لا مكان آمنا في غزة ولا مقومات للحياة!

يوليو 6, 2024 - 10:20
لا مكان آمنا في غزة ولا مقومات للحياة!

بهاء رحال

لا مناطق آمنة ولا مكان صالحاً للحياة في غزة، بعد أن دمرتها الحرب وأنهكتها أيام الإبادة الجماعية المستمرة، وفصول المذابح والمجازر والمجاعة والحصار والتعب والفقد. حرب الإبادة المستمرة من دون توقف، جعلت كل قطاع غزة عبارة عن أرضٍ محروقة لا تصلح للعيش الآدمي، وليس فيها مقومات للحياة، والناس يعيشون ظرفًا استثنائيًا، في خيال الصورة وحقيقة الألم الذي يطاردهم كل لحظة.


يقول أحد الناجين حتى اللحظة من ويلات الحرب والقصف، وقد التقط أنفاسه لدقيقة أمام عين الكاميرا، هذه المرة العشرين التي أنزح فيها، فإلى أي جهة أذهب ولا مكان آمناً في غزة، لا الشمال ولا الوسط ولا حتى الجنوب، منذ خرجنا من الشمال ونحن نبحث عن مكان آمن، ولم يعد بمقدورنا مواصلة الحياة في نزوح يتبع نزوح، والقصف يطاردنا من البر والجو والبحر. كان يحمل على ظهره حاجياته البسيطة ويمشي نحو مجهول لا يعرفه، فهو لا يعرف إلى أي جهة وفي أية منطقة سوف يستقر مؤقتًا، طلبًا للأمن والأمان المفقود، ولا يدري إن كان سيصل قبل أن تقصفه الطائرات. بكى ومشى وغابت عنه عين الكاميرا.


صورة الرجل المسن المتعب من قهر الأيام، هي صورة كل غزة، شبابها وشيبها، فواقع الحال يفوق حدود التصور والخيال، وحقيقة المعاناة تزداد صعوبة كل يوم، ولا ملاذ آمناً في غزة، وطريق النجاة مستحيل في ظل الواقع وهذا الصمت الدولي المريب، الذي تعدى كل الحدود وكل ما هو مفهوم. ففي كل الحروب هناك مناطق آمنة، وهناك مواقع مخصصة للمدنيين تستثنى من عمليات القصف، إلا في غزة، فكل الأماكن قصفت، وكل المناطق عرضة لقصف متجدد، وكل الناس مستهدفون.


الخراب يلف مناطق القطاع من كل الجهات، والخوف يملأ الطرقات والأزقة ومخيمات النزوح ومراكز الإيواء، ولم يعد للحياة أي معنى وسط هذه الظروف الصعبة والمخيفة والمستحيلة، فمن واقع المجاعة الصعب، حيث لا ماء ولا غذاء ولا دواء، إلى واقع القهر والألم والموت، وعمليات القصف التي تتم كل دقيقة، فيرتفع أعداد الشهداء والمصابين، ويزداد بؤس الخراب الذي أصاب كل حي وكل شارع وكل مخيم، وهذا حال غزة بعد كل هذه الأشهر التسعة التي مضت، ولا تزال الحرب عليها مستمرة، ولا يزال الصمت الدولي يراوح مكانه، بينما واقع الحال في غزة يزداد صعوبة.


تسعة أشهر كاملة، بأيامها وساعاتها وثوانيها المستحيلة، وقد صبر الناس صبرًا أكبر من صبر أيوب، حتى أنهم أكلوا الصبر لملء بطونهم التي لم تجد الغذاء والطعام، وناموا في العراء، واحتملوا برد الشتاء وقسوته، وهاهم يحتملون حرَّ الصيف ودرجات حرارته المرتفعة، والقصف يطاردهم في خيام النزوح ومراكز الإيواء، والطائرات تلقي عليهم حمم النار والدبابات تقصف في كل الجهات، والناس يبحثون عن بقعة آمنة في غزة التي لم تعد آمنة، ولم تعد تصلح للحياة بعد كل ما أصابها من تدمير ممنهج وخراب كبير.


ما تلتقطهُ عين الكاميرا ليس الصورة كاملة، فالمشهد في غزة أكثر ألمًا وبؤسًا وفقدًا، وأكثر معاناةً في الحقيقة التي لا تنقلها الكاميرا كلها، بل تنقل أجزاءً منها، لهذا فإن واقع الحال وما يعيشه الناس هذه الأيام يفوق حدود التصور والتوقع، كما يفوق كل مقدرتنا على الكلام عنه.

صورة الرجل المسن المتعب من قهر الأيام، هي صورة كل غزة، شبابها وشيبها، فواقع الحال يفوق حدود التصور والخيال، وحقيقة المعاناة تزداد صعوبة كل يوم، ولا ملاذ آمناً في غزة، وطريق النجاة مستحيل في ظل الواقع وهذا الصمت الدولي المريب.