حتى الذكاء.. بحاجة إلى قانون
د. صبري صيدم

كثيرة هي محطات الألم التي تجتاح حياتنا بصورة قد تفرض علينا تأجيل بعض الأولويات لصالح التفرغ لمتابعة تلك المحطات والالتفات إليها ومتابعة عواقبها ومعالجة نتائجها كل حسب قدرته ومقدرته، إلا أن الحياة لا تنتظر أحداً ولن تتوقف عند أي حدث بعينه. العالم يتغير ويتطور ويتحرك بكل الاتجاهات التي تستوجب المتابعة.
وأسرع الأمور حراكاً وتغيراً اليوم هو التطور الهائل للذكاء الاصطناعي والذي يدخل اليوم كامل قطاعات الحياة من السياسة وحتى السيادة، ومن الزراعة وحتى المناعة، ومن الفضاء وحتى الرخاء، ومن الدفاع وحتى الصراع، لا حدود ابداً للانتشار وسرعته.
ومع ذلك، وما إن تسأل أحدهم عن الذكاء الاصطناعي إلا وساق لك اسم تطبيق معين وكأنه العنوان، لا يا سادة... لا حدود أبداً لفضاءات الذكاء الاصطناعي ولا حواجز مطلقاً أمام تدخلاته وتطبيقاته.
ومع هذه التدخلات وكما الحال بالنسبة للتقنيات الناشئة، تكثر المواقف التي تمتد من الثناء والتقدير إلى الانتقاد والتشهير. لذلك، لا بد من ضبط إيقاع توظيفات الذكاء الاصطناعي ومهامه وتدخلاته عبر التفكير ملياً وفي مرحلة مبكرة، بإقرار قانون فلسطيني للذكاء الاصطناعي يوّصف الأبعاد القانونية لتلك التدخلات وسبل التعامل مع أي تبعات ناجمة عنها، إضافة إلى خلق البيئة العدلية المشجعة لانتشار الذكاء الاصطناعي وفق محددات ومسؤوليات وضوابط قانونية واضحة.
هذه المهمة قد لا تبدو مستعجلة أو مهمة أو صاحبة أولوية حقيقية اليوم، تماماً كما قال البعض ذات يوم عن الانترنت فوجد نفسه أسير قوانين بالية ونظام قضائي عاجز وضوابط عدلية قديمة اعتمدت على القياس والاجتهادات والمقاربات، وهو ما أخّر وأثّر على قدرة فلسطين على التطور والازدهار في عوالم الانترنت والتكنولوجيا برمتها، خاصة في مراحل حساسة كنا في أوج الحاجة إليها. هكذا حال إنما أودى بالحياة المهنية للكثيرين وأطاح بأحلامهم وعطل نهمهم الكبير لدخول هذا العالم.
حتى الذكاء بحاجة إلى قانون مهما اشتد الوجع والألم الذي نعيشه، خاصة وأننا مجمعون على أهمية الصمود والثبات، فما بالكم عندما يصبح الذكاء الاصطناعي أحد أهم مقومات ذلك الصمود... سيضحك البعض على ما أقوله اليوم لكنه سيبكي غداً إذا ما تقاعسنا أو ترددنا أو تأخرنا في إصدار القانون الوطني للذكاء الاصطناعي... للحديث بقية!
s.saidam@gmail.com