ماذا يعني أن تكون إنسانا طيباً؟

سبتمبر 4, 2024 - 14:02
ماذا يعني أن تكون إنسانا طيباً؟

فراس عبيد

الإنسان الطيب هو إنسان لطيف، محبّ لمساعدة غيره بدون مقابل، يتعامل مع الآخرين بشكل جيد جداً، لا يخون ولا يغدر، لا يحسد ولا يكيد، سليم الصدر، نقيّ القلب، واعٍ فكرياً لأهمية ممارسة الخير مع الناس، وغيرها من المزايا الحميدة.

وإننا إذا بحثنا عن كلمة تجمع الفضائل الإنسانية كلها في كلمة واحدة، فلن نجد كلمة أشمل أو أجمل من كلمة الطيبة.

وإذا آمنا بأن صلاح المجتمع الإنساني لا يتحقق إلا بالنظام، والعدالة الاجتماعية، وممارسة الحريات وتداول السلطة، واحترام الآراء، والنقد والإبداع،.. فإن الإنسان اللازم لتحقّق ذلك كله هو الإنسان الطيب، لا الخبيث.

ويشيع بين عامة الناس أن الطيب في هذا الزمن هو إنسان ساذج أو (أهبل)، ربما لكثرة النماذج الإنسانية السيئة التي اختبروها، ولصعوبة الاختبارات التي مروا بها على يد أناس خبيثين، يظهرون عكس ما يبطنون.

لكن التعاملات الخبيثة بين الناس، لا تنفي أبداً وجود التعاملات الطيبة، أو الناس الطيبين، أو جمال قيمة الطيبة، وروعة الإحساس بها، أو فاعليتها في النفوس.

ولنقترب أكثر من الحقيقة.. إن الطيبة جزءٌ لا يتجزأ من معركة الأضداد الفاعلة في الكون، فالطيبة تصطف إلى جانب قيم الحق والخير والعدل والعطاء والسلام وغيرها من القيم الإيجابية، في مواجهة القيم الضدية الممثلة في الباطل والشر والظلم والسلب والعدوان وغيرها من القيم السلبية.

لذلك.. أن تكون طيباً يعني أنك صنّفت نفسك في معسكر الخير، ونأيت بنفسك عن المعسكر الثاني (المضاد).

ولا تندهش إذا قلت لك: إن الطيبة تتطلب منك قوة ذاتية كبيرة، وإيماناً عميقاً بأهميتها وفاعليتها، لكي تتمكن من اعتمادها في سلوكك وأقوالك.

وفي هذه الحالة يكون الطيّب متبنياً لموقف فكري واعٍ يدفعه لاعتماد الطيبة مبدأً أساسياً في التعامل مع الخلائق، حباً لها واحتراماً، واقتناعاً منه بفاعلية الطيبة، كآلية اختراقية وتحفيزية للنفوس الإنسانية، يعوّل عليها في تغيير النفوس الإنسانية، تغييراً إيجابياً فجائياً، أو تدرّجياً.

فالطيبة لا تعني بالضرورة أن الطيب إنسان (مغلوب على أمره)، أو جاهل بنفوس الخلائق، لا بل إن كثيراً من الطيبين قد يفاجئونك بعمق تفكيرهم، وإحاطتهم بنوايا الخلائق.

وسيتابع بعض العامة قولهم.. نتفق معك، ولكن الطيبة الزائدة ليست بالأمر المحمود!

فأقول لهم: بلى إنها ليست بالمحمودة، إذا صُنعت في غير أهلها، أو مع من أبصر تلك الخصلة فيك، فقرر وتعمّد أن يستغلّها ويستثمرها. وهنا على الطيب أن يتوقف قليلاً، ويعقد مراجعة في نفسه ليوقف تعامله مع ذلك الشخص المستغِل نهائياً، أو ليضبط حجم طيبته ونوعها.

فلا تظنوا أن الطيب غبيّ، إنه يختلف فقط في أنه يمنح فرصاً للآخرين أكثر من غيره.

والسؤال الآن: هل يتواصل البشر بالطيبة؟

بلى.. إن التواصل بالطيبة هو شكل عميق ورائع من أشكال التواصل الإنساني، فهو تواصل يجمع بين إحساس قلبك النقي بإنسانية أخيك الإنسان، وخلاصة فكرك الإيجابي المعاون لأخيك الإنسان، ومشاعر المحبة والخير الموجهة منك إلى أخيك الإنسان. فتخيّل عظمة التواصل بالطيبة.

إن كل الأفكار والمشاعر النبيلة والجميلة تجاه الخلق والخليقة والخالق، وكل أنواع الذكاء والخبرة لديك، تتجمّع كلها في نقطة وعي مركزية فذة اسمها الطيبة، (قدس الله سرها)، تعمل بشكل منسّق وموّحد لتقدّم للإنسانية إنساناً طيباً، يخوض غمار العلاقات والأحداث بطيبته الفذة الواعية.

قد يسأل سائل: وماذا نستفيد من التواصل بالطيبة؟

إنك بتواصلك مع الآخرين بالطيبة، إنما تحسن الظن بالخالق، وتعرب عن فرحك بالحياة، وبالاجتماع الإنساني للأرواح، وبعظمة التصميم الإلهي للوجود المدهش، الذي هو مسرح التجربة الروحية واختباراتها.

وإنك بتواصلك مع الآخرين بالطيبة، إنما تظهر للناس كم أنت إيجابي وقوّي وواثق وعميق، ومنحاز لخط الخير في التعامل مع الخليقة. فيحبك الأخيار ويهابك الأشرار.

وإنك بتواصلك مع الآخرين بالطيبة، تكون أقرب ما تكون من الخالق العظيم، لأنك عنوان أصيل من عناوين المحبة الإلهية الممنوحة للبشرية، من أجل تزويدها بالحب وبالخير وبالعون، وهو المراد الإلهي من الخليقة. فلا تكون عوناً للمفسدين في هذا الوجود السامي.

وإنك بتواصلك بالطيبة، تنشر وتنثر الأمل والمحبة والطاقة الإيجابية والسلام على البشر وبيئة العلاقات، وتُقصي الخوف والقلق والشك عن دائرة التعامل بين البشر، (الحذر مطلوب وطبيعي، لكن الخوف ليس مطلوباً بأي حال).

هكذا يمكننا بكل يسر وفخر أن نعلن مفهومنا للطيبة وللتواصل بها، على أنها حال حالة من حالات الوعي الإنساني المتقدم والمقصود، وأننا نتعمد التعامل بها، ونسعى لتغذيتها ونشرها بين الناس، وهي حالة أبعد ما تكون عن السذاجة والجهل.

كما أنها حالة وعيٍ مضادة للسلبية وللخوف من المجتمع وللانطوائية، ومفهوم لغوي فكري إيجابي، يتحدى جملاً نمطية ذات مفعول سلبي وتدميري من قبيل (أولاد الحرام لم يبقوا لأولاد الحلال أي حاجة).

أفلا يكون الطيبون والطيبات إذن أداة من الأدوات التنفيذية لمشيئة الله الخيّرة في الأرض؟

ولافت حقاً العدد الكبير للمواضع والمعاني التي تحدث فيها القرآن الكريم عن مفهوم الطيبة، وكيف اعتبرها مفهوماً مقابلاً لمفهوم مضاد، وحزباً مضاد لحزب، وفكراً مضاد لفكر:

قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿١٠٠ المائدة﴾ .

مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَـٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴿١٧٩ آل عمران﴾ .

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ﴿٢٤ ابراهيم﴾ .

طوبى لكم.. أيها الطيبون والطيبات.

...............

إنك بتواصلك مع الآخرين بالطيبة، إنما تظهر للناس كم أنت إيجابي وقوّي وواثق وعميق، ومنحاز لخط الخير في التعامل مع الخليقة. فيحبك الأخيار ويهابك الأشرار.