بين عيد وشهيد
بهاء رحال
ارتقى مئات الشهداء أيام عيد الأضحى، فمر العيد وانقضى ولم تنته الحرب في غزة، بل تواصلت طيلة الأيام وتواصل القصف بين لحظة ولحظة وبين تكبيرة وأخرى، واستمرت الحرب بوحشيتها ودمويتها المعهودة طيلة التسعة أشهر، واستعر نتنياهو وحكومة الحرب برسم الخطط والتهديد بتوسيع العمليات العسكرية خاصة بعد استقالة غانتس التي فضحت نوايا نتنياهو الذاتية، وكشفت عن سعيه لمواصلة المقتلة والمذبحة، ولو لم تحقق أيّ من الأهداف المعلنة، بل إن هذه الحكومة التي تجتر الدماء ماضية في عملياتها في مدن الضفة وقراها، وفي القدس التي تتعرض لموجات تهويد غير مسبوقة، وعمليات استيلاء ومصادرة لبيوت وأملاك المقدسيين.
شعبنا الذي أقام شعائر العيد وسط المقتلة، وفي خيام النزوح وإلى جوار المقابر الجماعية، وبين أنين الجرحى وعويل الثكالى والمتعبين، الفاقدين لكل مقدراتهم الحياتية والمعيشية، الذين يعيشون ويلات ما يحدث وما يجري منتظرين وقفًا للحرب، لكي يأخذوا قسطًا من الراحة ويرمموا دواخلهم، ويعيدوا دفن موتاهم، ويبكوا على كل الفقد الذي ألم بهم، قبل أن يعودوا للحياة ويعيدوا بناء كل ما خربته آلة الحرب ودمرته، من طرقات ومستشفيات ومدارس وجامعات وبيوت ومحال، وهم يدركون أن لا شيء يعيد لهم ما كان.
لا شيء حتى الآن يلوح في الأفق يعول عليه، في ظل غياب الحل السياسي، وانعدام وجود أية مبادرة دولية جادة وقادرة على وقف جنون الاحتلال، وفي ظل مساعي نتنياهو وائتلافه الحكومي لمواصلة حرب الإبادة، وأمام مشاهد الخراب والدمار، وازدياد معاناة الناس فإن حالة اللاأفق تبقى تراوح مكانها، وتدور في دوائر الحرب التي آن لها أن تتوقف، لأن الذي يحدث تعدى وصف جريمة الحرب، وتعدى بدمويته مشاهد الإبادة التي قرأنا عنها في كتب التاريخ، فما يحدث في غزة لا يمكن أن تصفه العبارات وعجزت عين الكاميرا عن رصده من كل الزوايا.
فما نشاهده ما هو إلا جزء يسير مما يحدث على الأرض، فحجم البشاعة أكبر من كل وصف.
إن دموية هذه المقتلة المستمرة من دون توقف، كشفت زيف مواثيق العدالة الدولية الغائبة، وكشفت هشاشة النظام العالمي وضعفه في مواقفه وقدرته على التصدي لكل ما يفعله الاحتلال، كما كشفت مواقف الإدارة الأمريكية الشريكة في الحرب، والتي لولاها لما استمرت هذه المقتلة حتى اليوم.
لقد حرمت هذه المقتلة أهل غزة من الحج هذا العام، لكنهم أصروا على إقامة شعائر العيد فوق ركام بيوتهم المدمرة ووسط خيام النزوح، وفي العراء حيث باتوا يتجمعون، وهم يشكون إلى الله واقعهم الصعب، وحصارهم المطبق من كل الجهات، وصمت العالم على حالهم، فلم تخرج قوافل الحجيج من غزة هذا العام، ولم يؤدوا مناسك الحج الأكبر، بيد أنهم واصلوا تأدية الجهاد الأكبر على أرض غزة.
مرَّ العيد على أهل غزة كما لم يمر من قبل، في ظل واقع صعب، وأوضاع في غاية القسوة، وتزداد صعوبة كل يوم، وتزداد عذابات الناس التي لم تعد محتملة، وسط الخراب الكبير والدمار الشامل، وكل هذا الموت الهاجم عليهم. فإلى متى سيبقى الحال في غزة من دون تدخل أممَّي جاد وقادر على وقف جنون الاحتلال وحكومته؟ وإلى متى سيبقى الخذلان سيد الموقف!
...........
لقد حرمت هذه المقتلة أهل غزة من الحج هذا العام، لكنهم أصروا على إقامة شعائر العيد فوق ركام بيوتهم المدمرة ووسط خيام النزوح، وفي العراء حيث باتوا يتجمعون، وهم يشكون إلى الله واقعهم الصعب.