حديقة السلام في مرتفعات الجولان
غيرشون باسكين
لقد فتح انهيار نظام بشار الأسد إمكانيات جديدة أمام سوريا وإسرائيل. ويبدو أن الزعيم السوري الجديد أحمد الشرع، المعروف باسمه الحركي أبو محمد الجولاني، يحاول تقديم وجه جديد للعالم حيث لا تتعارض سوريا مع إسرائيل ولا تندرج ضمن المحور الشيعي المتحالف مع إيران. وتتخذ إسرائيل الاحتياطات اللازمة للقضاء على أي تهديد محتمل من سوريا من خلال تدمير مخازن الأسلحة والقوات الجوية السورية وأنظمة الدفاع الجوي والأسلحة الكيماوية وغيرها من الأهداف العسكرية بشكل استباقي. كما عبرت إسرائيل إلى المنطقة العازلة منزوعة السلاح التي تبلغ مساحتها 235 كيلومترًا مربعًا والتي أنشئت بموجب اتفاقية فك الارتباط لعام 1974 بين إسرائيل وسوريا، والتي اختتمت حرب يوم الغفران، والتي كانت مأهولة لعقود من الزمن بقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. كما دخلت إسرائيل إلى الأراضي السورية ذات السيادة خارج المنطقة العازلة. إن هذا الاستفزاز يتجاوز الحذر ويحمل في طياته إمكانية التسبب في ردود فعل عسكرية كان من الممكن تجنبها.
إن الخطوات الإسرائيلية منطقية في إرسال رسالة واضحة إلى النظام السوري مفادها أن إسرائيل مستعدة لاستخدام كل الوسائل العسكرية المتاحة لها لمنع سوريا من تعريض إسرائيل للخطر. وهذه رسالة مهمة، ولكن ربما توجد طريقة أفضل لتحديد ما إذا كان النظام السوري الجديد شريكاً محتملاً للتطبيع في المستقبل وربما حتى السلام. وقبل خوض الحرب، ربما يكون من الأفضل لإسرائيل أن تقدم بعض الخطوات التي قد تؤدي إلى تطورات إيجابية في العلاقات المحتملة بين البلدين.
ربما نستطيع أن نتعلم بعض الدروس من أجزاء أخرى من العالم في هذا الصدد. ففي عام 1997، وضع رئيس جنوب أفريقيا نيلسون مانديلا والأمير برنهارد من هولندا والدكتور أنطون روبرت خطة لإعادة الحياة البرية إلى جنوب أفريقيا والقيام بذلك عبر الحدود بين البلدان. وقد أنشأوا معاً مؤسسة حدائق السلام التي انطلقت في مهمة أصبحت أكبر مبادرة للحفاظ على الطبيعة في أفريقيا. مع التركيز في البداية على جمع رؤساء الدول معاً لإنشاء مناظر طبيعية عابرة للحدود تسمى "حدائق السلام". ولقد شهدت النجاحات المبكرة إنشاء عشر مناطق محمية عبر الحدود. وقد أدى هذا إلى وضع 11.3 مليون هكتار من الأراضي تحت الحماية. وبطبيعة الحال فإن سياق إسرائيل وسوريا يختلف عن الحالة الأفريقية ونجاحاتها في إنشاء حدائق السلام، ولكن ربما نستطيع أن نستلهم من الفكرة الأساسية المتمثلة في المناطق الحدودية التي تعزز السلام وتحدد مثل هذه المنطقة على أنها منطقة تخدم كلا الجانبين وتوفر فرصاً للمنفعة المتبادلة.
لقد تطورت حدائق السلام على مدى السنوات السبع والعشرين الماضية، حيث تكيفت باستمرار لتعظيم التأثير، مستفيدة من الدروس القيمة المستفادة على طول الطريق. إن اقتراحي لإسرائيل وسوريا الجديدة هو تحويل المنطقة العازلة التي تبلغ مساحتها 235 كيلومتراً مربعاً بين البلدين إلى حديقة سلام جديدة. وسوف تكون منطقة السلام هذه ذات حدود مفتوحة من كلا الجانبين مع إجراء عمليات تفتيش حدودية وأمنية من قبل كل دولة قبل دخول المنطقة. وسوف يُسمح لمواطني كلا الجانبين بدخول حديقة السلام بعد عمليات التفتيش الأمنية والعودة إلى جانبهم. ومن الممكن إضافة مراقبين ومحققين دوليين إلى الموافقات الأمنية حتى يتم تطوير المزيد من الثقة بين الجانبين. إن الجانبين لابد وأن يتفقا على الترتيبات الأمنية الخاصة بمنطقة حديقة السلام على أساس منصف يسمح لعدد متفق عليه من أفراد الشرطة المسلحة بدوريات في الحديقة وضمان أمن جميع الزوار. ولا بد وأن يتم التوصل إلى اتفاقات بشأن التنمية الاقتصادية لحديقة السلام من أجل توفير المرافق للزوار إلى منطقة الحديقة والتي من شأنها أيضاً أن تمكن الجانبين من الاستفادة من المنطقة على قدم المساواة. وتشكل السياحة عنصراً حيوياً للاستدامة المالية لحديقة السلام وربما يمكن تشجيع المستثمرين من الخارج على المساعدة في تطوير المنطقة أيضاً. ولا بد وأن يهتم الجانبان بالسياحة البيئية للحفاظ على التضاريس الفريدة والمحيط البيئي للمنطقة. ولا أعتقد أن أياً من الجانبين يرغب في رؤية الإفراط في التنمية في المنطقة على نحو من شأنه أن يدمر المناظر الطبيعية المذهلة، ولكن من الممكن الاتفاق على مستوى معين من التنمية.
إن إنشاء حديقة السلام في الجولان من شأنه أن يشكل خطوة في تطوير التعاون البناء بين إسرائيل وسوريا، ومن شأنه أن يوفر فرصاً للمواطنين الإسرائيليين والسوريين للمشاركة بشكل إيجابي على الفور، مما يقلل من المخاوف والشكوك التي نشأت نتيجة لعقود من العداء والحرب. ويتمثل التحدي الذي يواجه الجانبين في العمل معاً في خلق بيئة عمل مشتركة سليمة من خلال النهوض بالأعمال التجارية الشاملة الإيجابية للطبيعة والتي من شأنها أن تعزز الاستدامة والسلام. ومن شأن حديقة السلام الإسرائيلية السورية في الجولان أن تقدم مساهمة حقيقية في السلام والازدهار من خلال الحد من الصراع بين البلدين وخلق مساحة آمنة للمجتمعات التي تعزز التعايش السلمي بين البلدين.
* عضو مؤسس في الحزب السياسي "كل عزراهايا - كل مواطنين" في إسرائيل
وهو الآن مدير الشرق الأوسط لمنظمة المجتمعات الدولية في المملكة المتحدة
...........
إن اقتراحي لإسرائيل وسوريا الجديدة هو تحويل المنطقة العازلة التي تبلغ مساحتها 235 كيلومتراً مربعاً بين البلدين إلى حديقة سلام جديدة. وسوف تكون منطقة السلام هذه ذات حدود مفتوحة من كلا الجانبين.