النضوج الوجداني في برامج هيئة التدريب العسكري

النضوج الوجداني في برامج هيئة التدريب العسكري

النضوج الوجداني، او الثبات العاطفي. هو قدرة الفرد على قيادة مشاعره وتوظيفها بالتفكير العقلي، والحكمة، والتدبر، والتدبير. وهو ترك مسافة زمنية بين الاحداث التي تدور داخلنا او حولنا وردة فعلنا عليها. هذه الفترة الزمنة قد تكون 5 ثواني. كما في المثل الشعبي "عد للعشرة" وكما في حديث الغضب للنبي محمد صل الله عليه وسلم 

(إذا غضبَ أحدُكم وهو قائمٌ فلْيجلسْ، فإن ذهبَ عنه الغضبُ وإلاَّ فلْيَضْطَجِعْ.

صحيح أبي داود)

توفر خصائص وبيئة التدريب العسكري القاسية والمتنوعة والتجهيزات، فرصة ذهبية لنضوج واستمرار تطوير نضوج الفرد. ونضوج الفرد ليس له حدود. كما ان نضوج الفرد عامل حسام في جودة ونوعية حياته وعمله.

تفسيرك يحدد مصيرك

وبما ان حياتنا عبارة عن ردود أفعال للأحداث التي تدور حولنا او داخلنا، فان تفسيرنا لهذه الاحداث يقود ردود فعلنا، وردود فعلنا على ما يحدث داخلنا او حولنا، يحدد مصيرنا، او مجريات حياتنا.  

وتحت عنوان القواعد العشرة للسلوك الإنساني يذكر د. دافيد "تعتمد طريقة تعاطینا مع الأنباء، السارة منھا والسيئة، على كیفیة استيعابنا لھا. ويضيف "تستند تسعون في المئة من قراراتنا على العاطفة. نلجأ بعد ذلك إلى المنطق من أجل تبرير تصرفاتنا" (1).  

ويعرف جهاد بن جراد النضج "النضج هو حالة من التوافق تُشير إلى اكتمال وتناغم العمل ما بين الوظائف العقليّة، والجسديّة، والفسيولوجيّة، والروحية، والاجتماعية، بصورة تمكّنه من فهم الحياة بتناقضاتها المختلفة والمعقدة، وكذلك الاستقلالية في التحكم في شؤونه واتخاذ القرارات المصيريّة المعقولة والمنطقيّة والسليمة في حياته بمعزل عن سيطرة الآخرين وتأثيرهم". (2)

كما يذكر مقال منشور على موقع سناك سوري "من صفات الشخص الناضج التنظيم العاطفي، أي قدرة الناس على التحكم في عواطفهم دون أن تطغى عليهم، وقد طوروا آليات صحية للتكيف" (3)

ويعتبر الثبات العاطفي والنضوج الوجداني من اهم الخصائص والمهارات التي ميزت تجربة ملكة سبأ، في مواجهة تهديدات سيدنا سليمان عليه السلام. (4)

استنادا الى ما سبق، والى ان هيئة التدريب العسكري تتعامل مع افراد أعمارهم فوق 18 عام، فان محتويات البرامج التدريبية في هيئة التدريب العسكري تتضمن ضمنا تدريبات النضوج الوجداني والثبات العاطفي. ومثال ذلك أنشطة خدمة المجتمع، والبحوث، والعمل تحت الضغط لساعات طويلة، وطوابير الازعاج وهي فعالية تحاكي قيام فعل ما، في وقت غير متوقع لأحداث مفاجئة لدى المتدرب، فمثلا يقوم طاقم التدريب بعد يوم تدريب شاق، وبعد خلود المتدربين الى النوم بقليل بإطلاق صفارات الإنذار اعلانا عن امر طارئ (او اية فعالية مشابهة)، ثم يقوم المدربين بمتابعة ردود فعل المتدربين، وكيف يتصرف كل فرد منهم.

من الطبيعي ان الفرد إذا تعرض للمفاجئة مثل الاستيقاظ من نوم عميق ان يشعر بالخطر وان يتوتر، وأحيانا يهتز كيانه، وقد يفقد القدرة على التصرف. هذه التدريبات تساعد المتدرب على سرعة إعادة التوازن الوجداني والتخفيف من التوتر وإعادة القيادة والتوجيه الى العقل، وسيطرة العمليات الذهنية على المشاعر. إضافة الى ان التدريب العسكري تدريب قاسي جسديا ونفسيا، وعاطفيا.  

تدريبات النضوج الوجداني والثبات العاطفي موجودة في محتويات البرامج التدريبية، وكل ما على الهيئة القيام به هو اظهار تدريبات النضوج الوجداني والثبات العاطفي في اهداف التدريب، والعائد منه على العمل والحياة الخاصة وعلى المجتمع. 

النضوج والثبات العاطفي هو أحد ركائز الوعي وإدراك الذات الذي سبق ذكره في مقال سابق (5).

لا يهدف التدريب العسكري الفلسطيني الان، ولم يهدف سابقا ايضا الى عزل المتدرب المنتسب لقوى الامن الفلسطيني عن مجتمعه ابدا. لذلك أحد اهداف التدريب العسكري هو تدريب المنتسب لقوى الامن ليكون أكثر فائدة وتأثير لعائلته ومجتمعه. 

لذلك فان تدريبات المرونة العقلية، والنضوج الوجداني، والقدرة على التكيف والموائمة، وتقبل النقد، وتقبل الفشل والتعلم منه، وكيف نتعامل مع الانباء التي تردنا بمصداقية ودقة وسرعة وجودة، يجب ان تظهر كأهداف تدريبية لتحسين جودة الحياة والعمل للفرد والجماعة. 

في الختام: كل فرد فينا مارس ويمارس النضوج الوجداني بطريقة ما. فمثلا في الصوم الذي نقوم به تنفيذا لأمر الله، فأننا لا نستجيب للأحداث التي تدور داخلنا، مثل الجوع او العطش، او الشهوة الجنسية، ان عدم استجابتنا الى هذه الاحداث او المثيرات سببه النضوج الوجداني، كما في نفس المثل نحن لا نستجيب لأية احداث تدور حولنا مثل رائحة الدخان او الطعام او الاثارة الجنسية. هذا مثال بسيط اختبره كل فرد فينا بطريقة ما. النضوج الوجداني (الثبات العاطفي) هو امتلاك القدرة العقلية على قيادة قوة المشاعر وقوة الجسد وقوة الشهوة، وتوظيف القوى الثلاثة عقليا وذهنيا لتحقيق ما تريد.

النضوج الوجداني والثبات العاطفي امر حاسم في تحسين واستمرار تحسين جودة ونوعية الحياة والعمل للفرد والجماعة، وهو مهارة يمكن تعلمها، وتطويرها واستمرار تطويرها.

المراجع: 

دافيد.ج. ليبرمان، اكتشف الكذابين، الكتاب مترجم للعربية، صادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون، لبنان

جهاد بن جراد، مقال الجزيرة نت. https://www.aljazeera.net/

مقال بعنوان: العمر ليس مقياساً.. ما هي صفات الشخص الناضج؟ على موقع سناك سوري، https://snacksyrian.com 

محمد قاروط أبو رحمه، المفاوضات والحكم والقيادة، دروس من تجربة ملكة سبأ، اصدار دار البيرق العربي للنشر والتوزيع، رام الله فلسطين،

 2024 https://kolalnastv.com/20897

 تلفزيون كل الناس