آثار ما بعد صدمة فقدان المكان الاّمن – هدم بيتك أو مصادرته
حدى أخطر ما يواجهه الانسان، بغض النظر عن جنسه، مع ضرورة الانتباه إلى تفاوت هذه الاّثار حسب العمر والتجربة السابقة، وظروف الهدم (بسبب زلزال – بركان – فيضان - حرب – مخالفة بناء- هدم ذاتي أو المؤسسة القائمة بالأمر الواقع، من خلال ما بات يعرف بأنظمة البناء والتعدي على القانون العام، هو آثار ما بعد صدمة PTSD فقدان المأوى – البيت المكان الاّمن، سواء بالهدم أو المصادرة .
تناول الكاتب هذا الموضوع قبل 4 سنوات خلت في دراسة بحثية موسّعة نشرت بالمجلة العالمية The Injured تحت عنوان dispossessing & its Psychological reflections . تكمن شدة خطورة آثار الصدمة النفسيّة الناجمة عن فقدان المكان الاّمن في كونها ليست فقط تشمل مجموعة أشخاص متفاوتين في العمر والمسؤولية ، بل ولكونها تطال مناحي حياتية أخرى : اجتماعيا، اقتصاديا، تعليميا وأكاديميا، اضافة لكونها أكثر سرمدية نظرا لدوام وجود العامل المذكّر بفقدان المأوى (reminder/s )، سواء مشاهدة الفاعل او رؤية /سماع صوت الاداة – المنفذّة، أو تعرض أحد أفراد العائلة للاصابة الجسدية، أو التسبب لاحد أفرادها بعاهة دائمة ، مما يزيد من حدة التوترات والاضطرابات السيكولوجية والصحيّة وبالتالي السلوكية، لهذا يمكن تصنيف هذا الحدث الصادم بجريمة انسانية ذات أبعاد متعدّدة، وان اختفت لوهلة، سرعان ما تعود لتشكّل شرارة الغضب والميل نحو الانتقام من الفاعل وهكذا تستمر دوامة العنف وما ينجم عنه من أعمال غير محمودة العواقب.
لعلّ الأكثر تأثرا في العائلة التي يتعرض منزلها الى الهدم أو المصادرة وبالتالي التشريد، وبشكل مباشر هن النساء والأطفال، حيث تجد الأم/ المرأة ذاتها في وضع فقدت فيه الكثير من خصوصياتها الشخصية واحتياجاتها المادية لتأمين أدنى مستلزمات الحياة اليومية لجميع أفراد الأسرة، وكذلك حال الأطفال ذوي القدرات المحدودة، لا سيما ان كانوا من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، اذ يجد هؤلاء أنفسهم، في أحسن الحالات، يجد هؤلاء أنفسهم في مراكز ايواء محدودة المساحة وتفتقر الى أبسط مقومات الحياة الكريمة، أو ضيوفا دائمين لدى جيران أو أقارب ، مما قد يسلبهم الكثير من ضمانات العيش بحرية وكرامة أو يعانون من الاهمال والتشريد وهذا قلّما يحدث في مجتمعنا ، حيث لا يزال الخير فيه مهما تردّت أوضاعه .
مما يزيد الطين بلّة ، علاوة على تدني منسوب الوعي بمهارات تعزيز الصحة والمناعة النفسيّة ، مما يعمل على خفض الدافعية لدى المتضررين / المتضررات من التوجه الى المهنيين، من ذوي الاختصاص في هذا المجال، خشية من الوصمة الاجتماعية 0Syndrome أو عدم توفر الاحتياجات المالية لديهم /لديهن، ناهيك عن النقص الحاد في مثل هذه المراكز المختصة والكوادر البشرية والمستلزمات المطلوبة أو عدم ضمان توزعها بشكل مدروس، يضمن وصول المحتاجين اليها، لا سيما في المناطق المهمشة، مما يبقي هذه الحالات وخاصة الأطفال والقاصرين عرضة للأمراض الجسديّة والسيكولوجية مثل :
(الانطواء والعزلة والبدء بالشعور بالاحباط ) التي قد تتطور لدرجة أن تصبح مزمنة ( endemic) مما يفسح المجال الى المزيد من الاضطرابات السلوكية والتي لسنا بحاجة لها في مثل هذه الظروف الصعبة.
لتكن هناك جهود استنهاض واسعة وشاملة للقدرات الكامنة والطاقات المهنيّة الموجودة (وان كانت قليلة بالنسبة الى منسوب تفشي أحد الاوبئة القابلة للانتشار جراء تواصل العنف السياسي الوحشي والاستهتار بالقيم وحقوق الانسان.
نجزم بضرورة التعاضد وصهر الطاقات، مع بعضها البعض، كافة (رسميّة حكومية وأهلية (قطاعات صحيّة وتعليمية واقتصادية، ومؤسسات مجتمع مدني) من أجل النهوض بواقع ورفع درجات الوعي بأهمية ثقافة الصحة النفسيّة ودورها المنشود في تعزيز المناعة الفردية والمجتمعية لمواجهة كافة الأوبئة الاّتية لا محالة.
كنت قد وجهت رسالة مفتوحة الى دولة رئيس الوزراء المكلّف في حينه والممارس لمسؤولياته حاليا، تم نشرها في وسائل الاعلام المكتوبة بتاريخ 31/3/2024 طالبا بأن يطّلع النظام التربوي التعليمي القائم، وعلى مختلف مستوياته (بدءا من رياض الأطفال، مرورا بالمراحل المدرسية المختلفة وانتهاء بالتعليم ما بعد المدرسة والتعليم العالي – جامعات وكليات مجتمع، للانخراط في هذه العملية وبأشكال وأساليب خلاّقة مبدعة ، فمثلا مثلما هناك مواد تدريس في مجال الفن والديكور، لماذا لا يكون لدينا مناهج تدريس وتعليم في مجال الصحة النفسيّة وأهميتها، اذ لا يمكن أن يكون هناك انسان مبدعا دون أن تكون حالته النفسيّة مستقرّة ، نعم لوجود مساقات وتخصصات ترّكز على حقل الصحة النفسيّة، سواء من خلال برامج أكاديمية تأهيلية قصيرة، متوسطة أو طويلة المدى ولا ضير الطلب من برامج الدراسات العليا ( وما أكثرها لدينا) ايلاء الأهمية الخاصة والمطلوبة في هذا الحقل الهام.
كما نتوجه الى جميع أفراد العائلة بضرورة دوام التشبث بالامل وعدم الاستكانة، والانخراط قدر الامكان والمستطاع في المناسبات الاجتماعية للغير وممارسة الرياضة بشقيها الجسدي والروحي.