إرتجاج عروش الأرض أمام رسالة السماء
من الصعب التفكّر بما يحصل حالياً في قطاع غزة من قتل ودمار وتشريد وتجويع وتعطيش وحرمان وإغتيال لصوت الكلمة الناقلة لمجريات الأمور على حقيقتها بالصوت والصورة. فالقلب يقطر دماً ويعتصر ألماً للمشاهد المروعة التي يخلِّفها القصف الوحشي للمدنيين العزّل واستهداف الحياة والطفولة والبراءة وكل مقومات الحياة الكريمة. وآخرها كان يوم أمس بإستهداف المراسل الصحفي الشاب حمزة وائل الدحدوح وزميله مصطفى ثريا كمراسلين صحفيين، مما رفع عدد الصحفيين الذي تم استهدافهم منذ بدء العدوان على غزة إلى المائة والتسعة صحفي ومراسل محطات فضائية. فما الذي يحصل ولماذا كل هذا الخراب والدمار ولمصلحة من؟
ليست هكذا ما تمليه علينا رسالة السماء، ولكن يبدو أن هذه الرسالة لم تعد مقبولة في عالم يمجد القوة والغطرسة والإستعلاء وحصد الأخضر واليابس حتى ولو تم إبادة شعب بأكمله واستهداف المدنيين الآمنين العزّل، لذلك ترتّجُ العروش أمام صوت الحق وصوت العدالة وصوت الحفاظ على قدسية الحياة البشرية والحوار المفضي إلى حلول سياسية مُرضية للجميع على أسُس تحقيق العدالة والشرعية الدولية والقرارت الأممية.
فالديانات السماوية بجوهرها لا تدعو إلا لبناء جسور المحبة والتفاهم والمحبة والحوار وليس إلى القتل والدمار والإقتتال والتخلّي عن القيم والمعايير الإنسانية والسماوية والدولية. فما نشهده في غزة اليوم هو مزيد من استخدام القوة المفرطة الفتاكة والأسلحة المدمّرة المتفجرة والفوسفور الأبيض الحارق والأسحلة الذكية والمسيّرات التي تستهدف كل وسائل وخيارات حل النزاعات بالطرق السلمية وبالحوار المفضي إلى تفاهمات منطقية وعادلة على أسس الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة.
يذكرني حالنا اليوم بحال عرش هيرودس الملك الذي اهتز لدى سماعه عن مجيء المجوس الثلاثة الحكماء ليبحثوا عن طفل الميلاد الذي شعَّ نجمُهُ في كبد السماء وقادهم حيث كان الصبي وأمه مريم في بيت لحم، فبحثُهم عمن آمنوا أنَّ له صفة ملوكية وتقديمهم له الذهب رمزاً لذلك قد هزَّ كيان هيرودس الملك وصحبه، الذي لم يوفر وسيلةً في القضاء عليه منذ طفولته حتى ولو كان ثم ذلك قتل كل أطفل بيت لحم في مجرزة مروعة سجلها التاريخ.
وما زالت عروش الأرض اليوم ترتج اليوم عندما تتعارض مصالحها ومخططاتها وسياساتها مع رسالة السماء، فرسالة السماء هي رسالة السلام، رسالة العدالة، رسالة المساواة، رسالة المحبة، رسالة الرحمة، رسالة التعاون والتكامل والتعاضد، ويبدو أن هذه الرسالة تشكل تهديداً مباشراً لأباطرة الزمان وعروشهم، فيتم استهدافها واستهداف كل من يحمِلَها ويتمسَّك بها ويعيش لأجلها. فكثيرون هم من يدفعون حياتهم ثمناً لأجل هذه الرسالة وينضمون إلى قافلة الشهداء.