‏ آثار ما بعد صدمة فقدان المكان الاّمن – هدم بيتك أو مصادرته

مايو 4, 2024 - 12:12
‏ آثار ما بعد صدمة فقدان المكان الاّمن – هدم بيتك أو مصادرته

حدى أخطر ما يواجهه الانسان، بغض النظر عن جنسه، مع ضرورة الانتباه إلى تفاوت هذه الاّثار حسب العمر والتجربة السابقة، وظروف الهدم (بسبب ‏زلزال – بركان – فيضان - حرب – مخالفة بناء- هدم ذاتي أو المؤسسة القائمة ‏بالأمر الواقع، من خلال ما بات يعرف بأنظمة البناء والتعدي على القانون العام، ‏هو آثار ما بعد صدمة ‏PTSD ‎‏ فقدان المأوى – البيت المكان الاّمن، سواء بالهدم ‏أو المصادرة .‏


تناول الكاتب هذا الموضوع قبل 4 سنوات خلت في دراسة بحثية موسّعة نشرت ‏بالمجلة العالمية ‏The Injured‏ تحت عنوان ‏dispossessing & its ‎Psychological reflections .‎‏ ‏تكمن شدة خطورة آثار الصدمة النفسيّة الناجمة عن فقدان المكان الاّمن في كونها ‏ليست فقط تشمل مجموعة أشخاص متفاوتين في العمر والمسؤولية ، بل ولكونها ‏تطال مناحي حياتية أخرى : اجتماعيا، اقتصاديا، تعليميا وأكاديميا، اضافة لكونها ‏أكثر سرمدية نظرا لدوام وجود العامل المذكّر بفقدان المأوى (‏reminder/s‏ )، ‏سواء مشاهدة الفاعل او رؤية /سماع صوت الاداة ‏‎– ‎المنفذّة، أو تعرض أحد ‏أفراد العائلة للاصابة الجسدية، أو التسبب لاحد أفرادها بعاهة دائمة ، مما يزيد ‏من حدة التوترات والاضطرابات السيكولوجية والصحيّة وبالتالي السلوكية، لهذا ‏يمكن تصنيف هذا الحدث الصادم بجريمة انسانية ذات أبعاد متعدّدة، وان اختفت ‏لوهلة، سرعان ما تعود لتشكّل شرارة الغضب والميل نحو الانتقام من الفاعل ‏وهكذا تستمر دوامة العنف وما ينجم عنه من أعمال غير محمودة العواقب.‏


لعلّ الأكثر تأثرا في العائلة التي يتعرض منزلها الى الهدم أو المصادرة وبالتالي ‏التشريد، وبشكل مباشر هن النساء والأطفال، حيث تجد الأم/ المرأة ذاتها في ‏وضع فقدت فيه الكثير من خصوصياتها الشخصية واحتياجاتها المادية لتأمين ‏أدنى مستلزمات الحياة اليومية لجميع أفراد الأسرة، وكذلك حال الأطفال ذوي ‏القدرات المحدودة، لا سيما ان كانوا من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، اذ يجد ‏هؤلاء أنفسهم، في أحسن الحالات، يجد هؤلاء أنفسهم في مراكز ايواء محدودة ‏المساحة وتفتقر الى أبسط مقومات الحياة الكريمة، أو ضيوفا دائمين لدى ‏جيران أو أقارب ، مما قد يسلبهم الكثير من ضمانات العيش بحرية وكرامة أو ‏يعانون من الاهمال والتشريد وهذا قلّما يحدث في مجتمعنا ، حيث لا يزال الخير ‏فيه مهما تردّت أوضاعه .‏


مما يزيد الطين بلّة ، علاوة على تدني منسوب الوعي بمهارات تعزيز الصحة ‏والمناعة النفسيّة ، مما يعمل على خفض الدافعية لدى المتضررين / المتضررات ‏من التوجه الى المهنيين، من ذوي الاختصاص في هذا المجال، خشية من ‏الوصمة الاجتماعية 0‏Syndrome‏ أو عدم توفر الاحتياجات المالية لديهم /لديهن‏، ناهيك عن النقص الحاد في مثل هذه المراكز المختصة والكوادر البشرية ‏والمستلزمات المطلوبة أو عدم ضمان توزعها بشكل مدروس، يضمن وصول ‏المحتاجين اليها، لا سيما في المناطق المهمشة، مما يبقي هذه الحالات و‏خاصة الأطفال والقاصرين عرضة للأمراض الجسديّة والسيكولوجية مثل :‏


‏(الانطواء والعزلة والبدء بالشعور بالاحباط ) التي قد تتطور لدرجة أن تصبح ‏مزمنة ( ‏endemic‏) مما يفسح المجال الى المزيد من الاضطرابات السلوكية ‏والتي لسنا بحاجة لها في مثل هذه الظروف الصعبة.‏


لتكن هناك جهود استنهاض واسعة وشاملة للقدرات الكامنة والطاقات المهنيّة ‏الموجودة (وان كانت قليلة بالنسبة الى منسوب تفشي أحد الاوبئة القابلة ‏للانتشار جراء تواصل العنف السياسي الوحشي والاستهتار بالقيم وحقوق ‏الانسان.‏


نجزم بضرورة التعاضد وصهر الطاقات، مع بعضها البعض، كافة (رسميّة ‏حكومية وأهلية (قطاعات صحيّة وتعليمية واقتصادية، ومؤسسات مجتمع مدني) ‏من أجل النهوض بواقع ورفع درجات الوعي بأهمية ثقافة الصحة النفسيّة ‏ودورها المنشود في تعزيز المناعة الفردية والمجتمعية لمواجهة كافة الأوبئة ‏الاّتية لا محالة.‏


كنت قد وجهت رسالة مفتوحة الى دولة رئيس الوزراء المكلّف في حينه ‏والممارس لمسؤولياته حاليا، تم نشرها في وسائل الاعلام المكتوبة بتاريخ ‏‏31/3/2024 طالبا بأن يطّلع النظام التربوي التعليمي القائم، وعلى مختلف ‏مستوياته (بدءا من رياض الأطفال، مرورا بالمراحل المدرسية المختلفة وانتهاء ‏بالتعليم ما بعد المدرسة والتعليم العالي – جامعات وكليات مجتمع، للانخراط في ‏هذه العملية وبأشكال وأساليب خلاّقة مبدعة ، فمثلا مثلما هناك مواد تدريس في ‏مجال الفن والديكور، لماذا لا يكون لدينا مناهج تدريس وتعليم في مجال الصحة ‏النفسيّة وأهميتها، اذ لا يمكن أن يكون هناك انسان مبدعا دون أن تكون حالته ‏النفسيّة مستقرّة ، نعم لوجود مساقات وتخصصات ترّكز على حقل الصحة النفسيّة، ‏سواء من خلال برامج أكاديمية تأهيلية قصيرة، متوسطة أو طويلة المدى ولا ‏ضير الطلب من برامج الدراسات العليا ( وما أكثرها لدينا) ايلاء الأهمية الخاصة ‏والمطلوبة في هذا الحقل الهام. ‏


كما نتوجه الى جميع أفراد العائلة بضرورة دوام التشبث بالامل وعدم الاستكانة، والانخراط قدر الامكان والمستطاع في المناسبات الاجتماعية للغير وممارسة ‏الرياضة بشقيها الجسدي والروحي. ‏