيل الكبرى" سياسياً إن لم يكن بالشكل الجغرافي، حيث يستغل نتنياهو الدعم الأمريكي والصراع الدولي الجاري لتوسيع النفوذ الإسرائيلي في المنطقة، مستفيداً من الانشغال الأمريكي في أوكرانيا وبحر الصين والانتخابات، والرؤية الأمريكية المتعلقة بالشرق الأوسط الجديد.

 

تأتي الضربة الإسرائيلية الليلة قبل الماضية كخطوة تهدف إلى محاولة ردع إيران، والتي قد ترد بدورها مباشرة أو عبر حلفائها بالمنطقة، ما ينذر بتصعيد واسع. هذا التصعيد قد يُستخدم لتقوية موقف نتنياهو داخلياً، وللضغط على الولايات المتحدة للحصول على دعم أكبر أو لجرها مباشرة لدائرة الصراع رغم التوترات الدولية ووجودها العسكري بالمنطقة. هذا التطور يهدد بتوسيع دائرة الصراع لتشمل أطرافاً إقليمية، ما قد يدفع نحو نزاع شامل قد يمتد لمناطق أخرى في الشرق الأوسط. أمام ذلك يبقى السؤال هو كيف سيكون موقف الأطراف الإقليمية والدولية في ظل هذه التطورات؟

 

تصاعد الإجرام الإسرائيلي في غزة مع سعي نتنياهو إلى فرض واقع جديد يتمثل في إنشاء منطقة عازلة في شمال القطاع وإعادة الاحتلال بشكل جديد كما الاستيطان، مستفيداً من دعمٍ أمريكي يعزز موقفه الداخلي، ويقلل من الضغوط الخارجية. في ظل مآسي النزوح القسري والدمار الذي يطال البنى التحتية والبيوت والمستشفيات تتبع إسرائيل لذلك سياسة الأرض المحروقة من خلال "الحرب الشاملة"، التي تستهدف إضعاف القدرات الفلسطينية ليس على المقاومة فقط، وإنما على الوجود من خلال إفراغ المنطقة من سكانها. 

وعلى الرغم من الإدانات الدولية المتكررة، تظل الولايات المتحدة الحليف والشريك الرئيسي لإسرائيل، معتبرةً أن أمنها جزء من أمنها القومي، وبالتالي، تتجنب اتخاذ مواقف قاسية قد تؤثر على التحالف والمصالح والمفاهيم السياسية والعقائدية المشتركة. الإدارة الأمريكية، بقيادة بايدن، لا تتبنى نهج إدارة الأزمة فقط، بل والشراكة من خلال التدخل المباشر بتزويد إسرائيل بما يلزمها من أسلحة لتنفيذ ذلك وبالحماية الدبلوماسية اللازمة، ما يعطي الضوء الأخضر لإسرائيل لمواصلة سياستها في غزة وجنوب لبنان.

يستغل نتنياهو التوترات المتزايدة في المنطقة، متأملاً في حالة من استمرار الواقع القائم الذي يتزامن مع موسم الانتخابات الأمريكية. الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة بايدن تفضل التركيز على ملفات داخلية، متجنبةً إرباك علاقاتها مع إسرائيل. وعلى الرغم من بعض الدعوات للتهدئة، فإن الولايات المتحدة تتفادى الضغط الجدي على إسرائيل، في ظل الرغبة بتجنب مزيد من التصعيد التي قد تؤثر على نتائج الانتخابات، وهذا ما أكده بلينكين خلال زياراته المكوكية التي تعتمد أساساً على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها كضحية مستدامة. 

ومع احتمالية عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى الرئاسة، الذي أبدى دعماً غير مشروط لسياسات إسرائيل، يسعى نتنياهو إلى استثمار الوقت في تعزيز سياساته التوسعية. ويأمل أن يحظى بدعم أكبر في حال فوز ترامب، ما سيوفر لإسرائيل غطاءً أوسع لتنفيذ رؤيته "لإسرائيل الكبرى".

من الواضح أن إسرائيل تسعى لاستغلال اللحظة لتوسيع دائرة الصراع نحو إيران وما حدث الليلة قبل الماضية يندرج في هذا السياق، في خطوة يراها نتنياهو ضرورية لمحاولات تعزيز الردع الإقليمي. فالتوترات مع طهران تشكل محوراً استراتيجياً في السياسة الإسرائيلية، حيث ترى إسرائيل أن إضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة سيقلل من دعم فصائل المقاومة في غزة ولبنان والعراق واليمن، ويحد من طموحها بأن تكون لاعباً أساسياً بالمنطقة يعيق الرؤية الأمريكية الإسرائيلية المشتركة للشرق الأوسط الجديد.

الدعم الأمريكي لإسرائيل يشجع نتنياهو على اتخاذ خطوات استباقية، لكن بشروط تهدف إلى منع التصعيد إلى حرب شاملة قد لا تكون في مصلحة الولايات المتحدة في هذه المرحلة قبل الانتخابات في محاولة لفوز هاريس الذي أصبح مشكوكاً فيه. وقد يكون هذا الدعم مشروطاً بتفادي أي أعمال قد تُدخل واشنطن في صراع إقليمي أوسع، لكن يظل هناك دعم قوي للتحركات الإسرائيلية، ما يزيد من احتمالية تصاعد الأزمة ، أو نجاح نتنياهو في جر الولايات المتحدة إلى التورط في ذلك مباشرة من خلال عمل عسكري واضح المعالم رغم دعمها المستمر.

إنَ تعرض إيران لهجوم إسرائيلي سيؤدي على الأرجح إلى ردود فعل، إذ ستعتمد طهران على حلفائها الإقليميين لشن هجمات انتقامية من جهة، وعلى تطور قدراتها بفعل الدعم الروسي وإلى حد ما الصيني في مجال تكنولوجيا الأقمار الصناعية لتوجيه مسار صواريخها الجديدة الروسية، ما يعني أن مسرح العمليات لن يقتصر على الأراضي الإيرانية فحسب، بل سيشمل مناطق أخرى مثل لبنان وسوريا والعراق واليمن. هذا التصعيد قد يدفع المنطقة بأسرها إلى حالة متزايدة من عدم الاستقرار، وربما يشعل فتيل نزاع واسع يمتد إلى نطاقات جديدة في الشرق الأوسط ، أو إلى بدء محاولات جادة لتسوية سياسية شاملة المنطقة تحددها مجريات الأيام القادمة.

حزب الله، كأحد أبرز حلفاء إيران، قد يتخذ خطوة تصعيدية إضافة إلى ما هو جار حالياً من ضرب المواقع الإسرائيلية وزيادة خسائرها البشرية التي تجاوزت ١٥ ضابطاً وجندياً فقط في يوم أول من أمس لوحده، إضافة إلى الخسائر الاقتصادية والقطاعات الأخرى إلى جانب التداعيات النفسية لذلك، ويعزز من خطورة الوضع الحالي في ظل احتمالية توسع العمليات العسكرية. وفي هذا السياق، تظهر أهمية القرار الدولي ١٧٠١ الذي قد يكون السقف الدبلوماسي الأخير من أجل ضمان تنفيذ الانسحاب الإسرائيلي إلى خط الهدنة الموقع عام ١٩٤٧ قبل الانزلاق إلى نزاع شامل بين الطرفين.

 

إن استراتيجية نتنياهو التوسعية لا تهدد الفلسطينيين وحدهم ولا طرفاً دون طرف من فئات شعبنا، بل تمثل تحديًا للكل الفلسطيني بما في ذلك السلطة الوطنية، وللأطراف الإقليمية والدولية التي ترفض الاعتراف بالسيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد أن أعدمت إسرائيل حل الدولتين الذي لم يعد مطلباً حتى لأي أقلية إسرائيلية صهيونية اليوم.

وعلى المستوى الإقليمي فدول مثل تركيا وقطر وإيران تجد نفسها مجبرة على التفاعل مع التصعيد الإسرائيلي بما يتماشى مع مصالحها الاستراتيجية وحماية أمنها القومي. كما أن الموقفين الأردني والمصري قد يتأثران أيضاً بالأحداث الجارية والمتصاعدة، حيث تعتمد هذه الدول على استقرار الأوضاع في فلسطين ولبنان كجزء من أمنها الداخلي.

وتزامناً مع تصاعد التوتر، ظهر الدور الروسي كعامل مؤثر في إمكانية التوصل إلى تفاهمات جديدة في المنطقة، حيث تسعى موسكو لتعزيز نفوذها الإقليمي والاستفادة من الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة المنشغلة في فترة الانتخابات. تحاول روسيا استمالة كافة الأطراف المتنازعة، بما في ذلك قنوات التواصل مع حزب الله وإيران وحركة حماس من جهة، ومع إسرائيل من جهة أخرى، بهدف تخفيف حدة التصعيد وفتح الباب أمام مفاوضات قد تؤدي إلى حلول وسطية، لكنها لن تكون مستدامة في ظل مكونات الظروف القائمة باسرائيل.

يأتي ذلك بينما تسعى روسيا للتوسط في "صفقة دبلوماسية" تتضمن وقفاً مؤقتاً للعمليات العسكرية في غزة وجنوب لبنان، وربما لاحقاً لهدنة طويلة الأمد تتعلق بتطبيق القرار الدولي ١٧٠١ في جنوب لبنان والإفراج عن الأسرى الإسرائيلين لدى حماس وهذا ما يدعمه عدد من المواقف الأوروبية. هذا التحرك يمكن أن يحظى بقبول أمريكي ضمني، حيث تعي واشنطن أهمية تهدئة الأوضاع في المنطقة من أجل مصالحها، خاصة مع تزايد التعقيدات في أوكرانيا واقتراب تاريخ الانتخابات الرئاسية بعد أسابيع. لذلك، يعتبر الدور الروسي حاسماً في هذه المرحلة، حيث يمكن أن يصبح ضامناً للتوازنات في المنطقة، ويوفر بديلاً دولياً لاحتواء التصعيد إذا ما استمرت واشنطن بتجنب الانخراط المباشر، رغم التنسيق المباشر بين بايدن ونتنياهو. 

تشير التوقعات إلى أن نتنياهو قد يستغل الوقت الحالي لتكثيف تنفيذ رؤيته في الضفة الغربية بما فيها القدس، مستغلاً انشغال العالم بالانتخابات الأمريكية وغياب الضغوط. فالهدوء النسبي في الضفة قد يشكل فرصة ذهبية لتوسيع المستوطنات وتنفيذ عمليات تهجير للفلسطينيين في بعض المناطق خاصة بالاغوار، بما يتماشى مع رؤية "إسرائيل الكبرى".

 

وفي ظل احتمالية عودة ترامب للرئاسة، يأمل نتنياهو في الحصول على دعم أمريكي قوي، خاصة أن إدارة ترامب السابقة كانت قد دعمت سياسات إسرائيل بقوة ومنها الإعتراف بالقدس كعاصمة أبدية لإسرائيل وضم الجولان، ما قد يمكّن نتنياهو من تنفيذ خططه دون قيود تُذكر.

ويبقى السؤال ، هل نحن أمام سيناريو تصعيد طويل الأمد أم صفقة دبلوماسية تقود الى تهدئة ؟

مع استمرار التصعيد الإسرائيلي المدعوم من الولايات المتحدة، وظهور مساعٍ روسية لتقديم حلول دبلوماسية بديلة، تقف المنطقة أمام احتمالين متباينين. قد يكون الخيار الأول هو استمرار النهج التصعيدي الذي من شأنه أن يؤدي إلى صراع إقليمي شامل يجر أطرافاً دولية إلى أتون النزاع . 

وفي ظل هذه الأوضاع المتفجرة، قد يصبح الهدوء والاستقرار الذي أعدمت الحركة الصهيونية بمفاهيمها وسياساتها أية فرصة له أمراً بعيد المنال، ما لم تتخذ الأطراف الدولية والإقليمية خطوات جدية لوقف التصعيد ولجم السياسات الاسرائيلية. فاستمرار سياسة "فرض الوقائع أو الأمر الواقع" طالما استطاعت لن يؤدي سوى إلى مزيد من التصعيد وفتح جبهات جديدة في المنطقة، ما يضع الجميع أمام واقع شديد الخطورة قد يصعب التراجع عنه.

ومن يظن أن تسارع تنفيذ المشروع الصهيوني العالمي وأداته إسرائيل بمشاركة الغرب الاستعماري الذي أنشأها ورعى همجيتها وحماها كنظام استيطاني عنصري مارق، يستهدف فقط طرفاً دون الآخر أو أنه سيتوقف عند مصالح أحد ممن ليس منهم ظناً أنه سيبقى خارج أستهدافهم وبهدف حمايته، فهو واهم أو صاحب عُقمٍ سياسي. فكل شعبنا وشعوب المنطقة حتى سيادة دولها وأراضيها هي المستهدفة اليوم من محاولات استكمال ما لم يتحقق مع بداية ونتائج جريمة النكبة الأولى والمستمرة بفعل صمت العالم البعيد والقريب، لمشاريع تحت مسميات مختلفة مضمونها واحد