أدرس ذكاء اصطناعي؟

أغسطس 17, 2024 - 09:37
أدرس ذكاء اصطناعي؟

عبد الرحمن الخطيب

ماذا أدرس؟ سؤال يتكرر بشكل يومي لا سيما بعد الإعلان عن نتائج الثانوية العامة وتوجه الطلاب إلى مؤسسات التعليم العالي لاستكمال رحلتهم التعليمية، حيث أن الإجابة على هذا السؤال أصبحت أكثر تعقيدًا مع التطورات التكنولوجية والرقمية الهائلة التي تجتاح مختلف مجالات الحياة. أصبح العالم يتجه نحو الرقمنة والاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي وعلوم الحاسوب، مما يجعل هذه التخصصات من بين الأكثر أهمية واستقطابًا للطلاب، ولكن، هل يجب أن تكون هذه التخصصات هي الوحيدة التي نركز عليها في مسيرتنا التعليمية؟

لست خبيراً استرتيجياً أو تربوياً لأسند إجابتي بالأرقام والخطط ولكن بحكم اختصاصي استطيع أن أفهم كيف يتشكل مستقبلنا، فالذكاء الاصطناعي وعلوم الحاسوب يلعبان دورًا حيويًا في تشكيل المستقبل، فقد بدأت هذه المجالات في تغيير طريقة عمل العديد من الصناعات والمهن، بدءًا من الطب وصولًا إلى الهندسة، وحتى الفنون والإعلام. إن دراسة هذه العلوم تتيح للفرد فرصة فهم آليات بناء التطبيقات والأنظمة التي تسهل حياة البشر، مما يجعلها تخصصات ذات قيمة عالية في سوق العمل، ومع تزايد الطلب على الابتكار والإبداع في العالم الرقمي، أصبحت مهارات البرمجة وتطوير البرمجيات من بين الأكثر طلبًا.

لكن، بالرغم من هذه الأهمية البالغة، يجب ألا ننسى أن التكنولوجيا ليست سوى وسيلة، وليست هدفًا بحد ذاتها. إن الغاية من تطوير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي هي تسهيل حياة البشر وتحسين جودة حياتهم. ولذلك، يجب أن يكون لدينا وعي بأن هذه العلوم ليست كافية بمفردها لتحقيق هذا الهدف. هنا تأتي أهمية دراسة التخصصات الأخرى، والتي تساعد في فهم كيفية تطويع التكنولوجيا لخدمة الإنسان والمجتمع بشكل أوسع.

تظهر الحاجة إلى الجمع بين التخصصات التكنولوجية والتخصصات الأخرى بوضوح عندما نلقي نظرة على كيفية تأثير التكنولوجيا على مختلف المجالات، على سبيل المثال، في مجال الطب، لا يمكن للتكنولوجيا وحدها أن تحقق نجاحًا دون معرفة طبية عميقة. يحتاج الأطباء والمختصون إلى فهم كيفية استخدام التكنولوجيا لتحسين التشخيص والعلاج، وليس فقط الاعتماد على البرمجيات والأنظمة دون التفكير النقدي والتحليل العميق للنتائج. نفس الأمر ينطبق على المحاسبة، حيث يجب على المحاسب معرفة كيفية تصميم وتطوير الحلول التكنولوجية التي تتماشى مع الاحتياجات التي تهم صاحب القرار.
علاوة على ذلك، يعتبر فهم الإنسان وطبيعته جزءًا أساسيًا من أي تطبيق تكنولوجي ناجح. على سبيل المثال، في مجالات مثل علم النفس أو علم الاجتماع، يمكن استخدام التكنولوجيا لتطوير أدوات تساعد في فهم السلوك البشري والتنبؤ به. لكن هذه الأدوات لن تكون فعالة إلا إذا كانت تستند إلى معرفة عميقة بالنفس البشرية والتفاعل الاجتماعي. من هنا، يمكن القول، إن التكنولوجيا والعلوم الإنسانية يجب أن تسير جنبًا إلى جنب لتحقيق التقدم الحقيقي.
إن التكامل بين التكنولوجيا والعلوم الأخرى ليس مجرد خيار، بل ضرورة في عالمنا اليوم. نحن بحاجة إلى تعليم الطلاب كيفية استخدام التكنولوجيا بشكل يخدم الإنسان وليس العكس. ويجب أن يكون هناك وعي بأن التكنولوجيا ليست حلاً لكل المشاكل، بل هي أداة يجب أن تستخدم بحكمة وتحت إشراف متخصصين من مختلف المجالات.

في النهاية، يتبين أن السؤال عن ماذا ندرس في هذا العصر الرقمي يجب أن يتجاوز التخصصات التكنولوجية. نعم، دراسة الذكاء الاصطناعي وعلوم الحاسوب أصبحت ضرورة لا غنى عنها، لكن يجب أن تكون هذه الدراسة متكاملة مع تخصصات أخرى تساعد على فهم أعمق للإنسان والمجتمع. لا يمكن للتكنولوجيا أن تحقق أهدافها الحقيقية دون أن تكون جزءًا من رؤية أوسع تشمل القيم الإنسانية والأخلاقيات والفهم العميق للعالم من حولنا. وبذلك، نكون قد أعددنا أنفسنا ليس فقط للتعامل مع تحديات العصر الرقمي، بل أيضًا للمساهمة في بناء مستقبل أكثر إشراقًا وإنسانية.

----------
إن التكامل بين التكنولوجيا والعلوم الأخرى ليس مجرد خيار، بل ضرورة في عالمنا اليوم. نحن بحاجة إلى تعليم الطلاب كيفية استخدام التكنولوجيا بشكل يخدم الإنسان وليس العكس