ميدي يا عمد المسجد ...!
قيل " الشيء بالشيء يُذكر " ، تُذّكرنا هذه المقولة بحالة الخذلان التي يتعرض لها قطاع غزة وأهله منذ قرابة الخمسة أشهر وهم يعيشون ويتقلبون على جمر ولهيب الحرب الوحشية التي يتعرضون لها من بطش آلة الفتك والدمار لدولة الاحتلال ، تُذكرنا بحالة الخذلان التي تعرضت لها بعض بقاع بلاد العالم الإسلامي إبان الحروب الصليبية، عندما احتلوها وفتكوا بأهلها منفردين والأمة خانعة متفرجة دون أي ردة فعل حقيقية للوقوف مع إخوانهم ضد هذا الغزو المتوحش والفتك.
لكن الحرقة في ذاك الزمان دفعت حرائر من نساء دمشق لقص شعر رؤوسهن والعمل من جدائلهن ألجمة للخيل وبعثن بها لإمام الجامع الأموي في دمشق الإمام إبن الجوزي ليحرض الأمة على الجهاد لتحرير البلاد المحتلة وإنقاذ إخوانهم من الاحتلال الصليبي وجرائمه. في يوم جمعة والناس جامعة في المسجد الأموي ألقى إبن الجوزي خطبة عصماء تٌكتب بماء الذهب الهبت الحماس وحركت الدماء في عروق أبناء الأمة، فتحركوا وجاهدوا حتى طردوا الصليبين وأنقذوا إخوانهم من العذاب والقتل ، ومما قال في خطبته: ( فإخوانكم أحاط بهم العدو وسامهم ألوان الخوف ، وأنتم تأكلون وتتمتعون بلذائذ الحياة وهم هناك يتسربلون اللهب وينامون على الجمر) . وفي ختام خطبته تلك ألقى الألجمة من فوق المنبر على رؤوس الناس وصرخ: "ميدي يا عمد المسجد وانقضي يا رجوم وتحرقي يا قلوب ألماًَ وكمداً لقد اضاع الرجال رجولتهم." . لقد كانت هذه الكلمات بمثابة " الحياة" لتلك الجموع ولبقية المسلمين فتحركوا الحركة الصحيحة، التي أفضت لتحرير البلاد والعباد من دنس وشرور الغزو الصليبي في تلك الحقبة.
اليوم يعيد التاريخ نفسه، فدولة الاحتلال انفردت بأهل غزة، وها هم يسومونهم سوء العذاب، فبذلك الفتك والتدمير ينامون على الجمر، ويحيط بهم القتل والجوع والحصار والأمراض من كل جانب، وذوي القربى في سبات عميق. فلذلك كانت غزة وأهلها بحاجة لمثل تلك المواقف التي جسدها العلامة إبن الجوزي لتحرك الأمة، حتى تُوقف عذابات أهل غزة وترفع عنهم البلاء والقتل وترد الاحتلال وكافة شروره.
إذا، فلتدوي في بلادنا صرخات تنطلق من مناطق شتى من عالمنا الإسلامي لعل وعسى تلامس نخوة الرجال، كما حصل إبان فترة الغزو الصليبي ذاك فيتحرك الرجال ويكونوا لإخوانهم في غزة منقذين !.