إيران تغيّر معادلة الاشتباك ، قاعدة العديد والطلقة الاخيرة نموذجاً قبل وقف اطلاق النار .

يونيو 24, 2025 - 11:10
إيران تغيّر معادلة الاشتباك ، قاعدة العديد والطلقة الاخيرة نموذجاً قبل وقف اطلاق النار  .

إيران تغيّر معادلة الاشتباك ، قاعدة العديد والطلقة الاخيرة نموذجاً قبل وقف اطلاق النار  .

* مروان إميل طوباسي .

في تطور غير مسبوق ، وبعد أن كانت إيران قد وجهت ضربات صاروخية إلى دولة الأحتلال لم تشهدها من قبل، وأدت إلى خلخلة معادلات الردع والقوة في المنطقة، وألحقت بإسرائيل خسائر في مختلف القطاعات، كان أبرزها الأثر النفسي العميق على المجتمع الإسرائيلي الذي بدأ يميل نحو الهجرة المعاكسة. جاء إعلان مجلس الأمن القومي الإيراني عن تدمير قاعدة العديد الأميركية في قطر ، ردا على العدوان الهمجي غير المبرر الأميركي - الإسرائيلي الذي بدأ في ١٣ حزيران الجاري .

الهجوم ، الذي نفذته إيران كرد وحق لها، جاء متناسبا حسب البيان مع عدد القنابل الأميركية المستخدمة ضد إيران ، مع تأكيد واضح على تجنب المنشآت السكنية والمدنية . وقد جاء هذا الهجوم مناسبا في حجمه وتوقيته لطبيعة العدوان الأميركي الذي اثر بالمنشآت النووية لكنه لم يؤثر في قدرات معرفتها العلمية وبرنامجها النووي الذي لم يسقط كما لم تسقط إيران . هجوم قاعدة العديد الأمريكية تجنّب بشكل واضح المساس بقطر شعبا ومؤسسات ، إذ استهدف قاعدة عسكرية أميركية مستأجرة من الدولة القطرية ، لكنها تخضع للسيادة الأميركية الكاملة ، وفق القوانين الأميركية ذاتها المعمول بها في مثل هذه المنشآت حول العالم ، وهو أمر لم يكن يستدعي إدانته كما حصل من جانب بعض اللذين اختلطت عليهم الامور ، بل كان يستوجب ضرورة إدانة الاعتداء الأميركي الوحشي المستمر على إيران وعدد من دول وشعوب المنطقة وسيادة ووحدة أراضيها التي يكفلها القانون الدولي ، او الأحتفاظ بالسمط افضل كما ساد طيلة الفترة الماضية .

ما يميز هذه الضربة أنها استهدفت القاعدة التي تُدار منها غرفة العمليات الأميركية ضد إيران ، لا مجرد موقع عسكري في ساحة ثالثة ، بل وقاعدة انطلقت منها هجمات عدوانية ضد سيادة أراضي دول عربية في وقت سابق . إنها رسالة موجهة مباشرة إلى واشنطن ، لا إلى حلفائها ، وفي ذلك تحول نوعي في قواعد الاشتباك وتوازن الردع في الخليج بل والمنطقة .

إنه موقف جريء لم تعتاد عليه الولايات المتحدة في المنطقة . لطالما كانت صاحبة اليد العليا ، تبادر بالضرب وتفرض معادلاتها وفق عقلية الهيمنة الأحادية ، بينما يكتفي خصومها بالرد عبر وسطاء . أما اليوم ، فقد اختارت إيران أن ترد مباشرة ، من دون أقنعة ، في سابقة تُعيد رسم المشهد الإقليمي وتضع معايير جديدة للردع ، كما وتحرج ترامب نفسه أمام الانتقادات الواسعة الأميركية لضربه المنشآت النووية الإيرانية دون الرجوع إلى الكونغرس الذي يرغب بمحاسبته خلال الايام القادمة ، ولتساهم إيران بالنتيجة بالاسراع في عملية التحول الجارية بالنظام الدولي ، التي تسعى واشنطن لاعاقتها .

تحذير إيران المُسبق لقطر ، وطلبها إغلاق المجال الجوي المدني ، يعكس حرصا واضحا على تجنّب الأضرار الجانبية ، ويعزز من صورتها كقوة "مسؤولة" رغم التصعيد . لكنه في الوقت ذاته يبعث برسالة لا تقل وضوحا ، بأن الرد سيكون في العمق، على من يخطط ويقصف ، لا على من يستضيف .

ويأتي هذا التحول النوعي في الرد الإيراني في لحظة يتصاعد فيها الغضب الشعبي داخل فلسطين وخارجها ، حيث لا تكاد تخلو مدينة أو مخيم أو شارع من تظاهرة ترفض العدوان الأميركي – الإسرائيلي على غزة وعلى إيران أيضا . وفي هذا السياق ، تبدو الضربات الإيرانية وكأنها امتداد لصوت الشارع الدولي والعربي والفلسطيني ، الذي كسر حاجز الصمت ، وبات يطالب برد واضح على الجريمة والهيمنة المتوحشة . وهكذا ، يلتقي الفعل العسكري مع الفعل الشعبي في معادلة واحدة تقول ، لن يمر العدوان بلا ثمن ولن يمر مشروع التغيير الجيوسياسي الأمريكي .

ما شهدناه خلال هذه الأيام كان كسرا متبادلا لخطوط الردع التقليدية . فإيران لم ترد عبر وكلاء ، بل مباشرة. وسقوط هيبة القواعد الأميركية كأماكن "محمية"، وخلخلة داخلية إسرائيلية حادة ، وإرباك داخل الإدارة الأميركية، وتبلور رأي عام عربي ودولي يرفض العدوان المستمر على فلسطين وإيران معا .

وفي هذا السياق ، جاء إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن التوصل إلى تفاهم غير رسمي بوقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل ، الذي تم في غرف مغلقة شاركت بالوصول اليه ربما روسيا والصين ودول أوروبية ، في محاولة لأحتواء التصعيد قبل انفجاره الكامل ، ولحفظ ماء الوجه أمام الفشل في ردع إيران أو حماية القواعد الأميركية .

ومع ذلك ، فإن هذا الاتفاق الذي يتم الحديث عنه إعلاميا وينتظر الاعلام عنه رسميا من كافة الاطراف ، لن يُكتب له الاستمرار ما لم يُرفق بتحول حقيقي في سلوك واشنطن وتل أبيب العدواني ، وقد يكون ربما ذلك لاحقا مرتبطا مع ملف غزة وجرائم الحرب الإسرائيلية ، وحقوق الشعب الفلسطيني . فالعقدة الجوهرية ما زالت قائمة ، وهي أن هناك احتلالاً وعدوانا مستمرا يُولد الاشتباك من جديد ، متى شاءت الظروف أو تم تجاوز الخطوط .

إذا ثبت وقف إطلاق النار ، فيمكن القول إن إيران قد حققت اًولاً ، نصراً سياسيا ومعنويا كبيرا بتأكيد قدرتها على ضرب إسرائيل وأميركا في العمق وخاصة لتكتب بصواريخها هذا الصباح خواتيم المعركة قبل نفاذ وقف اطلاق النار ، كحق لها بالدفاع عن نفسها وفق المادة ٥١ من ميثاق الأمم المتحدة  .
ثانياً ، تفوقا ميدانيا محدودا لكنه نوعي ، حيث ضرب قاعدة العديد هو سابقة ستُغير معادلات نشر القوات الأميركية .
ثالثاً ، شرعية إقليمية أكبر في نظر الشارع العربي والدولي ، بعد أن باتت تُقدّم كطرف "يردّ على العدوان" لا يفتعل الحروب .
رابعاً ، فرض قواعد اشتباك جديدة تجعل استهداف إيران أو حلفائها أكثر كلفة .
خامساً ، إحراج إسرائيل وواشنطن أمام الرأي العام العالمي ، إذ لم يتمكن الطرفان من فرض هيمنتهما التقليدية أو احتواء إيران .

باعتقادي ، في حال سريان هذا الإتفاق وبعد ما جرى ، فان ذلك سيكون قد غير معادلات الردع وموازين القوة في منطقتنا .
ان الولايات المتحدة وإسرائيل الآن أمام اختبار حقيقي ، فهل ترد وتعتدي مرة أخرى وتغامر بتوسيع المواجهة بعد هذا الصباح الممتلئ بالنيران ؟ أم تلتزم الصمت وتُقر فعليا بتغير قواعد اللعبة؟ أما دول الخليج ، فهي مطالبة اليوم بمراجعة خياراتها بواقعية ، بعدما باتت القواعد الأميركية على أراضيها مصدر تهديد ، لا مظلة أمان مقابل ما تدفعه من اموال ، كما هي السياسات الأمريكية المتغطرسة ووعودها السرابية في خدمة مصالح دولة الأحتلال بالمنطقة لا في خدمة قضايا السلام التي لن تتحقق دون تنفيذ الحقوق السياسية التاريخية لشعبنا الفلسطيني الغير قابلة للتصرف وبالمقدمة منها إنهاء الأحتلال الأستيطاني والحق في تقرير المصير والاستقلال الوطني .