دروس وعبر

عيسى دياب
في قراءة المحطات التاريخية وخاصة المتعلقة بتأسيس الدول وإنهيارها وقيام دول أخرى على أنقاضها عِبَرٌ مستخلصة تروي لك أحداث المستقبل القريب والبعيد دونما تبصير وقراءة كف وتنجيم، لا داعي لإستشراف مستقبل سلطة ما بقدر معرفة نظام حكمها ثم إنتظار سقوطها بنفس الألية التاريخية التي أسقطت كل الممالك والسلطنات والأمبراطوريات والدول، وبالتأكيد تنطبق ذات الألية على إنهيار الأحزاب وحتى العائلة.
قراءة التاريخ لبناء المستقبل تجتهد به قلة من الناس على صعيد العالم كله، ذلك بسبب خلفية حاجة القارئ للتاريخ، فبعضنا يقرأه لإجتياز إمتحانه والأخر للتعليم أو للتأكد من أحداث تاريخية للمناقشة والقلة القليلة تقرأه لإستخلاص العبر التي تقود إلى بناء مستقبل مستدام يتجنب فيه القيميين الوقوع في أخطاء قادة تاريخيين ودول تاريخية أدت إلى سقوطهم ظانين بذلك إستمرارية الحكم والسلطة، وظنهم في تفكيرنا الترابي صحيح فكما كان يقول لنا أباؤنا أنظر أمامك لن تقع في الحفرة! وهكذا أيضاً إستراتيجات الدول هي خبرة التاريخ والنظر إلى الأمام لتفادي الوقوع في الحفرة.
نتيجة دراسة تاريخ الدول والممالك والسلطنات واسباب سقوطها وزوالها تخلُص إلى ان نظام الحكم المركزي المرتبط بشخصية واحدة مثل الملك او السلطان والأمبراطور او الحزب الواحد لا بد له من السقوط بينما يمكن للتعددية ولنظام الحكم الديمقراطي الإستدامة لأن الحكم فيه يعود للشعب فتسقط الحكومات لا النظام أو يتم تحديث النظام لا آسقاطه، فإن غالبية الأحداث التاريخية المرتبطة بسقوط الدول والممالك كانت بفعل عدو خارجي ولكن بمساعدة داخلية او خيانة، فنستعين بقول ميكافيلي في كتاب الأمير أن الشعوب المسحوقة تنظر الى الدولة الغازية على أنها المنقذ الذي سيغير واقعهم فيتعاونون معه ولكنهم سيبقوا مضهدين بعد سقوط ملكهم، وهذا ما لن يحدث بالأنظمة الديمقراطية وسيحدث مثلاً في الصين الشعبية ذات حكم الحزب الواحد " الشيوعي".
وأقتبس أيضاً من رأي المفكر الدكتور محمد شحرور رحمه الله، أن الله سبحانه وتعالى أنهى ببعثة خاتم الأنبياء محمد صلَّ الله عليه وسلم عصر القرى وبدأ عصر التعددية مستدلاً بفكرة النبي بتأسيس "مدينة" في يثرب لا قرية واطلق نظام الشورى لا التفردا في الحكم مشيراً بذلك إلى أن الوحدانية ما كانت ولن تكون سوى خاصية الله على خلقه، فيقول أن كل قرية مجتمعة على رأي واحد يدمرها الله، فالمثل واقع ببعض الشخصيات التي تهتم بالسيطرة على كل مفاصل القرار دكتاتوراً بلباس ديمقراطي.
نعم قلة من الناس من يدرسون التاريخ بهدف إستخلاص العبر والتعلم، لا زالت البعثات الغربية تحفر وتستكشف الماضي السحيق في بابل والجيزة وغيرها من الأماكن التي لا نعرفها في السودان وسوريا ومؤخراً في مدينة صور - جنوب لبنان.
أستمحيكم عذراً ولإضافة شيء من المضحك المبكي على المقال قال لي أحد كبار السن انه كان يعمل في فلسطين في تنظيف الأحجار وكان يتقاضى راتباً ممتازاً، هو لم يكن يعرف أن هذه الأحجار هي تاريخه ومستقبله ولم يكن يعرف أهداف مستخدميه، ولست أدري كيف ان أمة القرأن عادت إلى الجهل والأمية في القرن الماضي!
أولم يأمر الله المسلمين: ¤ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ.. ¤
إن أحد أسباب تقدم الشعوب على الشعوب هو العلم والعلم فقط في المقياس الدنيوي، الله سبحانه وتعالى أنزل القرأن عربياً لعلنا نعقل، وإبتدأ أمراً بالعلم فتخلفنا إذ لم نرد أن ننظر في خلق السموات والأرض وأعماق البحار، فنظر فيهم الغرب، والنجاح لن يكون سوى ثمرة جهد، إجتهدوا فنجحوا.
ستعود حقاً إلى أن الطمع بالسلطة هو السبب الأكثر مرافقة لإنهيار الدول والسلاطين.
تعيد السلطة تصحيح نظامها وتقوم بإجراءات كقطع رأس الفساد او تعينات إصلاحية لتصويب العمل، فيقوم البعض بتغيير جلده لضمان بقاءه في دوائر السلطة فيبقى المثل العامي الشهير " تيتي تيتي مثل ما رحتي مثل ما جيتي "، وهؤلاء هم أول من باع مسؤولهم الذي رفعهم ويفترشون رصيف قصر المسؤول الجديد متملقين حتى يستدرجوه ليعيدوا أمجادهم إلى أن يهلك جسد الحكم فيعتلون عرش السلطة بجلد جديد وإسم دولة جديدة، لماذا! لأنهم ليسوا ممن يربطهم الإنتماء الذي يحتم عليهم التخلي عن المصالح الشخصية اذا ما كانت ذات تأثير سلبي على السلطة او الحزب إنما يهمهم هي المكاسب الأنية فيكونوا دمى في مسرح الأعداء يتحركون بخيوط من خلف الستائر وتكون غالباً هذه الشخصيات هي الأكثر تملقاً لذلك أستعين أيضاً بنصيحة ميكافيلي للأمير:
يجب عليك أيها الأمير أن تتعلم كيف تفرق بين حقراء القوم وأعزتهم واحذر لا تتخذ منهم خليلاً أو مشيراً لك، ولا تأخذ منهم مشورة أبداً.