النفاق... الوباء الذي يفتك بالمجتمع
بهاء رحال
بهاء رحال
بات الأمر مثار قلق وريبة حدَّ الخوف منه، النفاقُ الذي لم يكن يومًا سمةً من سمات المجتمع الفلسطيني، إلا أن المتابع يدرك أن الآفة الخطيرة بدأت تنمو لدى البعض، وفي أوساط معينة باتت سمة معروفة، وخطر هذه الآفة أنها تبدأ من الطفيليات ثم تنمو لتتغلغل في مختلف فئات المجتمع، فهي وباء يبدأ من الأسفل ويصل إلى أعلى المستويات، وهذا يحدث في البلدان المستقلة وقد يكون مقبولًا لتلبية نوازع الفرد الدونية وتفرّده وترهاته الذاتية، أمّا وإن حدث في واقعنا الفلسطيني الصعب، فإنه وباء بلا ضمانات للسيطرة عليه، وهذا خطر لا يمكن التعايش معه طويلًا، كونه نوعًا مبتذلًا في حياة الشعوب الرافضة للاحتلال والساعية للحرية والاستقلال، وهي تعيش مرحلة التحرر ومقاومة الاحتلال.
إنها عادات مبتذلة، تطيح بالإنسان، وتجعله دونيَّ السلوك بلا معنى، وهي مرضٌ إذا استشرى لا يمكن محاربته أو مكافحته، بل ينمو ليصل إلى أجزاء واسعة من الخلايا المجتمعية والطبقات الاجتماعية على اختلافها، ومن أثرها المباشر هذا الانبطاح الطوعي، والخداع الكاذب، والولاء المصطنع الذي يتبدل ويتلوّن بحسب الحاجة، فالنفاق عكس الحقيقة، وهو عكس المحبة والمودة والإخلاص، وهو نقيض التآخي الجميل بأثرة والفداء والتسامح والتسامي، وفي نفس الوقت فإنه يوفر للمنافق أرضية الصعود والترقية في عمل لا يستحقه، وهو لا يمتلك من الكفاءة غير أنه منافق بدرجة ممتاز.
هي هذه العادات التي تنتقل وتنتشر بسرعة البرق، وقد باتت حديثًا تلازم مجتمعنا على نحو غير مسبوق، في صورها المقيتة ونحن نراها بعينٍ تتقزز ونفسٍ تتعجب، فالبعض تحلو له، والبعض يرضاها بنفس تشتهي التمجيد والتبجيل، والبعض تعجبه وإن كانت آفة، وكثيرًا ما نجدهم لا يبالون بمستويات النفاق، بل يرضون أكثر كلما ارتفعت النسبة بلسان معسول.
تطلّ مصطلحات جديدة عديدة، وكلّها تأتي في سياق النفاق، وما كان لمسؤولٍ أن يسمح بها، ولو امتنع المسؤول في منصبه عن تقبّل أولئك المنافقين، لما انتشر النفاق، وما كانت الترقيات تتم وفق منسوب النفاق، بدلًا من الولاء والانتماء والكفاءة والمهارة.
علينا استخلاص العبر دومًا، فلا ترتقي الشعوب بالنفاق، ولا تتقدم الدول وتبنى وتزدهر بالمنافقين، لأنهم فئة تزحف لأجل مكاسبها الذاتية، ضمانها الوحيد هو هذا الانبطاح الذي تكون عليه، وهو سلاحهم في الوصول إلى مبتغاهم. النفاق رذيلة مقيتة وليس سلوكًا نبيلًا، ولا هو مرضًا عابرًا، عارضًا مؤقتًا، فإن نما في مجتمع أخذه إلى منحنيات خطيرة، وهذا ما لا نريد لمجتمعنا، بل نريد أن يحفظ ويحافظ على كل العادات النبيلة التي كانت صمام أمان لمجتمعنا الفلسطيني على مر العقود.





