التكنولوجيا الرقمية بين التمكين والانتهاك: أين تقف حقوق الإنسان؟ بقلم / صدقي ابوضهير – باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
صدقي ابوضهير

التكنولوجيا الرقمية اليومية: الوجه المشرق
التكنولوجيا الرقمية تمنح الأفراد فرصًا هائلة في:
• التعليم: أكثر من 65% من الجامعات عالميًا تعتمد على أنظمة التعليم الرقمي (اليونسكو، 2023).
• العمل: منصات مثل Zoom وSlack وMeta Business أصبحت ركيزة للعمل عن بُعد، حيث ارتفعت نسبة العاملين عن بعد إلى 28% عالميًا بعد جائحة كورونا (McKinsey، 2022).
• التجارة: التجارة الإلكترونية في المنطقة العربية حققت نموًا بنسبة 24% عام 2024، بفضل اعتماد المستهلكين على المنصات الرقمية في عمليات الشراء والدفع (Statista، 2024).
الوجه المظلم: الانتهاكات الحقوقية
رغم الفوائد، إلا أن التكنولوجيا الرقمية تحولت أيضًا إلى أداة انتهاك للحقوق:
• انتهاك الحق في الخصوصية
جمع البيانات الضخمة (Big Data) دون موافقة صريحة من المستخدمين.
تقارير منظمة العفو الدولية (2023) أكدت أن 70% من التطبيقات الأكثر استخدامًا تنتهك خصوصية الأفراد عبر التتبع غير المصرح به.
• الرقابة والسيطرة على حرية التعبير
الحكومات والشركات الكبرى تفرض رقابة على المحتوى الرقمي بحجة "مكافحة الأخبار الكاذبة"، مما يقيد حرية التعبير.
تقرير "فريدوم هاوس" لعام 2024 أوضح أن 21 دولة فرضت قيودًا شديدة على الإنترنت لأسباب سياسية.
• التمييز الرقمي
الخوارزميات التي تُستخدم في التوظيف أو التمويل قد تحمل تحيزات خفية ضد النساء أو الأقليات، مما ينتهك مبدأ المساواة.
دراسة لجامعة ستانفورد (2023) أثبتت أن أنظمة الذكاء الاصطناعي في التوظيف أظهرت تحيزًا ضد المتقدمات النساء بنسبة 15%.
• الاستخدام العسكري للتكنولوجيا
تقنيات المراقبة والذكاء الاصطناعي باتت تُستخدم في النزاعات المسلحة، مثل الطائرات المسيّرة التي تستهدف المدنيين، ما يشكل خرقًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني.
البُعد القانوني الدولي
وفقًا للقانون الدولي:
• المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: "لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو مراسلاته".
• المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية: تضمن الحق في حرية التعبير والوصول إلى المعلومات.
• اتفاقيات جنيف (1949): تحظر استخدام التكنولوجيا لاستهداف المدنيين أو البنية التحتية المدنية.
هذه النصوص تؤكد أن الانتهاكات الرقمية ليست مجرد خروقات تقنية، بل هي جرائم حقوقية تستدعي المساءلة.
التفكير المنظومي والتحليلي
إذا نظرنا للتكنولوجيا الرقمية من منظور منظومي، فهي شبكة معقدة تتقاطع فيها المصالح الاقتصادية مع الأبعاد السياسية والأمنية. أما من منظور تحليلي، فهي أداة مزدوجة: إما وسيلة لتمكين الأفراد أو وسيلة لقمعهم.
• التفكير العكسي: إذا لم تُنظّم هذه التكنولوجيا بقوانين عادلة، فإنها ستتحول من وسيلة تنمية إلى وسيلة قمع.
• التفكير النقدي: يكشف لنا أن الخطاب حول "حرية الإنترنت" غالبًا ما يُستخدم لتغطية ممارسات احتكارية للشركات الكبرى.
التكنولوجيا الرقمية اليومية ليست بريئة من التبعات الحقوقية والقانونية. فهي تحمل إمكانات هائلة للتمكين والتطوير، لكنها في الوقت نفسه تُستخدم كأداة للانتهاك والهيمنة. الحل يكمن في تطوير تشريعات دولية عادلة، وتعزيز الشفافية والمساءلة، وتثقيف المجتمعات رقمياً. فحماية حقوق الإنسان في العصر الرقمي ليست خيارًا، بل ضرورة وجودية لضمان أن تبقى التكنولوجيا في خدمة الإنسان، لا العكس.