مغزى تسليم المحتجزين من أكثر من محور

مغزى تسليم المحتجزين من أكثر من محور

ديسمبر 2, 2023 - 10:10
مغزى تسليم المحتجزين من أكثر من محور
مغزى تسليم المحتجزين من أكثر من محور

مغزى تسليم المحتجزين من أكثر من محور

هنا تحت غزة مدينة عبقرية، ليست كأي مدينة، كان يحلم الاحتلال تحويلها إلى مقبرة جماعيّة للفلسطينيين لتعلن نفسها مقبرة لغزاتها وسلاحاً استراتيجيّاً رديفاً لما بيد المقاومة، تماماً كما تضاريس وجغرافيا المكان، تحالفت والمقاوم حجراً حجراً ومداخلَ وشوارعَ و… ”زنقة زنقة“ في المواجهة.
قد يطلق على ما تحت غزة المدينة اللغز أو المدينة السريّة، مدينة الأنفاق أرّقت جيش الاحتلال وقادته فكانت كلمة السر في كل عدوان، يخرج منها المقاوم فلا يعرف جنود الاحتلال من أي الجهات أتى وإلى أي الأمكنة والمكامن يعود فيحتمي.
مدينة بكامل هندستها طرق ودهاليز وإمكانات صمود ومواجهة، بدأت إرادة تشييدها مطلع التسعينات جرّاء سياسات الاحتلال على قطاع غزّة وتعذُّر وصول مقوّمات الحياة للفلسطينيّ، فكانت وظيفتها تهريب السلع وكل ما يبقي الغزّي على قيد الحياة والصمود.
مع انطلاقة انتفاضة الأقصى عام ٢٠٠٠، أعلنت مدينة الأنفاق ولادتها الحقيقية لتغدو طريقاً لتهريب السلاح بل وتنطلق منها عمليّات فدائية لتوقع وتوجع جنود الاحتلال في موقع "ترميد" العسكري في رفح، فتتوالى العمليّات من خلال نفق لم يتجاوز طوله مئة وخمسين متراً في العام ٢٠٠٣، والعام ٢٠٠٤. توالت العمليّات واستهدفت مواقع للعدوّ ليتكلل الفعل الفدائي المقاوم في العام ٢٠٠٥ في إعلان الاحتلال انسحابه من غزّة لتعلَن مدينة محررة.
لم يتوقف العدوان بالرغم من دحر الاحتلال؛ بل ظلّت قوّاته طيراناً وآليّاتٍ تغير وتقتحم، ففي العام ٢٠١٤ شنّت قوّات الاحتلال عدوانها في عمليّة أسمتها الجرف الصامد، فيما أطلقت عليها حركة المقاومة الإسلاميّة "حماس" العصف المأكول وأسمتها الجهاد الإسلاميّ البيان المرصوص مما أجبر دولة الكيان على الاعتراف أن الانفاق هي من تُعجِز جيشها عن محو غزّة. كان المقاوم يخرج من عين النفق يقاتل وينسحب ويختفي، ليطلق قادة جيش الاحتلال على تلك المعركة ”معارك الأشباح“.
أدّت مجريات تلك المعارك إلى لجوء الكيان لإقامة جدار فولاذيّ بتكلفة زادت عن المليار دولار أميركيّ، لتحوّله المقاومة في السابع من تشرين أول المنصرم إلى مهزلة، ولتتصدّر استراتيجيّة الأنفاق المشهد، وليعود شبح المقاوم يصدّ العدوان ”كالنّيص“، بفلسفة عسكريّة وقدرة على ثني ومهاجمة العدوّ من زوايا مختلفة لا تُعرف مداخلها ومخارجها، وبحسّ أمنيّ عالٍ مستخدماً طرقاً لا يعرفها سواه، يضرب ويهرب، يُنهك ويستنزف العدوّ فلا يمكّنه من الإمساك به.
تلك هي المدينة اللغز غزّة … وبالعودة إلى طوفان الأقصى وأحد مفاصل مجريات المعارك يبدو من اللافت فرض المقاومة شروطها وآليّة تسليم المحتجزين ومكان وزمان التسليم على الاحتلال، ليذعن ويرضخ، وما هذا الحدث إلا صورة من صور التحدي وهزيمة أقوى جيش في المنطقة.
لقد تمّت عمليّات التسليم في أكثر من موقع، بدءًا برفح جنوبًا وحتى بيت لاهيا شمالاً، في استعراض عسكريّ مشترك لكتائب القسّام وسرايا القدس في ميدان فلسطين وسط مدينة غزّة. لعلّ اعتماد المقاومة آليّة تسليم الرهائن من أكثر من موقع، إنما يبعث برسائل للعدوّ أولاً وللعالم ثانيا مفادها أن المقاومة هي المسيطر الفعليّ فوق الأرض وتحتها في كامل قطاع غزّة، وأن المقاومة هي صاحبة القول الفصل في المكان والزمان والإرادة.