متى تضع أمريكا خطًّا أحمر؟

مايو 8, 2024 - 09:26
متى تضع أمريكا خطًّا أحمر؟

يحدث في جامعة نورث كارولينا الأمريكية أن يبصق أحد أفراد الشرطة الأمريكية على علم دولة فلسطين، في مشهد عنصري من الشرطة الأمريكية أثناء فض الاحتجاجات الطلابية المناهضة للحرب الإسرائيلية على غزة، داخل إحدى جامعات الولايات المتحدة، الأمر الذي يعكس حجم الحقد الذي يسيطر على هذا الشرطي، الذي من المفترض أن يمارس عمله بكل نزاهة وحيادية، ويؤدي دورًا حيويًّا للحفاظ على أمن المجتمع وضمان سلامة المواطنين، ويكون حسن السير والسلوك، ولا يظهر أي سلوكيات تستفز مشاعر أي طرف من الأطراف، وتؤجج الفتن والصراعات بين الناس، فكيف إذا كان هذا السلوك وسط مظاهرات طلابية احتجاجًا على سلوكيات إسرائيل اللاأخلاقية والإجرامية تجاه مدنيين فلسطينيين؟!

ظل تمثال الحرية الذي نصب عام 1886م في جزيرة الحرية في نيويورك، والذي يمثّل سيدة تحمل في يدها اليمنى مشعلًا وفي يدها اليسرى كتابًا، رمزًا لحرية المرأة وعدم المساس بكرامتها، وإقصاء سياسة تكميم الأفواه، يخدع العالم بشعار الحرية الذي تشيعه أمريكا على أرضها منذ قرون، إلى أن أسقطه مشهد النساء اللواتي تعرضن للضرب والاعتقال في الاحتجاجات التي قادتها الحركات الطلابية في مختلف الجامعات الأمريكية، وخاصة مشهد اعتقال أستاذة في جامعة إيموري أثناء فض الاعتصام من قبل الشرطة، فضلًا عن البروفيسور ( نويل مكافي) رئيسة قسم في جامعة إيموري التي أهانها شرطة نيويورك وهي تصرخ ""Im aporofessor"، في محاولة منها لوقف الأذى والإهانة الذي تتعرض له، دون أي اعتبار لسنّها ومكانتها، بسبب التعبير عن الرأي واحتجاجًا على ما يحدث في فلسطين، وما يمارس من إبادة جماعية في غزة، على الرغم من أن الاعتصامات في الجامعات الأمريكية ليست أمرًا جديدًا تشهده الولايات المتحدة، فمنذ أواخر ستينيات القرن الماضي وما تلتها من سنوات، اعتصم طلاب الجامعات الأميركية، في أكثر من مرة ومناسبة، رفضًا لقضايا مختلفة، مثل حرب فيتنام ونظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا أو للمطالبة بحقوق أخرى، مثل حركة الحقوق المدنية التي ساهمت بإنهاء التمييز ضد الأميركيين من أصل أفريقي، وفي أحيان أخرى حملوا مطالبات التغيير في قضايا ترتبط بسياسات جامعاتهم ونظامها التعليمي، إذن ما الجديد في المظاهرات التي نشهدها اليوم؟ الجديد هو أن تكون تلك المظاهرات احتجاجًا على ما يمارسه الاحتلال من قتل وإبادة جماعية بحق المدنيين في غزة، والذي عدّته أمريكا خطًّا أحمر، وعليها إنزال العقوبات بكل من يتجاوزه، متناسية الخط الأحمر الذي تتجاوزه هي وحليفتها الصهيونية من انتهاك حرية الأرض والوطن والإنسان والتعبير في فلسطين.

وتبدو المفارقة واضحة بين مواقف الإدارة الأمريكية في التعامل مع شعبها في ممارسته التعبير عن حريته في جميع القضايا، وبين تعاملها في قضية الحرب على غزة، بما فيها من قتل للأطفال والنساء وإبادة جماعية للبشر والشجر والحجر.

في الولايات المتحدة تستطيع أن تضمن حريتك وتعبر عن رأيك تجاه أي قضية وأي شخص أو جماعة، فعلى سبيل المثال تستطيع أن تسب الرئيس الأمريكي وتنتقد الكونجرس، ولكن عندما يأتي الأمر لانتقاد دولة الاحتلال وممارساتها وانتهاكها لحقوق الإنسان الفلسطيني يقومون بقمعك وتجريمك وتلبيسك تهمة (معاداة السامية)، فبعد أن تعلم الطلاب في الجامعات الأمريكية مفهوم الحرية، وأن رجال الشرطة إنما هم لحمايتهم، يجدونهم على أرض الواقع يعتدون عليهم بالضرب والاعتقال وما يتبعها من نتائج وخيمة لمن تلصق بهم تلك التهمة المختلقة، لتحطم أمريكا بذلك كل المبادئ والمفاهيم التي توارت خلفها أجيال وأجيال ليكشف وجهها الحقيقي الذي عرّى سياستها المزدوجة، فيما بعد، أمام الناشئة وطلاب الجامعة، بعد اعتقادهم بأمل التغيير، بفعل ضميرهم الإنساني والارتباط بالعدل والمساواة وعودة الأمور إلى مسارها نحو احترام القانون، بيد أن هذه الاختراقات التي يقوم بها نتنياهو بدعم من الإدارة الأمريكية حطم تلك المفاهيم وأطاح بشعاراتها.