بلينكن في المنطقة شريك بزي وسيط

د. أحمد رفيق عوض... رئيس مركز الدراسات المستقبلية في جامعة القدس
لم تستطع الإدارة الأمريكية على الإطلاق أن تنفذ وعدا أو تحافظ على سياسة منذ السابع من أكتوبر الماضي حتى يومنا هذا. تراجعت الإدارة الأمريكية في كل مرة، وبلعت أقوالها تماماً، ولم تكتف بذلك، بل تبنت الرواية الإسرائيلية وطبقتها ودافعت عنها، وكان من المدهش أن يتحول موظفو البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية إلى مدافعين عن السياسات الإسرائيلية مهما كانت فظيعة أو متوحشة.
منذ السابع من أكتوبر الماضي وحتى يومنا هذا، اتضح لكل ذي عينين إلى أي حد يمكن أن يصل الدعم والتبني الأمريكي للعدوان الاسرائيلي على شعبنا، فلم تكتف الولايات المتحدة بدعم إسرائيل بالسلاح والموارد البشرية والتكنولوجيا والغطاء السياسي والأخلاقي، بل تحولت إلى مقاتل شرس ضد القانون الدولي والهيئات الدولية، فكان هجوم بايدن على محكمة العدل العليا، وكان مشروع الكونغرس لمعاقبة محكمة الجنايات الدولية وقضاتها وملاحقتهم في كل المجالات لما يرقى إلى تهديد على الحياة وعلى مصدر الرزق والاغتيال المعنوي. واتفقت الولايات المتحدة على تحجيم وتهشيم المحكمتين الجنائية والعليا الدوليتين، وكذلك فعلت إسرائيل بحق وكالة الغوث "الأونروا" حين اعتبرتها منظمة إرهابية، وهذا يعني أن أمريكا وإسرائيل اتفقتا على مواجهة الهيئات الدولية وإسقاط القانون الدولي الإنساني، وهو تصرف سيتم تقليده من كل صاحب قوة، وبالتالي سيتحول العالم إلى غابة حقيقية.
إن ما فعلته أمريكا وتفعله حتى الآن إنما هو سقوط مروع لسياستها ولكل ادعاءاتها الكاذبة، ورغم تلك الأكاذيب ورغم ضعف الإدارة الأمريكية وتبنيها ودعمها لكل مواقف إسرائيل وسياساتها لأسباب لاهوتية واستعمارية معا، ولامتلاك اللوبي الصهيوني القدرة على توجيه الإدارة الأمريكية بما يخدم المصالح الاسرائيلية، فليس سراً أن كثيراً من المؤثرين السياسيين في أمريكا يتلقون الدعم المالي والسياسي والإعلامي من ذلك اللوبي الضخم والمتشعب. ورغم كل ذلك، فإن أمريكا تقدم نفسها على أنها الوسيط والراعي لعملية التسوية، وهذا أيضاً كذب مكشوف، فأمريكا ليست وسيطاً ولا راعياً على الإطلاق، فهي شريك كامل الشراكة في هذا الصراع، وأهدافها وإجراءاتها وسياساتها لا تخفى على عاقل.
وبهذا الصدد، فإن زيارة بلينكن للمنطقة هذا الأسبوع للمرة السابعة أو الثامنة لن تختلف عن سابقاتها على الإطلاق، فهو سيحاول بيع بضاعة فاسدة كالعادة، فالتطبيع مع إسرائيل لم يعد ورقة ضغط أو ورقة إغراء، فاليمين المتطرف الإسرائيلي لم يعد بحاجة إلى ذلك، كما أن الجانب العربي أدرك أن التطبيع ليس إلا نسخة معدلة من الاستسلام المجاني للسياسة الإسرائيلية، كما أن الكلام عن مسار ذي مصداقية لحل الدولتين إنما يراد به شراء الوقت إلى الأبد.
أما الكلام عن صفقة تبادل ووقف إطلاق النار، فهو أيضاً لا يتعدى فخاً آخر لتحرير بعض الأسرى الإسرائيليين ليس إلا، فالتفاوض المؤدي إلى أفق سياسي تخشاه إسرائيل وتخشاه أمريكا في ذات الوقت لأنه يعني هزيمة حقيقية لإسرائيل، والكلام عن اليوم الثاني وهو مصطلح اسرائيلي بامتياز لا يتضمن وجود السلطة الوطنية الفلسطينية ولا حركة حماس معاً، بل يشير ذلك إلى البحث عن مقاول مقبول لإدارة الضفة وغزة كلا على انفراد، إذ إن أمريكا لحست كلامها عن تعزيز وتنشيط السلطة الوطنية وتقويتها، وخضعت لرؤية متطرفي الحكومة الإسرائيلية بتفكيك الجغرافيا والديموغرافيا الفلسطينية في آن معاً.
ما الذي يمكن لوزير الخارجية الأمريكية أن يقوله هذه المرة بعد اشتراك خلية أمريكية في مذبحة النصيرات وسقوط أكثر من مئتي شهيد هناك، دون أن يثير ذلك العالم كله، وكأن كل هؤلاء الشهداء الأقمار مجرد أضرار جانبية، أو أنهم سقطوا لمجرد وجودهم في بيئة حضرية كما قال مسؤول اسرائيلي.
ما الذي يبحث عنه وزير الخارجية الأمريكي في أنقاض غزة؟ هل ينتظر استسلام الشعب الفلسطيني مثلا؟! وهل ينتظر هدايا مجانية ؟! أم أنه جاء بتهديد جديد؟!
........
إن ما فعلته أمريكا وتفعله حتى الآن إنما هو سقوط مروع لسياستها ولكل ادعاءاتها الكاذبة.