بمناسبة “عيد الفصح”: نماذج لعطاء قامات مسيحية فلسطينية
ونحن نقترب حثيثاً من احياء “عيد الفصح” لهذا العام، يحق لنا تذكر نماذج من عطاء قامات مسيحية فلسطينية، من خلال تقديم “نماذج” عن “عطاء” (وليس كامل العطاء) الذي أدّته قامات مسيحية فلسطينية (وطبعاً ليس جميع القامات). والحال كذلك، ومما استقر في التاريخ الفلسطيني (والعربي) المعاصر، معروف ان المسيحيين الفلسطينيين قد لعبوا أدوارا مهمة في التاريخ الحديث، حيث كان منهم القادة والمثقفون والمؤثرون اقتصادياً وسياسياً وفكرياً في الحياة العامة، وكانوا أيضاً من أوائل الذين تنبهوا لخطر الصهيونية.
فقد وضع نجيب عازوري (1873-1916) في 1905مؤلفه: “يقظة الأمة العربية” ونادى بتأسيس كنيسة عربية وطنية فلسطينية واحدة بعيدا عن الطائفية، في حين أصدر نجيب نصار (1865-1948) جريدة “الكرمل” 1911 وكتابه: “الصهيونية” الذي حذر فيه من خطرها على مستقبل فلسطين. هذا بالإضافة إلى خليل بيدس (1875-1949) الذي أعاد إطلاق مجلته: “النفائس العصرية”بعد الحرب العالمية الأولى، والذي كان قد نجا من عقوبة الإعدام لدعمه الثورة العربية المناهضة للعثمانيين 1916، ونشر مقالات للعديد من الفلسطينيين البارزين من بينهم: خليل السكاكيني وإسكندر الخوري البيتجلي، ومنير حداد -صاحب كتاب السمير- الذي أصدر في 1946 مجلة: “المهماز”، وقام بتحريرها مع الكاتب إميل حبيبي (1922-1996) والاستاذ المحامي حنا نقارة.
وفي إضراب فلسطين الشهير(1936) الذي استمر زهاء ثلاث سنوات، تصدر المشهد عديد الشخصيات الوطنية المسيحية ومنهم: د. توفيق بشارة كنعان (1882-1964) وهو من مواليد بيت لحم، الذي أصدر كتابه: “قضية عرب فلسطين”، وحذر فيه من خطر الاستيطان والهجرة اليهودية على مستقبل المنطقة، وعيسى العيسى (1878-1950) الذي ولد في يافا وتوفي في بيروت، وأنشأ “صحيفة فلسطين” (1911) وشارك في الحركة الوطنية الفلسطينية بعد إعلان وعد بلفور (1917)، بالإضافة إلى دور رئيس للمسيحيين في تأسيس (المجلس الإسلامي المسيحي) الذي كان اللبنة الأولى لما يعرف باسم “البرلمان الفلسطيني” المنعقد للمرة الأولى(1919)، وكان المقدسي خليل السكاكيني (1878 -1953) من أهم أعضائه، والذي سبق وأصدر قبل ذلك صحيفة عربية فلسطينية حملت اسم “الدستور” في العام (1911).
وفي جيل لاحق، برز عديد الشخصيات المسيحية نتذكر منهم -على سبيل المثال لا الحصر- كمال ناصر الشاعر والقائد السياسي الذي تم اغتياله في بيروت عام 1973، وعيسى بلاطة الباحث الأدبي المشهور، وكذلك رائف خوري، والكاتب المسيحي الحيفاوي حنا بدر سليم، وأنطوان فرانسيس ألبينا المسيحي الكاثوليكي إبن القطمون الذي أعاد في (1956)الأوسمة التي منحتها له بريطانيا. كما شاركت شخصيات مسيحية في بناء اللبنات الأولى للثورة الفلسطينية، ومنهم: جورج حبش (1926-2008 ) مؤسس “حركة القوميين العرب” وأمين عام “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”، والقائد الثوري وديع حداد (1927–1978). ومن القادة السياسيين المسيحيين، المطران إيليا خوري عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وأيضا الأب إبراهيم عياد (1910-2005) وهو رجل دين وسياسي معروف. ومن المسيحيين مفكرون اشتهروا عالمياً وحملوا همّ القضية ومن ابرزهم: إدوارد سعيد (1935 – 2003) و حنّا ميخائيل وحنان عشراوي. كما كانت أصدرت القيادات المسيحية ورؤساء الكنائس بيانات المناصرة لانتفاضة الفلسطينيين الأولى(1987). وعلى إثر الانقسام الفلسطيني عام 2007، أطلقت شخصيات مسيحية منهم:
البطريرك ميشيل صباح، والقس متري الراهب، والمطران عطا الله حنا “وثيقة وقفة حق – كايروس فلسطين”، التي نادت بمقاومة مبدعة للاحتلال تشكل المقاطعة ركيزة أساسية فيها. والبطريرك صباح اصبح أول بطريرك فلسطيني للكنيسة الكاثوليكية اللاتينية في فلسطين، في حين أصبح الأب المطران عطالله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الارثوذكس، كما برز نجم الأب مانويل مسلّم عضو الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، راعي كنيسة اللاتين في غزة سابقا.
إذن، وباختصار شديد، اكتملت الهوية الوطنية الفلسطينية بالوجود المؤثر والمشاركة الفاعلة لمسيحيي فلسطين، كون هؤلاء من الاصلاء الأصليين فيها مثلما هم جزء لا يتجزأ من حركتها الوطنية، وبالتالي كان دورهم ريادياً في إنشاء وتطوير الهوية القومية الفلسطينية المعاصرة. وعلى الصعيد الشخصي، (اسعد) كم اعتز حين استرجع ذكرياتي مع عديد الاخوة والأصدقاء المسيحيين (من الفلسطينيين والعرب الآخرين) هؤلاء الذين لطالما اعتبرتهم ووصفتهم -في بعض مقالاتي- بأنهم باقون في صدر الحياة الفلسطينية (والعربية)، وهم عندي، سواء في فلسطين اوغيرها، «سكّر» الشعب الفلسطيني وعموم أمة العرب ….. و«ملح» الأرض العربية.