هل الذكاء الاصطناعي يتكاثر؟
عبد الرحمن الخطيب

عبد الرحمن الخطيب
يبدأ الواقع من أن سوق الذكاء الاصطناعي ينمو بمعدلات تُثير الدهشة فحسب في عام 2024 قُدّرت قيمة السوق العالمي نحو 638.23 مليار دولار ومن المتوقع أن يتجاوز 3,680.47 مليار دولار بحلول عام 2034 بنمو مركب سنوي ما يقارب 19.1٪
يحمل الذكاء الاصطناعي اليوم أكثر من مجرد أدوات تُستخدم فهي تُبتكر وتُحدث وتُنسخ وتتطور فمنذ بداية العقد تقريباً تضاعف عدد الشركات التي تُدخل الذكاء الاصطناعي في عمليّاتها إلى درجة أن حوالي 78٪ من الشركات في العالم تُفيد بأنها تستخدم الذكاء الاصطناعي بطريقة أو بأخرى.
يرى أهل السوق أن عدد النماذج الذكية العامة التي تُصار إلى استخدامها —مثل نماذج اللغة الكبيرة والنماذج التوليدية (Generative)— آخذ في الازدياد بشكل سريع فمثلاً تم تحديد أكثر من 30 نموذجاً حتى يونيو 2025 بأنها تجاوزت عتبة حسابية ضخمة في قدرة المعالجة والتدريب، وتُعلن النماذج الجديدة عبر الأوساط التقنية بمعدلٍ يفوق النمو الهندسي.
يضاعف هذا الكم من النماذج أثره عندما يُقارن ببيانات نقدية واقتصادية فمثلاً تقرير يُفيد أن السوق العالمي للذكاء الاصطناعي قد يصل إلى 1.81 تريليون دولار بحلول عام 2030 إذا سارت الأمور حسب التوقعات الحالية.
يفتح هذا الواقع السؤال الصحفي: هل التكاثر الذي نراه مجرد تضخم تجاري أم هل هناك منطق تشريعي وفلسفي لضبط هذا النمو؟ هل الذكاء الاصطناعي يتكاثر بصورة ذاتية، أو هو نتاج قرارات بشرية واضحة، أم أننا أمام موجة لا يستطيع أحد السيطرة عليها إلا بعد فوات الأوان؟
يُناقش المراقبون أن من خصائص هذا التكاثر أن النسخ الرقمية ليست كما الكائنات الحية فليس فيها إنجاب بمعناه البيولوجي بل هي استنساخ رقمي وتحديث وتطويع وتأقلم فالشركات تُصدر نسخاً محسّنة من النماذج كل بضعة أشهر، تُطلق تطبيقات جديدة، تُنفّذ تحسينات في البُنى التحتية للبيانات والمعالجات، وتُرشدها السوق لابتكار ميزات أكثر جذباً للمستخدمين.
يُذكر أن المستخدمين قد تخطّوا مستوى التبني النظري فمثلاً عدد مستخدمي أدوات الذكاء الاصطناعي الفرديين وصل إلى 378 مليون شخص في 2025، بزيادة ضخمة مقارنة بعدد المستخدمين قبل سنوات قليلة.
يفسّر الخبراء أن هذا الانتشار السريع –بل التكاثر الرقمي– مدفوع بالاستثمار الضخم أيضاً، فالاستثمارات في البنى التحتية للحوسبة والتخزين والتعلّم الآلي ترتفع، كما أن القدرة على تدريب نماذج بهذا الحجم الضخم تصبح أرخص نسبياً فيما مضى، ما يمكّن لاعبين كثيرين من المشاركة
يضغط هذا النمو على التشريعات والسياسات، إذ تظهر ضرورة تنظيم النماذج الكبيرة التي تستخدم موارد حسابية ضخمة حفاظاً على الأمن والخصوصية والمخاطر المحتملة، فمثلاً المعيار الأوروبي للذكاء الاصطناعي يشترط رقابة إضافية للنماذج التي تجاوزت عتبة حسابية كبيرة في التدريبات.
يطرح هذا الوضع كذلك تساؤلات تتعلق بالعدالة الرقمية فالدول التي تملك بنى تحتية قوية واستثمارات ضخمة تؤمّن لها تفوّقاً كبيراً أمام الدول الأقل حظّاً فما الذي يعنيه هذا للتوازن العالمي؟
يُختم الجدل بسؤال أخير: هل الذكاء الاصطناعي حقيقةً يتكاثر بنفسه من دون توجيه بشري؟ أم أن الإنسان هو الذي يزرع هذا التكاثر ويموّله ويفوّضه؟ وإذا كان الأخير صحيحاً فإن المسؤولية تقع عليه في تنظيم هذا النمو وتأطيره أخلاقياً وقانونياً.