بانتهاء الشهر الثامن من حرب الإبادة.. "إنجازاتهم" وإنجازات شعبنا

مايو 30, 2024 - 15:32
بانتهاء الشهر الثامن من حرب الإبادة.. "إنجازاتهم" وإنجازات شعبنا

وسام رفيدي

ربما تكون الأسابيع الأخيرة من حرب الإبادة على غزة قد أظهرت الإنجازات تماماً، سواء أكانت إنجازات الكيان أو إنجازات المقاومة. ففي الأسابيع الأخيرة، إن كان على مستوى الإعلام أو المتغيرات الدولية أو مستوى ميدان القتال الدائر، تأكدت متغيرات عديدة، وربما بحجم مفاجآة 7 أكتوبر، وإن لم يكن من حيث التأثير.

فعلى مستوى الإعلام، فلم تعد تنطلي القصص المفبركة ضد المقاتلين يوم 7 أوكتوبر، فقد فضحتها أسيوشيتد برس قبل أسبوع، وهي وكالة أمريكية بالمناسبة وليست فلسطينية، حين قدّمت تقريرها الذي اعترف فيه مؤلفا تلك القصص (حاييم أوتمازجين) و(يوسي لاندو) المتطوعان في منظمة زاكا الصهيونية، أنهما ألفا القصص أو "اختلط عليهما الأمر". حرق الأطفال يوم 7 أكتوبر ثبت أنه كذبة، قصة مفبركة، بينما حرق أطفال رفح شاهد على الهمجية وانحطاط الأخلاق العسكرية والسياسية، لم يخفف من وطأتها على الرأي العام العالمي، اعتراف نتياهو بكل وقاحة بأنها "خطأ".

وتتأكد حقيقة ما سبق من أن الإعلام العالمي بدأ يغيّر من اندفاعته التي أظهرها يوم 7 أكتوبر في تشويه صورة الفلسطيني، فاليوم باتت تلك الصورة، وهي صورة الضحية والبطولة والصمود معاً، التي تتبناها الحراكات الشعبية والطلابية، تطغى على غيرها، فتنعزل البروباغاندا الصهيونية أكثر فأكثر.

كان الإعلام طوال 76 عام من عمر المشروع الصهيوني السلاح القوي ضد شعبنا، ولتبرير الاستعمار والترحيل، وقد أضحى اليوم سلاحاً مرتداً بفعل الانفضاح المتتالي لأكاذيبه. كانت الأكاذيب "انجازهم" المفضوح طوال ثمانية شهور، أما إنجاز المقاومة فهو صورتها وصورة الشعب الصامد والمضحّي والمدعوم من شعوب العالم بأسرها.

قضية فلسطين تهيمن عالمياً

أما المتغيرات الدولية فليست هي الأخرى بأقل أهمية، فقد نجح الشعب الفلسطيني، عبر مقاومته وصموده وعدالة قضيته ووضوح روايته التاريخية من أن يفرض تلك الرواية على الرأي العام العالمي، لينتزع التضامن والفعاليات المليونية في الشوارع. شعبنا نجح بجعل فلسطين تهيمن على العالم، فلسطين القضية والتوق للحرية والحق في المقاومة. غزة أعادت فلسطين للعالم.

منذ أن نجحت جنوب أفريقيا بانتزاع قرار محكمة العدل العليا نهاية يناير بالتحقيق بالإبادة الجماعية، ومعاملة الكيان كمُتهم، مروراً بقرار الجنائية الدولية طلب اعتقال نتنياهو وغالانت، وقرار محكمة العدل الجديد يإلزام الكيان بوقف حربه على رفح، وصولاً لاعتراف إسبانيا والنرويج وآيرلندا بالدولة الفلسطينية، وتوجه دول أخرى لنقاش الاعتراف، منذ ذلك الحين والاحتلال الاسرائيلي يعيش عزلة دولية موصوفة وغير مسبوقة.

ليس المهم تلك العزلة فقط، بل ما تؤكده أيضاً، حيث أنها تؤكد أن تقديم الاحتلال نفسه "كضحية" يواجه تهديد "كارهو اليهود"، أضحت كذبة سخيفة لا تنطلي لا على الشعوب ولا على العديد من الدول، كما كذبة "الهولوكست الجديد". ولم تعد اسرائيل تلك التي كانت قبل 7 أكتوبر، وطوال 76 عاما. اليوم هي مطاردة بقرارات محكمة العدل الدولية، وزعماءها مطلوبين للاعتقال من الجنائية الدولية بتهمة جرائم الحرب. هل تخيل واحد من زعمائها، وطوال تاريخ تصرف اسرائيل كطفل مدلل من دول العالم، أن يأتي ذلك اليوم لتصبح مطاردة هي وزعماؤها؟

كما وأكدت تلك العزلة وما تبعها ورافقها مصداقية روايتنا، ليس فقط تلك الرواية التاريخية حول الاستعمار الصهيوني الاستيطاني وتسببه بتهجير ونكبة شعبنا، بل رواية المقاومة حول 7 أكتوبر، إذ لم تعد الرواية الاسرائيلية (تجد سوقاً لها)، من أن الحرب بين حماس وإسرائيل، بل بات العالم يتلمس أكثر فأكثر حقيقة أن الشعب الفلسطيني ومقاومته يواجهون استعماراً يهدف لإبادته، شعب يخوض نضالا تحررياً مشروعاً، وأن هجوم 7 أكتوبر ما هو إلا حلقة في سلسلة نضال طويل ضد الاستعمار.

تدهورت إنجازات الاحتلال الاسرائيلي على المستوى الدولي منذ 7 أكتوبر، وحلت محلها إنجازات متتالية لشعبنا وقضيته.

الميدان.... المربع الأول
أما الميدان فكأنه عاد ليوم 27 أكتوبر، يوم بدء الاجتياح البري للقطاع، فكل ما تحدث عنه جيش الاحتلال من "انجازات" مزعومة أصبحت موضع سخرية، فهغاري ينبغي ترشيحه لجينيس للأرقام القياسية بقدرته الفائقة على الكذب المفضوح والمثير للسخرية، فالقتال عاد لجباليا وبيت حاونون والمغازي والبريج وبيت لاهيا، فأين الإنجازات في الشمال والوسط، وأين تفكيك كتائب حماس والمقاومة وتصفيتها الذي تحدثوا عنه ليل نهار؟ أما الحديث عن تدمير منصات إطلاق الصواريخ، فكان الرد عليه ليس فقط بإطلاق الصواريخ لمستعمرات غلاف غزة، ومن جباليا تحديداً، بل وقصف تل أبيب (قبل أسبوع) بأكثر من 20 صاروخاً، ومن رفح التي يجتاحون.


هل نجح الكيان بتصفية مقاتلين؟ بالتأكيد، ففي قتال شرس كهذا لا يمكن إلا أن يسقط شهداء، ولكن هل نجح الكيان بالقضاء على المقاومة؟ بالتأكيد لا. هل نجح بقتل روح المقاومة؟ بالتأكيد لا، والعمليات النوعية الأخيرة في جباليا ورفح من استدراج جنود وكمائن وعمليات القنص والتفخيخ وغيرها تؤكد حقيقة روح القتال العالية، أما المقاومة في جباليا وبيت حانون، وتصوير العمليات والتخطيط لعمليات مركبة كعملية جباليا، فانها كلها تؤكد أن نظام القيادة والاتصال والتواصل بين قيادة المقاومة والمقاتلين ما زالت بخير. أما نجاح "القسام" بأسر جنود كما أعلن أبو عبيدة، فهو فضيحة هدفهم الذي سعوا لتحقيقه بتحرير أسراهم.


هل حقق الكيان إنجازات؟ بالتأكيد، عبر حرق الأطفال في مجزرتي رفح والمواصي قبل أيام، اللتين ذهب ضحيتهما 66 شهيداً غالبيتهم من الأطفل والنساء، أُحرقت الخيام على رؤسهم بالصواريخ، كما ونجح بتدمير أغلبية المستشفيات، وقنص الباحثين عن لقمة الخبز عند شارع صلاح الدين، في ظل حرب التجويع، وقتل عشرات الموظفين الأممين، واستخدام المساعدات كآلية للتجويع، بحماية المستوطنين، قطاع الطرق، الذين يسرقون ويحرقون شاحنات المساعدات المتوجهة لغزة، وغيرها الكثير الكثير.


هذا ما يملكه الجيش وحكومة نتنياهو وتصنف كـ"إنجازات". وفي هذه "الانجازات" لهم تاريخ عسكري يليق بمستعمرين فاشيين، من المجازر والترحيل في العام 48 وما تلاها، إلى حرق الأطفال في قانا لبنان، ومدرسة بحر البقر في مصر، إلى حرقهم في خيام النزوح في رفح والمواصي.


ربما يعتقد البعض أن انفلات الجيش بالقيام بالمجازر في رفح يأتي رداً على كمائن جباليا وتصدي رفح، هذا ممكن، ولكن الأكيد أن قتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين هو هدف الحرب، فهي حرب إبادة، وذلك بالضبط هدف يتفق والأيديولوجية الصهيونية كايديولوجيا إبادة. ذلك هدف رئيس في المشروع الصهيوني الذي لن ينجح دون استبدال شعبنا عبر التهجير والإبادة والمحو، بمجموعات يهودية وافدة من كل بقاع الأرض.


بانتهاء الشهر الثامن من حرب الإبادة يسجل التاريخ، وسيسجل "انجازاتهم" كمستعمرين فاشيين، وإنجازات شعبنا كمقاتل من أجل الحرية.

ربما يعتقد البعض أن انفلات الجيش بالقيام بالمجازر في رفح يأتي رداً على كمائن جباليا وتصدي رفح، هذا ممكن، ولكن الأكيد أن قتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين هو هدف الحرب، فهي حرب إبادة.