خطاب الرئيس في تركيا.. طوق النجاة الأخير للقضية الفلسطينية

أغسطس 25, 2024 - 09:50
خطاب الرئيس في تركيا.. طوق النجاة الأخير للقضية الفلسطينية

أحمد صيام

تباينت ردود الفعل المحلية على خطاب الرئيس محمود عباس منتصف الشهر الجاري أمام البرلمان التركي، والتي عجت بها وسائل الإعلام الرسمية والمحلية ووسائل التواصل الاجتماعي، بين التأييد والتطبيل، وبين التقليل من أهميته والتشكيك بمضمونه، والتهكم والسخرية على ما جاء فيه، في الوقت الذي لم يصدر فيه أي تعليق رسمي من حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
لم أكن أرغب في التعليق على خطاب الرئيس، ولكن أثارتني بعض الردود، فآثرت التريث ومتابعة ما يدور في خلد المحللين والمتابعين وقراءاتهم للخطاب، وأغلبها مغاير لقراءتي مع قليل من التناغم، من أصحاب الأقلام الإعلامية والسياسية، وقد يجدها البعض ضرباً من ضروب الخيال الواسع.
استمعت للخطاب، ولا أذيع سراً، إذا قلت أنني ولأول مرة أتابع خطاباً للرئيس بشغف وإصغاء تام، وكرست كل الوقت لسماعه بالكامل منذ زمن طويل، وقراءتي له تختلف عن قراءات من سبقني من كتاب ومحللين وسياسيين وإعلاميين .
استوقفتني في الخطاب بعض العبارات والتي لم يسبق للرئيس منذ تبوئه رئاسة السلطة الوطنية عام 2005 وحتى ما قبل الخامس من آب الجاري أن استخدم مثلها، كوصف الشهيد إسماعيل هنية "بالمجاهد" وقراءة الفاتحة على روحه، وقوله "العدو الإسرائيلي" فيما كان سابقاً يستخدم وصف "دولة إسرائيل"، مع أن خطابه لم يخل منها، ووصف الإسرائيليين بالقتلة ومجرمي الحرب والإصرار على محاسبتهم وعقابهم، ثم وصف أمريكا بالطاعون، والتمسك بشدة بالقدس مؤكداً "أنه ليس منا وليس فينا من يفرط بذرة من تراب فلسطين وحجر من حجارتها"، والإعلان- وإن كان متأخراً بخصوص التوجه وجميع أعضاء القيادة الفلسطينية إلى غزة، وتحمل المسؤوليات- مؤكداً على وحدة جغرافية الوطن وأن لا دولة في غزة ولا دولة من دون غزة، ولكن آخر العبارات وأخطرها كانت "النصر او الشهادة.
قراءتي للخطاب تتمحور في أن الرئيس وأمام أكبر الدول الإسلامية وأكثرها تأثيراً ( تركيا )، ولها تاريخ مشترك معنا طيلة ستة قرون، وحاضنة سابقة لحركة حماس، قدم طوق نجاة للحركة من الاندثار، ونجاة أيضا لأبناء شعبنا عامة في قطاع غزة، مؤكداً التزامه من موقع مسؤوليته استعداده التام والكامل وأعضاء القيادة مجتمعين القيام بالدور المناط بهم- حتى وإن كان متأخراً- لرفع الغمة عن أهلنا في القطاع، والعمل الجماعي لرفع المعاناة التي يكابدها الغزيون منذ أكثر من عشرة أشهر، ولعل الأهم في ذلك إدراك الرئيس لخطورة الأهداف الإسرائيلية من وراء استمرار العدوان وإطالة أمده في غزة، فأراد بخطوته قطع الطريق عن محاولات حكومة نتنياهو المتطرفة تمرير مخططاتها، وأبرزها الوصول إلى رأس المقاومة كجثة هامدة، ويكون درساً بعدم التجرؤ على مقاومة الاحتلال وأعوانه من العجم والعرب، ومن ثم تجريد السلطة الوطنية أي كان على رأسها من مضمونها وتحويلها إلى أحد أفرع الأجهزة الإسرائيلية تخدم أهدافه، ومن هنا جاءت دعوة الرئيس في الخطاب لقادة العالم والأمم المتحدة مشاركته تنفيذ قراره بالتوجه إلى قطاع غزة للضغط على سلطات الاحتلال، والعمل على وقف حرب الإبادة والانسحاب الكامل من القطاع، ومن ثم الالتفات إلى إعماره، وهو ما تماشى مع ما اعلنت الحكومة الفلسطينية مؤخراً عن خطة قد أعدتها لإعمار غزة.
الرئيس وكما يبدو ماضٍ في خطواته وأصدر الأربعاء الماضي مرسوماً شكل فيه لجنة من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير تقوم بالترتيب للتوجه إلى غزة، مهما كلف الثمن، وندرك جميعاً أن التوجه إلى غزة محفوف بمخاطر جسيمة، ولكن الرئيس بعناده المعهود، وإصراره كما يبدو وهو على مشارف التسعين من عمره أن يضع العربة الفلسطينية على سكتها الصحيحة، حتى لو كلفه ذلك حياته، لذلك قال أن حياته أو أي من أعضاء القيادة ليست أفضل من حياة طفل قضى شهيداً تحت أزيز رصاص الاحتلال .
الطريق إلى غزة ليس بالأمر السهل، وبحاجة إلى ترتيبات دقيقة تتجاوز حقول الألغام المزروعة في جنباتها ومن حولها، وخاصة الجانب الإسرائيلي الذي أعلن عن رفضه السماح بمثل هذه الخطوة، ولكن – وقد أكون مخطئاً– أن سلطات الاحتلال ستُبدل موقفها وتسمح بذلك، إلا أن سماحها هذا قد يكون فيه فخ تنصبه للرئيس والقيادة بإرسال أحد المتعاونين ليقوم بفعلة إجرامية بحق الوافدين وإلقاء التهمة على حركة حماس .
حماس من جانبها، وليس سراً القول أنها منهكة بالرغم من استمرار الصمود الأسطوري طيلة أكثر من عشرة شهور، رحبت من قبل خطاب الرئيس بعودة السلطة الوطنية إلى قطاع غزة، لتولي مسؤولياتها دون المساس بالمقاومة، والرئيس في خطابه أشاد بالصمود الأسطوري للمقاومة، بمعنى أن هناك شيئاً من التناغم والتنسيق كما يبدو في المواقف، ويبدو أنها التقطت الإشارة بالرغم من عدم صدور أي تعليق رسمي لها على خطاب الرئيس في تركيا - ويبدو أن السكوت علامة الرضى- إلا أن حكمائها اعتبروا ذلك طوق نجاة لهم وللقطاع، وهو ما تناغم وتصريحات حسين الشيخ عضو اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واللجنة المركزية لحركة فتح عن تنسيق الخطوات مع حركة حماس، واستثمار هذا الصمود سياسياً والتوجه المشترك إلى المجتمع الدولي موحدين وتحت راية منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني، لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية، وفي مقدمتها حق تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها الأبدية القدس الشريف.
باختصار، أستطيع أن اٌقرأ من خطاب الرئيس، أنه أعلنها صرخة مدوية وألقى بالكرة في المعلبين العربي والمجتمع الدولي، وطوق النجاة ربما الأخير للقضية العربية الفلسطينية. ومن هنا جاءت نبرته مغايرة لما سبقها وفيها من المصطلحات التي تتماشى وأيدولوجيات الكل الفلسطيني، وإن تم الأخذ به وصدقت النوايا، فإنه يؤسس لرؤية سياسية ومرحلة نضالية جديدة، تقود إلى تقويض المخططات الإسرائيلية، خاصة وأن الرئيس بيّن بشكل صريح أن الفلسطينيين خط الدفاع الأول في مقاومتهم للأطماع الإسرائيلية التوسعية التي تتجاوز حدود فلسطين، ومن ثم الحرية، شريطة العمل الجماعي الوحدوي واستبدال بعض الأدوات بأخرى تتلاءم والمرحلة القادمة، وصولاً إلى القدس بمقدساتها الإسلامية والمسيحية، والتي هي جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية العربية المحتلة .

..............
أستطيع أن اٌقرأ من خطاب الرئيس، أنه أعلنها صرخة مدوية وألقى بالكرة في المعلبين العربي والمجتمع الدولي، وطوق النجاة ربما الأخير للقضية العربية الفلسطينية.