الشبيبة الفتحاوية: انعكاسات مؤتمر رام الله على تعزيز العمل التنظيمي في غزة
بقلم د. محمد إبراهيم محمد منصور مقرر مفوضية المكاتب الحركية – حركة فتح، إقليم شمال غزة
الشبيبة الفتحاوية: انعكاسات مؤتمر رام الله على تعزيز العمل التنظيمي في غزة
بقلم د. محمد إبراهيم محمد منصور
مقرر مفوضية المكاتب الحركية – حركة فتح، إقليم شمال غزة
في زمنٍ تتقاطع فيه العواصف فوق سماء الوطن، وتتكاثر الضغوط على الجغرافيا والإنسان، تنهض الشبيبة الفتحاوية كقوة مركزية لا يمكن تجاهلها، تحمل إرث الماضي وتواجه تحديات الحاضر بعزم على صياغة المستقبل. إنها الجيل الذي حمل ذاكرة الشهداء في قلبه، وورث من قادة الحركة وعملها الوطني إيمانًا راسخًا بأن فلسطين تُبنى بصدور لا تخاف، وبشباب يعرف أن الطريق إلى الحرية ليس مجرد شعار يُقال، بل رسالة مستمرة تتطلب العمل والصبر والصمود.
انعقد مؤخرًا في رام الله المؤتمر العام للشبيبة الفتحاوية، في حدث جذب اهتمام الأوساط التنظيمية والشبابية على حد سواء، لما يحمله من رمزية تؤكد على الدور المحوري للشباب في الحركة الوطنية الفلسطينية. وقد جاء المؤتمر في وقت حساس، إذ تمر حركة فتح بمرحلة دقيقة على الصعيدين التنظيمي والسياسي، بينما يواجه قطاع غزة تحديات كبيرة بعد سنوات طويلة من الحروب المتكررة التي ألحقت دمارًا واسعًا بالبنية التحتية، وأثرت على الحياة اليومية للمواطنين بشكل عميق.
غزة، المحافظة التي تحمل إرثًا من الصمود والمقاومة، تمثل نقطة انعكاس حيوية لأي حراك تنظيمي داخلي. الشباب في القطاع عاشوا ظروفًا استثنائية أثرت على حياتهم التعليمية والاجتماعية والاقتصادية، ومع ذلك حافظوا على روح الالتزام والانتماء الوطني، متطلعين إلى المساهمة الفاعلة في مختلف الأطر التنظيمية والمبادرات المجتمعية والسياسية. وفي هذا السياق، كان من المتوقع أن يعكس مؤتمر الشبيبة طموحاتهم بشكل ملموس، ويسهم في تفعيل دورهم على مستوى الحركة ككل، وليس في هيكل محدد فقط.
إلا أن الواقع التنظيمي بعد انعقاد المؤتمر يشير إلى أن تحقيق الطموح الكامل لتعزيز مشاركة الشباب يحتاج إلى مزيد من الوقت والجهود. فالهيكلية الحالية لبعض الأطر التنظيمية لا تزال مركزية إلى حد ما، ما يوفر فرصة لتطوير آليات جديدة تُسهم في توسيع مشاركة الشباب وتعزيز مساهمتهم الفاعلة. ومع ذلك، فإن المؤتمر لم يكن بلا أثر؛ فقد أعاد فتح المجال للحوار حول أهمية دور الشباب، وأكد على ضرورة إشراكهم في الحياة التنظيمية للحركة، حتى لو بقي التطبيق العملي لهذه الرؤية محدودًا في الوقت الحالي.
حمل المؤتمر رسائل عدة، أهمها أن الشبيبة هي ركيزة المستقبل التنظيمي والسياسي للحركة، وأن تطوير قدراتهم ومهاراتهم القيادية أصبح ضرورة ملحة. وقد شهدت غزة، رغم القيود، اهتمامًا متزايدًا بالشباب، وتشجيعًا لهم على المشاركة في برامج التدريب وتنمية القدرات، على الرغم من أن فرص المشاركة العملية لا تزال بحاجة إلى تعزيز. كما أسهم المؤتمر في توجيه الانتباه إلى ضرورة إدماج الشباب في صنع القرار داخل الحركة ككل، وإتاحة مساحة أكبر لهم للمبادرة والابتكار في مختلف الأطر التنظيمية، وهو ما يمكن أن يخلق ديناميكية جديدة في القطاع مستقبلاً.
واقع غزة بعد الحروب كان عاملاً مهمًا في تشكيل انعكاسات المؤتمر على الشبيبة. فالقطاع شهد دمارًا واسعًا طال المدارس والمستشفيات والمرافق العامة، وتعرضت الحياة اليومية لضغوط غير مسبوقة، مما أثر على قدرة الشباب على الانخراط الكامل في العمل التنظيمي. ومع ذلك، فإن روح الشباب وإصرارهم على المشاركة لم تتراجع، بل كانت حاضرة بقوة في النقاشات والورش التي أعقبت المؤتمر، حيث عبّروا عن تطلعهم للمساهمة في تطوير برامج ومبادرات تعكس احتياجات المجتمع المحلي وتعزز الصمود الوطني.
أحد أبرز تأثيرات المؤتمر كان رفع مستوى الوعي بين الشباب بأهمية دورهم في الحركة. فقد شكل المؤتمر محطة لتأكيد أن الشبيبة ليست مجرد عنصر تنظيمي إضافي، بل هي قلب النشاط التنظيمي ونقطة الانطلاق لأي تجديد يمكن أن يطرأ على الحركة. ومن هنا جاء التأكيد على تطوير برامج التدريب الشبابي، وتعزيز مهارات القيادة والإدارة لديهم، بما يمكّنهم من المساهمة الفاعلة في مختلف المبادرات التنظيمية والمجتمعية.
ورغم محدودية التأثير المباشر على الأطر التنظيمية في غزة، فإن المؤتمر أسهم في تعزيز روح الانتماء الوطني لدى الشباب، وأكد على أن أي عمل حركي ناجح في القطاع لا يمكن أن يتحقق دون مشاركتهم النشطة. هذا الوعي الجديد يعكس إدراك الشباب لأهمية دورهم، ويحفزهم على البحث عن سبل المساهمة في تطوير العمل التنظيمي، رغم العقبات القائمة.
كما أبرز المؤتمر أهمية التنسيق بين الشبيبة في غزة والمحافظات الأخرى. فقد تم التأكيد على تبادل الخبرات، ومراجعة الخطط التنظيمية بما يتناسب مع الواقع المحلي لكل محافظة، وهو ما يعزز قدرة الحركة على توحيد جهودها الوطنية، ويدعم الشباب في غزة ليكونوا جزءًا فاعلًا من العملية التنظيمية الوطنية، حتى في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها القطاع.
من ناحية أخرى، سلط المؤتمر الضوء على البعد المجتمعي للعمل الشبابي. غزة، التي تعيش حالة دائمة من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية نتيجة الحصار والدمار، بحاجة إلى إشراك الشباب في مبادرات تخدم المجتمع، سواء من خلال تقديم الدعم للفئات الأكثر تضررًا، أو إطلاق برامج توعوية وتعليمية وترفيهية للشباب والأطفال. هذا البعد العملي لم يقتصر على تعزيز العمل التنظيمي فحسب، بل ساهم أيضًا في تعزيز روح التضامن والانتماء الوطني، ورفع معنويات المجتمع في مواجهة التحديات اليومية.
كما لم يغفل المؤتمر أهمية تطوير مهارات الشباب القيادية وتنمية قدراتهم على الابتكار داخل العمل التنظيمي. فقد أدرك المشاركون أن أي تغيير حقيقي يحتاج إلى دمج الطاقات الجديدة مع الخبرات السابقة، بحيث يمكنهم المساهمة بفعالية في صنع القرار، وإدارة البرامج والمبادرات بشكل مستدام. هذا الدمج بين الشباب القدامى والجدد يشكل أساسًا لتجديد العمل التنظيمي، وتعزيز قدرته على مواجهة التحديات المستقبلية.
على الرغم من أن انعكاسات المؤتمر لم تكن فورية في غزة، إلا أنه أسهم بشكل واضح في إعادة توجيه النقاش نحو الدور الحقيقي للشباب، ورفع الوعي بأهمية مشاركتهم في مختلف مستويات العمل التنظيمي. وقد عبّر المشاركون عن تطلعهم لأن تتاح لهم الفرص الفعلية لتطبيق ما نوقش في المؤتمر، بحيث يمكن أن يتحول الحوار إلى خطوات عملية ملموسة تعزز مشاركتهم، وتضمن لهم دورًا حقيقيًا في قيادة الحركة.
الشبيبة الفتحاوية اليوم ليست مجرد عنصر تنظيمي، بل قوة ديناميكية قادرة على أن تكون نبضًا للتغيير ومؤشراً لمدى جدية الحركة في الاستثمار في شبابها. الخطاب الذي أطلقه المؤتمر، من القدس إلى غزة، يؤكد أن الشباب ليسوا مجرد متلقين للأوامر، بل هم شركاء أصليون في القرار وصناع محتملون للتغيير. لكن هذه الرؤية تحتاج إلى أن تتحول من كلمات على الورق إلى خطط عملية وإجراءات ملموسة. ففي ظل القيود الميدانية والاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها القطاع، يظل الشباب بحاجة إلى مساحات أوسع للمبادرة، وإمكانيات حقيقية للمشاركة في صنع القرار، والقدرة على تطوير برامج تلبي حاجات المجتمع المحلي.
إن القوة الحقيقية للشبيبة تكمن في قدرتها على المزج بين الإرث الوطني والتجربة الشخصية، بين الالتزام بالقيم والتفكير الإبداعي، وبين الرغبة في التغيير والوعي بالواقع الصعب. وهنا تكمن الرسالة المهمة: إذا أرادت الحركة أن تضمن استمرارها وتفادي الانحدار نحو الجمود، عليها أن تسمح للشبيبة بأن تكون محركًا للتجديد وليس مجرد متلقي لتعليمات قيادية. أي فشل في ذلك سيكون مكلفًا على المستوى التنظيمي والسياسي والاجتماعي.
أما الشباب في الجامعات، فهم قوة محركة للتغيير والوعي الوطني. الجامعة ليست مجرد جدران وأبواب، بل معركة يومية لتثبيت الهوية وصناعة القادة والفاعلين الحقيقيين. الشبيبة الطلابية مطالبة بالتصدي لكل محاولات التهميش أو التفكيك، وأن تجعل من كل نشاط ومن كل انتخابات منصة للوعي والانتماء والقدوة، لا مجرد مناسبات شكلية. أي تقاعس هنا يعيد إنتاج الفشل التاريخي في نقل المسؤولية والقيادة إلى الأجيال الجديدة.
ولعل التحدي الأكبر يكمن في القدرة على الجمع بين الروح الوطنية العالية والفعالية العملية داخل الأطر التنظيمية. فبينما تتفاخر الحركة بشعار “الشبيبة ركيزة المستقبل”، تبقى الحقيقة أن كثيرًا من الشباب يشعر بأن مشاركته محدودة، وأن قرارات مهمة تُتخذ دون إشراكه. هذا التناقض بين الكلام والفعل يضع الحركة أمام اختبار صعب: هل هي فعلاً مؤمنة بشبابها، أم أن الشعارات مجرد حبر على ورق؟
في ضوء كل ذلك، يبدو أن الشبيبة الفتحاوية اليوم أمام فرصة تاريخية لتأكيد حضورها. فهي تمتلك الإرث، والوعي، والقدرة على المبادرة، لكنها تحتاج إلى بيئة تنظيمية تسمح لها بالتحرك بحرية، ومساحة لتطبيق أفكارها، ودعم حقيقي من القيادات، وليس مجرد شعارات معنوية. وإذا تمكنت من استثمار هذه الفرصة، فإنها لن تكون مجرد عنصر تنظيمي، بل ستصبح قوة مؤثرة في صياغة السياسة الوطنية، وفي الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وفي توجيه الحركة نحو مسار أكثر حيوية وواقعية.
في النهاية، يمكن القول إن مؤتمر الشبيبة الفتحاوية في رام الله يمثل خطوة مهمة نحو تعزيز دور الشباب في الحركة، لكنه يظل نقطة انطلاق أكثر من كونه تحولًا جذريًا. انعكاساته في غزة تظهر بشكل أكبر في الجانب المعنوي والوعي التنظيمي، مع بقاء الحاجة ملحة لتعزيز مشاركة الشباب بشكل عملي وفعّال. وإذا ما توفرت الإرادة التنظيمية لتوسيع دور الشبيبة، وتقديم الفرص الحقيقية لهم للمشاركة في صنع القرار، فإن انعكاسات المؤتمر ستصبح ملموسة على المدى الطويل، وستسهم في تعزيز قدرة الحركة على التكيف مع التحديات، وصياغة برامج ومبادرات مبتكرة تضمن للشبيبة حضورًا مؤثرًا في الحياة التنظيمية والمجتمعية في غزة.
بهذا الشكل، يضع المؤتمر الأساس لتجديد العمل التنظيمي، ويؤكد أن الشباب هم عنصر رئيسي لاستمرارية الحركة وفعاليتها، وأن الاستثمار في قدراتهم ومهاراتهم هو الطريق نحو مستقبل أكثر استقرارًا وحيوية للحركة الفلسطينية في غزة وفي جميع المحافظات. إن الطاقات الشبابية الموجودة في القطاع، رغم كل التحديات، قادرة على المساهمة في إعادة بناء العمل التنظيمي بشكل متجدد، وتحويل التطلعات النظرية إلى واقع ملموس يعكس صمود غزة ومكانة الشباب كركيزة أساسية للحركة الوطنية.





