حال الناس

سبتمبر 4, 2024 - 14:04
حال الناس

غسان عبد الله

يتطلع الكاتب هنا، ومن خلال هذه الزاوية، إذا ما كتب لها الخروج إلى حيز النور، ومن باب الشعور بالواجب نحو مجتمعه، للمساهمة في تقديم ما يمكن تقديمه من عون ومساعدة للبشرية جمعاء، وبالأخص مجتمعنا الذي يعيش في ظل أجواء المقتلة والإرهاب منذ عقود خلت وإلى يومنا الحاضر .


لن تقتصر هذه المحاولة على التشخيص والوصف لحال الناس، بل ستتضمن ما يمكن نعته بـ "روشيته طبية"، هدفها التخفيف من حدة آثار الحالة المتناولة هنا، إن لم يكن اجتثاث انعكاساتها السلبية وتعديل سلوكيات الإنسان، قوام الحياة، والذي كرّمه الله الخالق، مع ضرورة تبيان أن أكثر الفئات عرضة vulnerable strata) ) هم الأطفال والنساء، لا سيما في المناطق النائية المهمّشة .


تتأثر جميع الفئات المجتمعية، بغض النظر عن العمر، الجنس أو الدين بآثار الصدمات النفسيّة، الناجمة عن الحرب الدائرة ضد الإنسانية. تتفاقم حدة هذه الآثار عندما تكون الأحداث الصادمة هذه متعمدة ومخطط لها Intentional Traumatic events ، كفقدان أحد أفراد الأسرة loosing، التهجيرdisplacement ، أو الحرمان deprivation .


تتخذ هذه التأثيرات أشكالاً عدة لا يمكن حصرها، سواء بالشكل/ المسمى أو درجة التأثير، ويعود السبب في ذلك، إلى الحيثية التي جرت فيها تلك الأحداث الصادمة والتجربة السابقة لدى الشخص الذي يعاني من آثار هذه الأحداث الصادمة، سواء كانت عرضية incidental أو متعمدة intentional ، مع ذلك يمكن ذكر بعض من أشكال هذه التأثيرات على سبيل المثال لا الحص:
* دوام القلق والتوتر، اضطراب في سلوكيات العادات في جوانب بيولوجية معينة ( الأكل، والنوم، وقضاء الحاجة).
•الميل إلى العزلة أو الانطواء عن المحيط والبيئة التي يتواجد فيه الشخص، ناهيك عن الميل نحو العدوانية aggression والتنمر(bullying ).... إلخ.
لماذا نهتم بجانب الصحة النفسية هنا؟؟ ببساطة وباختصار شديد، كون هناك:
- علاقة وطيدة بين الأمن النفسي والقدرة على تعزيز القيم والأخلاق، الركيزة الأساس للسلم الأهلي في المجتمع البشري، ولأن الصحة النفسيّة باتت حقاً من حقوق الإنسان، وركيزة أساسية لإنجاز التنمية المستدامة والسلام العادل والدائم .
- للأسف الشديد، تهتم المؤسسات الحكومية والأهلية (في معظم أرجاء المعمورة) بالجروحات والاصابات الجسدية، أكثر من اهتمامها بالجروحات النفسية، علماً بأن "جراحات السنان لها التئام، أما جراحات اللسان فلا التئام!
-هناك غياب جليّ لحالات الوعي المطلوب بالصحة النفسية والخوف الدائم من الوصمة المجتمعية .
- للأحداث الصادمة، تأثيرات فسيولوجية، فمثلاً مشاعر السعادة تذهب إلى القلب والبنكرياس، ومشاعر الغضب تذهب إلى الكبد، ومشاعر القلق تذهب إلى الطحال والمعدة، ومشاعر الحزن تذهب إلى الرئة، ومشاعر الخوف تذهب إلى الكلى، ومشاعر القلق والتفكير الزائد تذهب إلى المخ .

روشيتة/ وصفة طبية للتقليل/ التخلص من انعكاسات الأحداث الصادمة بشقيها:
* ضرورة تكثيف الجهود الفردية والجماعية، الحكومية والأهلية لتعزيز تقافة صحة نفسية فاعلة وسط أبناء المجتمع، وبهذا تسهل محاولات تقديم الإسعافات النفسية الأولية لمن يعانون من اضطرابات سلوكية أو أمراض عقلية بسبب هذه الأحداث الصادمة.
* الحرص اللامتناهي، وبدون مبالغة مفرطة، للانتباه والعناية بالذات، وتحديداً بالأطفال، عبر أساليب بسيطة غير معقدّة، يواكبها احترام المشاعر والابتعاد عن الألفاظ القاسية وغير الملائمة، وتجنب أسلوب التخويف والترهيب .
* دوام اشغال الطفل/ الشخص المستهدف بأنشطة وأعمال من شأنها تعزيز قيمة الشراكة المسؤولة، وذلك على طريق تجنب الميل للعزلة أو الانطواء.
* تناول المأكولات والمشروبات الصحية المغذية للجسم، مع ضرورة الابتعاد عن تناول المشروبات الكحولية أو الغازية.


* ممارسة كافة أشكال الرياضة الجسمانية والروحية، والعمل على زيادة ودوام الانخراط في الزيارات العائلية وبين الأقران .


* عدم الإطالة في مشاهدة نشرات الأخبار أو استعمال وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك لما لوسائل الاعلام، بكل مسمياتها من دور في تأجيج/ تخفيف حدة انعكاسات وتأثيرات الفعل الصادم، كونها قد تشكل دور إعادة لاستذكار الحدث الصادم ( reminder ).


•دوام إتاحة المجال للشخص/ الطفل لممارسة حياته اليومية كالمعتاد قدر الإمكان ودون تعريضه للخطر.
* هناك أهمية قصوى لأثر عمق الايمان الديني للتعافي من آثار الصدمات النفسية، كما بين لنا الأستاذ الدكتور حمزة ذيب ( عضو مجلس الافتاء الفلسطيني، رئيس فرع فلسطين في الاتحاد الآسيوي- الأفريقي للجامعات وعميد سابق لكليتي الشريعة والدراسات القرآنية في جامعة القدس)، والأرشمنديت عبدالله يوليو، ود.ماجد صقر من وزارة الأوقاف والمقدسات أثناء مداخلاتهم النوعيّة التي قدّموها في المؤتمر الدولي حول الصدمات النفسيّة: من المعاناة إلى التعافي والذي عقد في قاعة جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني/ البيرة يومي 14 و15 – 8- 2024، وبتنظيم وإشراف مركز الدراسات والتطبيقات التربوية CARE.

..........
علاقة وطيدة بين الأمن النفسي والقدرة على تعزيز القيم والأخلاق، الركيزة الأساس للسلم الأهلي في المجتمع البشري، ولأن الصحة النفسيّة باتت حقاً من حقوق الإنسان، وركيزة أساسية لإنجاز التنمية المستدامة والسلام العادل والدائم .