خمسة رسائل من المتفائل إلى المتشائم 

محمد قاروط أبو رحمه

أغسطس 20, 2025 - 17:40
خمسة رسائل من المتفائل إلى المتشائم 

خمسة رسائل من المتفائل إلى المتشائم 

محمد قاروط أبو رحمه

(الملخص: والمتفائل أيها المتشائم العزيز: يستيقظ والناس نيام، يصلي ويدعو، ويخطط للأعمال، وحين تشرق الشمس يحث الخطى للعمل بهمة ونشاط، يسبق عمله قوله ليكون قدوة بالفعل قبل الكلام، وببهاء وجهه يوزع البشر أينما جلس وتحدث وعمل وأقام.)

 

التفاؤل والمتفائل

 (1)

التفاؤل (1) هو الطريق الصحي الوحيد لرؤية العالم.

وهو الطريق الصحيح لنمو صحة أجسادنا وأدمغتنا وقلوبنا. الجسد والعقل والعاطفة.

والطريق الصحيح لبناء أهدافنا.

والتفاؤل هو أفضل وأسرع وأرخص طريقة لتوظيف مواردنا الذاتية والموضوعية لتحقيق ما نريد.

التفاؤل هو الذي يمكننا من رؤية ما لا يراه الواقعي والمتشائم.

والتفاؤل خيار نستطيع تبنيه.

 

(2)

التفاؤل وجداني وعقلي (2) وهو فطري ومكتسب.

فطري لأننا عندما نولد بمشاعر حيادية وإيجابية منفتحون على من حولنا.

التربية البيتية ثم المدرسية تعزز الفطرة او تحرفها.

وعندما ننضج نقرر أن نكون متفائلين او متشائمين.

ولأن التفاؤل مكتسب فإن المرونة العقلية التي يتمتع بها نظامنا العصبي وقدرته على اكتساب عادات واتجاهات جديدة والتخلص كذلك من عادات واتجاهات غير مرغوب بها يجعل الفرد المسؤول الأول عن اكتساب عادة واتجاه التفاؤل.

 

علاقة التفاؤل والإيجابية 

(3)

الإيجابية التي تحاول كتم المشاعر السلبية الناتجة عن مشكلات ذاتية او موضوعية قد تنقلب إلى مشاعر وتصرفات سلبية خطيرة.

الإيجابية التي تنظر للواقع وتعتبره كله ايجابي قد تنفجر في أي لحظة 

والإنسان لا يستطيع إجبار نفسه على السعادة، وكتم المشاعر السلبية لإنها ستظهر رغما عنا.

والإيجابية (3) ليست تزيين الواقع او الكذب على الذات او إيهامها إنما هي إقرار بالواقع ومواجهته بروح التحدي.

الإيجابية فعل متصل وسعي لا ينقطع يقر بالواقع وينطلق لإحداث التراكم والفرق ما يفضي لتحقيق الهدف متجاوزًا كل الصعوبات.

يقول فريق "مايو كلينيك": يبدأ التفكير الإيجابي دائمًا بالحديث مع النفس. الحديث مع النفس هو تدفق ليس له نهاية للأفكار الخفية التي تجري في رأسك. وقد تكون تلك الأفكار التلقائية إيجابية أو سلبية. ويكون بعض حديثك مع النفس نتاجًا للعقل والمنطق. وقد يأتي حديث آخر إلى النفس نتيجة مفاهيم خاطئة تشكلت لديك بسبب نقص المعلومات، أو توقعات ناتجة عن أفكار مسبقة عما قد يحدث.

ويضيف الفريق: إذا كانت معظم الأفكار التي تدور في رأسك سلبية، فسوف تكون نظرتك للحياة متشائمة على الأرجح. أما إذا كانت معظم الأفكار التي تدور في رأسك إيجابية، فإنك على الأرجح شخص متفائل (4)، أي إنك شخص يمارس التفكير الإيجابي. أما إذا كانت معظم الأفكار التي تدور في رأسك إيجابية، فإنك على الأرجح شخص متفائل، أي إنك شخص يمارس التفكير الإيجابي.

التفاؤل أم النعي؟

(4)

إن التفاؤل مكون معرفي ووجداني قائم على ركيزتين الأولى قيام الفرد بما يجب القيام به لأحداث التغيير الإيجابي المطلوب، وهذا الفعل هو تفاعل وجداني ومعرفي ذاتي لتغيير الواقع، والركيزة الثانية توقع حصول أحداث إيجابية من بيئة الفرد.

 والركيزتين معا يكونان الاعتقاد بأن المستقبل سيكون أفضل، لأن الفرد يعمل من أجل مستقبل أفضل.

عرف قاموس اكسفورد التفاؤل بأنه شعور جيد بأن شيء جيد سيحصل.

أثبتت دراسات أجرتها جامعة بوسطن وجامعة هارفرد شارك بهذه الدراسة ٧٠ ألف مشترك على مدى ثلاثة عقود ونشرت على موقع العلوم TNAS عام ٢٠١٩ بأن الرجال والنساء المتفائلين زادت فرصهم بالعيش لعمر ٨٥ عام أو أطول، أكثر من ٥٠ إلى ٧٠% من المتشائمين. وكانت هذه النتيجة غير مشروطة بعوامل أخرى مثل الوضع المالي او نوعية الطعام او ممارسة الرياضة. 

أما المؤلف "سيمون سنك" مؤلف كتاب ابدأ بالأسباب او ابدأ ب لماذا يقول إن التفاؤل هو الاعتقاد أن المستقبل سيكون ايجابي؛ وهو أن تكون بالنفق المظلم وتتحداه ما استطعت وتعيش هذا الواقع لكن لا تركز على الظلمة، بل على الضوء القادم من نهايته.

وكان الأخ الشهيد المفكر الكبير هاني الحسن (5) يسمى هؤلاء المتشائمين أو السوداويين بأصحاب رقعة النعوة (أي النعي) أولئك الذين لا يتورعون عن اللطم وتوقع او ترقب الأسوأ من أي حدث صغير فهم ينعون القضية كلها عند أول حدث سيء أو مأساوي. ولطالما دعى لمقاومتهم فهم يقتلون الفعل النضالي، والمناضل بطبعه يحمل بين جناحيه التفاؤل والامل مقترنا بثبات الفعل والعمل

أي تسمح لحدوث الظلمة الخارجة عن إرادتك وتتقبل الواقع وتعمل من أجل التغيير وتسمح للأيام أن تكون جيدة وأحيانا سيئة.

التفاؤل ليس إنكار للواقع الحالي، بل هو الاعتقاد بان الاستمرار بالفعل والمثابرة سيصلك إلى نهاية النفق.

قد لا نعرف طول الطريق والعقبات التي ستواجهنا والوقت والجهد اللازم لذلك، ولكن يكون المتفائل متأكد أن الاستمرار بالعمل والفعل والسير والمثابرة سيصل إلى ما يريد حتما.

عزيزي المتشائم 

(5)

اعلم أن التشاؤم يشل العقل، ويبطل الأفكار، وبقتل الإبداع، ويذهب ببهاء الوجه، وطلاقة اللسان وتدفق الدم في الشريان فتعتل الأبدان، وقد يموت المتشائم قهرا قبل الأوان.

لقد كان الخالد ياسر عرفات ملك الواقعية والايجابية والتفاؤل في إطار العمل الدؤوب حتى في أصعب الظروف يردّد قوله الأثير لأولئك السوداويين أو المتشائمين أوالذين خارت قواهم بالقول: "ارتاحوا قليلًا، وأعطونا أولادكم لنكمل المسيرة".

والمتفائل أيها المتشائم (6) العزيز:

يستيقظ والناس نيام، يصلي ويدعو، ويخطط للأعمال، وحين تشرق الشمس يحث الخطى للعمل بهمة ونشاط، يسبق عمله قوله ليكون قدوة بالفعل قبل الكلام، وببهاء وجهه يوزع البشر أينما جلس وتحدث وعمل وأقام.

    الهوامش:

(1)           يقولون: المتشائم هو من لا يرى إلا.. النصف الفارغ منها. المتفائل هو من ينظر إلى.. النصف الممتلئ من الكأس.

(2)           العقلانية قدرة الانسان في حياته اليومية وممارسته المعرفية على اجراء محاكمات واعية بعيدا قدر الامكان عن تسلط المشاعر والعواطف او أي اعتبار شخصي آخر مع او ضد.

(3)           لمراجعة ملف حركة فتح المعنون: القوة الشخصية الإيجابية؟ والثقافة التنظيمية، وتجدون الملفات المختلفة الثرية في موقع اكاديمية فتح الفكرية https://t.me/fatahacad

(4)           ويذكر أن: الشخص المتفائل عنده ثقة بقدرة الله فهو يتوكل على الله للحصول على الرزق وراحة البال في الدنيا، أما المتشائم شخص يتواكل ويعتمد على الأفكار الهادمة والتشاؤمية ولا يرى أي شيء إيجابي في الحياة.

(5)           هاني الحسن (1939-2012م) القيادي الفلسطيني البارز، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومستشار الرئيس ياسر عرفات، وهو المفكر العروبي الكبير والمنظر للعقلانية والثورة والديمومة النضالية.

(6)           يقول بعض العلماء أن: المتشائم لا شيء يعجبه، دائماً يرى الشيء الناقص، مهما اكتملت حياته وتحسن وضعه، إلا انه يظل متمسكاً بالنواقص، لا يرى غيرها وتصبح هي العنصر الأساس. يعتبر كل نجاحاته وتطور مكانته ناقصة وغير مكتملة، كل شيء حوله ناقص وكئيب من وجهة نظره، كل ما يحصل عليه هو دائما أقل مما يستحقه، دائم الانتقاد، لا شيء يراه كاملاً، إن وقف أمام المرآة هجا نفسه وهو سريع الغضب أو يائس من مجرد وجوده.