مفاوضات الخميس ورد المحور عليها

أغسطس 13, 2024 - 10:12
مفاوضات الخميس ورد المحور عليها

في اعتقادي إن رد المقاومة الفلسطينية وفي القلب منها حماس على دعوة البيان الثلاثي لإجراء جولة جديدة من المفاوضات الخميس القادم، لم يحدد مكانها حتى الآن، ما بين القاهرة او الدوحة، سيكون "أنه يتوجب على الأطراف الثلاثة تقديم خطة للتنفيذ، وتنفيذ ما اتفق عليه، ولا حاجة للتفاوض من جديد، استناداً إلى ما قبلته المقاومة في 2-7-2024، وهي مبادرة الرئيس بايدن ومصادقة مجلس الأمن الدولي عليها وفق القرار 2735.


ولعل هذا الموقف يمثل موقف محور المقاومة بمجموعة من طهران مرورا بالضاحية الجنوبية، فصنعاء، فبغداد، فدمشق، وصولاً لفلسطين؛ فالسيد نصر الله قال أن جبهات الإسناد تقبل ما تقبل به المقاومة في غزة، وأن غزة بمقاومتها تفاوض نيابة عن المحور، ومن هذا المنطلق هذا البيان الصادر عن المقاومة وتمثله حماس، عبّر عن ذكاء استراتيجي في الرفض، بالقول بوضع خطة عمل للتنفيذ وليس استمرار الدخول في التفاوض، أي على أطراف البيان الثلاثي إحضار موافقة نتنياهو على تفاوض مسقوف زمنياً للتنفيذ، وليس القدوم للتفاوض على اتفاق الإطار وبنوده، كما شكل تعيين السنوار ذكاء استراتيجياً في الرد على خطوة اغتيال القائد هنية في طهران، فالرسالة هنا واضحة "اغتلتم هنية رجل السياسية والانفتاح على المفاوضات، والآن تقفون أمام من تخشونه، ويشكل كابوسكم، وكابوس رئيس وزرائكم، فها هو السنوار رئيساً للحركة، ومفاوضاً عن المقاومة، وقائداً لهذا المحور، ويحمل دم هنية كمسؤولية تستدعي الرد على جريمة اغتياله، والرسالة هنا واضحة لا نزول عن السقف الذي حدده هنية بمرونة سياسية في الشكل والمرحلية لعملية التفاوض دون التنازل عن الجوهر والأهداف، وأن تقود تلك العملية الى تلبية شروط المقاومة وتستجيب لأهداف الشعب الفلسطيني ولحجم التضحيات الكبيرة والثمن الباهظ الذي دفعه ويدفعه شعبنا، بوقف العدوان أولاً بشكل دائم، وانسحاب شامل من كامل القطاع، وعودة النازحين بلا شروط، وإعادة الإعمار، وفتح المعابر، وإدخال المساعدات الإنسانية بشكل يلبي حاجة القطاع، وتنفيذ صفقة تبادل الأسرى بما يستجيب لشروط المقاومة، وأنه لا قول بعد قول هنية، وربما لا يكون هناك حاجة للتفاوض. أي على نتنياهو التفاوض مع الوسطاء حتى يقر بإطار الإتفاق وبنوده، وبعد ذلك يحين البحث في التنفيذ، والى حين ذلك ستبقى الأيام والليالي والميدان بين المحور واسرائيل، ومروحة حلفائها وشركائها من أمريكان وأوروبيين غربيين، وبعض الأطراف الإقليمية والعربية الرسمية.


أمريكا التي تحشد سفنها وبوارجها وأساطيلها ومدمراتها، وأحدث طائراتها في المنطقة، وتسعى لإيجاد أوسع مروحة تحالف من الحلفاء والشركاء، أوروبيين غربيين وإقليميين والعديد من دول النظام الرسمي العربي لحماية والدفاع عن اسرائيل من هجوم ورد مرتقب من قبل طهران ومحورها في المنطقة ، وبالمقابل تجند دبلوماسيتها لتقف خلف البيان الثلاثي كفرصة أخيرة للتفاوض، ربما نافذتها باتت تضيق كثيراً وخاصة بأن هناك اجماعاً إسرائيلياً في المؤسستين الأمنية والعسكرية، بأن نتنياهو لا يريد تنفيذ الإتفاق، وهو يأتي من أجل النقاش في اتفاق الإطار وبنوده وليس تنفيذه، وهو يعتقد بأنه كلما أطال أمد الحرب، كلما اقترب من تحقيق أهدافه التي يجمع قادة جيشه في القطاع، بأن هذا الجيش بعيد كل البعد عن تحقيق ما يسمى بـ" الإنتصار الساحق "، أو إلحاق الهزيمة بحماس وقوى المقاومة، وبما تتزود به من سلاح عابر للحدود وطائرات مسيرة بأنواعها المتعددة والأنفاق الاستراتيجية.

 وزير الخارجية الأمريكي بلينكن ومدير المخابرات المركزية "سي أي إيه" وليم بيرنز، وبريت مكغورك كبير مستشاري البيت الأبيض يهرعون إلى منطقة الشرق الأوسط للمشاركة في العملية التفاوضية. وهذا الحشد العسكري والدبلوماسي، يترافق مع مواعيد مقترحة للرد من قبل المحور الذي يبدو بأن هناك دلائل على قرب تنفيذه، وكل من طهران وبقية جبهات الإسناد يقولون بأن المفاوضات لن تلغي الرد أو تخفض من سقفه، بل هو رد بحجم الجرائم المرتكبة، وسيشكل رادعاً لإسرائيل عن الاستمرار في عدوانها واستهدافها لقوى المقاومة والمحور، فإسرائيل طلبت من جنودها المتواجدين في أذربيجان، وأرمينيا العودة فوراً للالتحاق بوحداتهم العسكرية، وكذلك حزب الله اللبناني فالإعلام الحربي ينشر تسجيلات تشير الى قوة الرد ودقته وحتميته، وكذلك إخلاء مقراته في الضاحية الجنوبية، بما ذلك أجهزة الكمبيوتر والمقرات الإدارية، في حين القنوات التلفزيونية الإيرانية تنشر ترويجاً لشعار "الانتقام آت لدم اسماعيل هنية"، وغالانت وزير حرب الاحتلال يبلغ نظيره الأمريكي لويد أوستن بأن إيران تقوم بعمليات نقل وتجهيز لصواريخها الإستراتيجية، في إشارة الى قرب الرد الإيراني، وأمريكا تعجل وصول حاملة طائراتها أبرهام لينكولن، وما تحمله من طائرات متطورة "إف 35"، وكذلك ترسل غواصة "يو أس أس جورجيا" إلى المنطقة.


حالة من الترقب والتساؤلات، هل تنعقد المفاوضات؟ وهل سيكون الرد قبلها أو بعدها؟ وهل هناك فرص لعقدها؟ في ظل حديث من قبل نتنياهو بأنه موافق على إرسال وفده للتفاوض ولكن ليس للتنفيذ، بل لنقاش اتفاق الإطار وبنوده، بمعنى أنه سيستمر في مجازره، واستهداف المدنيين والبنى والمؤسسات والقطاعات المدنية من مؤسسات صحية وطبية ومدارس ومراكز إيواء وغيرها، وهذا لا يمكن أن تقبل به المقاومة، وكذلك سموترتش وبن غفير قالا بشكل واضح بأن وقف إطلاق نار وصفقة تبادل، يعني سقوط حكومة نتنياهو، ونتنياهو لا يضحي بحلفائه، وهو لا رغبة لديه بوقف الحرب، ويدرك بأن حجم الضغوط التي تستطيع ان تمارسها عليه الإدارة الأمريكية يتراجع مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية، وحاجة الديمقراطيين لأصوات اللوبي الصهيوني، وبالمقابل بايدن يعتقد أن نجاحه في إتمام صفقة تبادل الأسرى، قد يحسن من رصيد وحظوظ فوز نائبته كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية في تشرين ثاني، ولكن بايدن لا يمتلك أدوات ضغط جدية، ونتنياهو قال له بشكل واضح عندما التقاه في واشنطن، "لن يستطيع أحد داخلياً أو خارجياً أن يضغط علينا".


إسرائيل أقدمت على اغتيال هنية، متوهمة بأن ذلك سيجعلها تستعيد قوة الردع، أو تتحدث عن صورة نصر، ولكن عملية الاغتيال تلك أدخلت إسرائيل في أزمة مزدوجة، حيث أن التفاوض سينتقل إلى الميدان ومن قلب المعركة، وفي الانفاق، حيث "الفندق" الذي يقيم به السنوار، وهذا "الفندق" الخندق لا يسمح بممارسة ضغوط عربية وإقليمية على السنوار، لا من قطر ولا من مصر، ولا يوجد طرف عربي أو إقليمي يمكن أمريكا من الضغط على السنوار، فالسنوار الآن مفاوض، ورئيس حركة حماس، وقائد المقاومة، والحشود الأمريكية العسكرية الكبيرة في المنطقة من بوارج وسفن وحاملات طائرات وغيرها، قد لا تسهم في منع رد إيراني قاسِ عليها.


من وجهة نظري، نافذة التفاوض تقترب من الانغلاق، ويبدو أن الخيار للميدان، فنتنياهو لا يريد سوى كسب المزيد من الوقت، واستمرار ارتكاب الجرائم والمجازر، لتحقيق هدف "الهندسة" الجغرافية والديمغرافية للقطاع، وتحويل قطاع غزة إلى منطقة غير قابلة للحياة، وتوسيع الحرب إلى خارج قطاع غزة. وأمريكا وإن بدت في الظاهر تقول بأنها غير معنية بأن يتسع الصراع في ظل ظرف اقتراب موعد انتخاباتها الرئاسية، ولكنها تقف إلى جانب نتنياهو وتعطيه الفرصة، لكي يستمر في حربه التدميرية والوحشية، وهي تريد دمج أهداف حربها في المنطقة مع أهداف حرب نتنياهو على قطاع غزة، تريد أن تشرعن وتؤبد احتلالها لسوريا والعراق، وأن تمنع تموضعاً تركياً جديداً عبر المصالحة مع سوريا، وكذلك تريد منع تقدم روسيا والصين في المنطقة.


أميركا في سورية ليست لمشروع يخص سورية فقط، بل لخدمة مشروع يخص موقع سورية في الجغرافيا السياسية والعسكرية والاقتصادية الإقليمية والدولية. وفي هذا السياق يتشكل مفهوم الأمن القومي الأميركي في النظر إلى سورية من ثلاثة عناوين: الأول، تحييد سورية عن الجغرافيا العسكرية الروسية وما تمثله القواعد الروسية على البحر المتوسط، والثاني، تحييد سورية عن الجغرافيا الاقتصادية الصينية وما تمثله الجغرافيا السورية في خطة الحزام والطريق، والثالث، تحييد سورية عن جغرافيا المقاومة التي تهدد أمن دولة الاحتلال، وما تمثله سورية كقلعة في محور المقاومة.


واستناداً إلى كل ذلك، أرى بأن التناقضات بين محور المقاومة وبين إسرائيل ومحور حلفائها وشركائها من غرب استعماري ودول نظام رسمي عربي، لم يعد من الممكن حلها سياسيا ودبلوماسياً، وستكون هناك مواجهة أو حرب مفتوحة، نتائجها ستبنى عليها موازين ردع، وقواعد اشتباك، وتحالفات جديدة، وتوازنات إقليمية جديدة.

.............
نافذة التفاوض تقترب من الانغلاق، ويبدو أن الخيار للميدان، فنتنياهو لا يريد سوى كسب المزيد من الوقت، واستمرار ارتكاب الجرائم والمجازر، لتحقيق هدف "الهندسة" الجغرافية والديمغرافية للقطاع، وتحويل قطاع غزة إلى منطقة غير قابلة للحياة، وتوسيع الحرب إلى خارج قطاع غزة.