استدعاء الهدوء الأعظم في وقت الاضطراب الأعظم

أغسطس 13, 2024 - 10:13
استدعاء الهدوء الأعظم في وقت الاضطراب الأعظم

فراس عبيد

كُتب على الإنسان أن يمرّ بأوقات السلام الأعظم في حياته الدنيوية، ويختبرها، ويفرح جداً بها، فيتمنى لو تستمر تلك الأوقات أبداً !


وكُتب عليه أيضاً أن يمرّ بأوقات الاضطراب الأعظم في حياته الدنيوية، ويختبرها، ويتألم منها أشد الألم، فيتمنى لو أنه لم يأتِ إلى هذه الدنيا !


(سأترك السلام الأعظم يزورنا ويحيّينا وقتما يشاء، وحتى يحين موعد زيارته المباركة سأحدثكم عن الاضطراب الأعظم الذي نعيشه في هذه المرحلة العصيبة من عمر الكوكب، في العام 2024 ) .


في فترات متقطعة من عمره الزمني على الأرض، سيواجه الإنسان مواقف عصيبة جداً تجعله في حيرة عميقة، وربما تفقده توازنه، وتغيّر قناعاته التي ألفها، وربما تهزّ يقينه وإيمانه، وربما تدفعه إلى رد فعل جذري عنيف، يضرّه بدل أن ينفعه، وربما تصيبه بمرض مزمن، أو تتسبّب له بالموت من شدة الموقف العصيب أو الاختبار.
نعم ! إلى هذا الحدّ تبلغ صراحة الحياة، ودقة ما أعدته لك من مفاجآت قاهرة.


أما لماذا تضرب الحياة هذا المخلوق (الإنسان) بكل تلك الجرأة والشدة ؟! فهو سؤال مهم، لكن الأهم من معرفة إجابته هو معرفة كيفية التعامل مع الحياة في تلك اللحظات المهولة.


من أهوال الدنيا.. الحرب، والسجن، وحوادث السير الشديدة، والأمراض الصعبة والفتاكة العضوية والنفسية، والتورط في قضية قانونية، والفقر، وفقدان عزيز، والطلاق وتفكك الأسر، والتعرض للظلم، وغيرها من الأهوال التي لا أفضّل مجرد ذكرها، حتى لا أمنحها مزيداً من طاقة الحياة.


ومن سمات الموقف العصيب أنه يشعرك بالعجز، وبالحصار، وبالقهر، وبفقدان الأمل، وبالغضب، وبصعوبة أو استحالة الخروج من المحنة، وبأن الأرض والسماء قد تخليا عنك، وبأنك لن تحتمل هذا الموقف، وعليه فإنك ستمرض مرضاً خطيراً وقد تموت.


وبالطبع، فإن تلك السمات الشعورية ناتجة عن معادِلات حقيقية لها في الواقع، تتجسّد فيها على أرض الواقع حالات العجز والحصار والقهر بشكل مادي وعملي وملموس، فمَن أحسّ بالفقدان فَقدَ عزيزا بالفعل، ومَن أحسّ بالفقر لم يعد يملك مالاً بالفعل، ومَن قُهر قد تمّ قهره بالفعل في موقف حياتي، ومَن أحسّ بالعجز تعرّض لحادث بُترت فيه قدمه، ومَن أحسّ بالخذلان قدّم الكثير للمجتمع، ولم يقدّم له المجتمع ما يريد عندما احتاج الدعم والإسناد،.. وهكذا.


يا للهول ! إن معركة الإنسان المسكين وقت محنته تحدث له على مستويين معاً وبشكل متزامن، المستوى النفسي والمستوى الواقعي، فأين المفرّ ؟!


عندما تتخلى الدنيا كلها عنك (أو هكذا يبدو)، فإنك تفرّ إلى ذاتك محتمياً ولاجئاً ومتسائلاً وباحثاً. وهناك ستلتقي بذاتك التي لن تخدعك، بل ستكون صريحة معك جداً، وتضعك في قلب الحقيقة المؤلمة التي قد تحاول أنت إنكارها والهروب منها. وهنا ستتفاجأ بأنك تحاول الهروب حتى من ذاتك ! ولكن إلى أين ؟ أتهرب من ذاتك إلى ذاتك؟ وعندها سيبزغ أمامك خيط نور لا يكاد يُرى، يشير إلى موقع آخر واتجاه آخر. إلى فاعل أكبر في الوجود، أكبر من ذاتك ويحتويها، إلى مَن هو واجب الوجود، ومطلق القدرة، والكليّ في الأكوان كلها.


في تلك اللحظة الفارقة من عمرك، استدعِ من داخل كينونتك الهدوء الأعظم، إنه هدوء كامن فيك لا تراه، إنه خزّان روحي من الحكمة تبصره بوضوح في وقت الأزمات والكوارث، وهو متصل مباشرة بشريحة وعيك الروحية وطاقتها الشفافة. إنه الهدوء المنقِذ، إنه الهدوء اللانهائي المتصل بالقوة الكونية الخالدة.


في تلك اللحظة الفارقة من عمرك، ستلقي بنفسك وبقدَرك الصعب في أحضان القوة الكونية الواجدة، وتسلّم لها القيادة، ولربما ستغمرك موجات إيمانية تطمئنك.
في تلك اللحظة الفارقة من عمرك، قد يخبرك هاتف أن المجيء إلى هذه الدنيا يتطلب غطاء من حماية كونية غير مرئي، يقيك من الانهيار التام والكسر، وإن حدث الانهيار والكسر فإن ذلك الغطاء من الحماية الكونية غير المرئي سيمنحك فرصة أخرى للنهوض وللبدء من جديد.


هنا.. واجب عليك أن تدرك أنك كائن كوني وروحي ومحمي بالضرورة من قوة كونية جبارة لا مرئية، ستتدخل عندما تُقدّر أن هناك ضرورة للتدخل، وذلك من أجل استمرار مسيرة روحك التي تُمتحن الآن في إحدى محطات رحلتها الممتدة على الأرض، وعدم إنهاء رحلتها قبل الأوان.


إذا وصلتَ إلى هذه المحطة في الوعي، فإن ترجمتها العملية ستكون الإحساس بقدر كبير من الأمان والسلام واليقين والثبات، وهو ما سينعكس إيجاباً على سلوكك، إذ ستصبح أكثر هدوءاً واطمئناناً، ما يدفعك إلى رؤية حلول ومخارج لم تكن ترها وقت اضطرابك الأعظم، بسبب التشوش وطاقة القلق والخوف، وما يتيح كذلك - وهو المهم - للقوة الكونية الجبارة التي وثقتَ بها، وألقيتَ حملك الثقيل في حِجرها أن تفعل فعلها المدهش والمعجز في حياتك – ألم نتفق أن تلك القوة مطلقة القدرة؟


لاحظ معي القاعدة النفسية الأساسية التي تم تطبيقها عليك بعد دخولك في الحضن الكوني العظيم: (تغيرت أفكارك السلبية فتحولت مشاعرك السلبية إلى إيجابية، المشاعر الإيجابية الجديدة غيّرت سلوكك السلبي إلى سلوك إيجابي، سلوكك الإيجابي الجديد يغيّر واقعك نحو الأفضل).


إن أكبر خطأ يرتكبه الإنسان عند وقوعه في الاضطراب الأعظم، هو انجراره نحو الخوف، والغضب، والقلق، وعدم الثقة بالمصير، وانهيار إيمانه بالقوة الكونية العظمى.


وكلما زاد انجراره نحو تلك المشاعر والأفكار السلبية ارتفع منسوب تشبّعه بالطاقة السلبية والمحبطة، في هذا الوقت الدقيق جداً. إن ذاك الانجرار سيكون مدمّراً للإنسان بكل معنى الكلمة، وسيفتح الطريق أمامه لمزيد من الانهيار والخسارة والتدمير. في حين أن الكون يبعث له برسالة من خلال التجربة الصادمة قوامها أن يظل متماسكاً مهما حدث، ومتوسعاً في وعيه حتى يرى ما لم يكن يره، وحتى يصبح جزءاً من نسيج الكون العميق ومخططاته، وحتى يصل لحال التسليم الكامل للقوة الكونية، التي بتسليمه القيادة والمقادير لها سيمنحها إمكانية التدخل والإنقاذ والانتشال.


تذكّر دائما أن تستسلم للقوة الكونية الخالقة بوعي، وبمحبة، وبأمل.


استشعر أثناء ذلك وبعده نداءات وإرشادات بوصلة النور داخلك، فهي سترشدك إلى الطرق والاتجاهات التي ستسير فيها.


ترقّب بدون ترقب، وانتظر بدون انتظار، التدخلَ والعطاء الكونيين، ستُدهش وستفرح.


وحتى أكون وفياً لمعلّم روحيّ كبير هو الحكيم الروسي وعالم الطاقة البشرية ( لازريف )، فإنه مما يسرني اقتباس نصائحه الخمس الملهِمة في هذا السياق التي كتبها تحت عنوان: كيف نحافظ على حياتنا وقوتنا في الأوقات العصيبة؟ :


1- في الأزمات والمواقف العصيبة.. يجب عدم تقييم الموقف وفق المنطق البشري والأنا.


2- إن أية أزمة أو مصيبة.. لا تعدّ تدميراً للإنسان .


فالإله لا يعطينا اختباراً يفوق طاقتنا وقدراتنا، لأن في كلّ حدث جارٍ تكمن بداية إيجابية مُوجِّهة لتطوّرنا.
3- في الأزمات والأحداث الحاسمة والمواقف الصعبة، يجب ألا تغضب، ويجب ألا تخاف، لأن ذلك يسبب الخسارة.


4- مهما حدث لك، يجب وبكل قوة إنقاذ إحساسك بالحب في روحك. لأن ذلك يساعدك على أن تبقى حياً، وقادراً على تجاوز المحنة.


5- يجب أن تتقبل أيّ فشل، وأيّ حرمان، وتفهمه باعتبار أنه مدخل لِتطوّر نفسك، ولِتُطوّر وعيك وقدرتك على الفهم، والتقبل، وإيجاد البدائل والحلول .


وليس آخراً.. في وقت الاضطراب الأعظم ستبوح لك الروح من خلال عقلك وقلبك وموجاتك الروحية بسر كبير، هو أن هذه الدنيا التي تعيش فيها ما هي سوى صورة تقريبية عن عالم آخر ستحيا فيه روحك بشروط أفضل وأجمل، وأن ما تمر به الآن هو مجرد اختبار أو حال زائل.


إن ذلك البوح سيطفىء غضبك، وسيزودك بصبر وجودي فريد، وسيدخلك في حال اليقين، بطلاقة القوة الكونية الخالقة وتدخّلاتها.
تّذكّر دائما.. ما باحت به لك روحك !

..........
في وقت الاضطراب الأعظم ستبوح لك الروح من خلال عقلك وقلبك وموجاتك الروحية بسر كبير، هو أن هذه الدنيا التي تعيش فيها ما هي سوى صورة تقريبية عن عالم آخر ستحيا فيه روحك بشروط أفضل وأجمل، وأن ما تمر به الآن هو مجرد اختبار أو حال زائل.