حين يتعاون العرب والمسلمون مع المغول!

يونيو 23, 2025 - 11:13
حين يتعاون العرب والمسلمون مع المغول!

حين يتعاون العرب والمسلمون مع المغول!
بكر أبوبكر
غزا المغول أو التتار العالم الإسلامي والعالم الغربي معًا في القرن الثالث عشر فكان تقدمهم جنوبًا من الصين وصولًا الى منطقتنا العربية، وشمالا عبر سيبيريا وروسيا وأوكرانيا باتجاه شرق أوربا. وكان خطرهم عظيم فصانعهم وداهنهم وتواطأ معهم عدد من حكام المسلمين والعرب عوضًا عن تمكنهم من القضاء على دولة الحشاشين المخيفة بالطريق. وكنا قد كتبنا عن هذه المرحلة فيما سبق ومنه تحت عنوان "متى يبلغ الانحدار السياسي مداه؟"عام 2023م، متمثلين بنموذج السلطان بدر الدين لؤلؤ والواقع الحالي المريع. ولكن اليوم وفي ظل ركوع الأمة تحت جبروت الهيلمان الإسرا-أمريكي فإن المقاربة تشتد حيث سيطر العقل الفاشي لهولاكو عمليًا وميدانيًا على دول الشام، ومد سلطانه بأشكال مختلفة على أجزاء الأمة الأخرى شرقًا وغربًا بالترغيب والترهيب والسطوة العسكرية والاقتصادية والإعلامية والتقانية وفي الرواية! ما لم يجد معها المستعمر الغربي القديم الا أن يقدم كل الدعم والقبول أو التبرير والذهول!
قدمنا سؤالًا للذكاء الاصطناعي عمّن (تعاون) من زعماء الأمة المسلمين والعرب مع الغزو المغولي فأشار لأبرز من تعاون منهم، إما بدافع الخوف أو الطموح السياسي أو محاولة تجنب الدمار، فذكر-مع تعديلاتنا وتدخلاتنا بالنص بين قوسين-التالي:  
1- بدر الدين لؤلؤ حاكم الموصل (وكان المتواطيء الأول وابنه الصالح بالطبع!).
2- الناصر يوسف حاكم دمشق وحلب: (وسنذكر عنه بشيء من الاسهاب فيما يلي) 
3- الملك المغيث حاكم الكرك: كان أيضًا على تواصل مع المغول، وشارك في سياسة المهادنة والتقارب معهم. (أنظر الألقاب إذ كان الملك المغيث الناصر فتح الدين عمر!، والناصر يوسف، وذاك بدر الدين أبوالفضائل من ألقابهم!؟ فيا ويل الأمة، إذ انهم انتصروا مع أعدائها عليها)   
4- الوزير ابن العلقمي (وزير الخليفة العباسي المستعصم): (وهو من كان يردّد اسمه الراحل ياسر عرفات دومًا محذرًا من السقوط العربي والاسلامي تحت سنابك خيل العدوان الأجنبي)
5-بعض المسلمين والجماعات المحلية وأمراء الفرنجة، ومثل ملك أرمينيا هيتوم الثاني الذي شارك بقواته مع المغول في غزو الشام. (ناهيك عن تعاون ملوك السلاجقة الأتراك المسلمين أيضًا)
ومن الجدير الإشارة اليه أنه لم يكن التعاون مع المغول سياسة عامة لكل الحكام أو الشعوب الإسلامية، بل كان هناك أيضًا مقاومة شرسة من بعض القوى، أبرزها المماليك في مصر والشام. وللاستزادة بعيدًا عن تدخلات الذكاء الاصطناعي فإن (الملك الرحيم أبوالفضائل بدر الدين لؤلؤ، الملقب بقضيب الذهب!؟) شهد وساهم بنهاية الخلافة العباسية، إذ كما يقول المؤرخ ابن العبري "قدَّم الأسلحة والذخائر خلال هجوم المغول على بغداد طمعًا في المحافظة على حكمه، فبعث بفرقة يقودها ابنه الصالح (هو الطالح) إسماعيل للمشاركة في حصار بغداد....!؟" الخ. وهو ليس له من اسمه الجميل شيء، فهو الملك الشرس أو كما وُصِف بالتاريخ بأنه "ظلوم غشوم"! وهو أبو الرذائل ظلام الدين، ولا قضيب ذهب ولا قضيب خشب حيث كان ممن قال به الذكر الحكيم (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ-المنافقون 4)، وعلى فكرة لُقّب "قضيب الذهب" عوضًا عن الألقاب الأخرى الزائفة لأنه حسب بعض المصادر كان كريمًا على الشعراء وأهل الغناء والطرب!
أما الثاني بالقائمة أي الناصر يوسف صاحب حلب ودمشق، وللعلم فهو حفيد صلاح الدين الأيوبي! وهذا السلطان الأيوبي المتخاذل كما يقول عنه الذهبي بكتابه سير أعلام النبلاء "كان يحفظ كثيرًا من النوادر والأشعار، ويباسط جلساءه..!" مضيفًا "وكان جوادا ممدحا ، حسن الأخلاق ، مزاحا ، لعّابا ، كثير الحلم ، محبا للأدب والعلم ، وفي دولته انحلال وانخناث ..."؟! وللاستطراد نقول ما قيمة كل ذلك، وهو يتواطأ (كلمة مخففة) ضد شعبه وبلده حفاظًا على ملكه، ودفء قفاه على الكرسي!
وفي كتاب د.راغب السرجاني "التتار من البداية الى عين جالوت" يقول عن عهد المسلمين والمغول: "إذا كنا نفهم الخزي والعار الذي كان عليه أمير الموصل-أي لؤلؤ قضيب الذهب ما غيره- وأمراء السلاجقة (الذين تعاونوا مع التتار)، فإننا لا نستطيع أن نتخيل الخزي والعار الذي وصل إليه الناصر يوسف الأيوبي حاكم حلب ودمشق، فقد كانت تربطه بـ الكامل محمد (من نفس العائلة الأيوبية) علاقات في منتهى الأهمية فوق علاقات الدين والعقيدة، والجوار!" إذ أن الناصر يوسف "لم يكتف بمنع المساعدة عن الكامل محمد ولا في المشاركة في حصار مدينة ميافارقين-التي يحكمها محمد (قرب ديار بكر في تركيا حاليًا)، بل أرسل رسالة إلى هولاكو مع إبنه العزيز -الذي حاصر بغداد مع جيش التتار ليساعد في إسقاطها!- يطلب منه أمراً عجيباً في هذا التوقيت الغريب، فقد طلب من هولاكو أن يعينه بفرقة تترية للهجوم على مصر والاستيلاء عليها من المماليك؛ ليضمها إلى مملكته."!؟ "وقد استكبر هولاكو أن يرسل ابنه ولا يأتي بنفسه"! فأسرّها في نفسه بالطبع الى أن أرداهُ بسهم لاحقًا فمات. عمومًا من رذائل الناصر يوسف هذا أيضًا أنه "راسل لويس التاسع ملك فرنسا ليساعده في حرب مصر!؟ وهو الذي أيد دخول التتار إلى بغداد، وهنأ هولاكو على نصره العظيم!؟" هذا حفيد صلاح الدين العظيم، ومن مثله وسبقه للتواطؤ كان حاكم حمص الأشرف الأيوبي الذي كان عونًا للمغول وسيفًا على المسلمين والمسيحيين بالمنطقة أجمعين!
وكان الأمير المملوكي زين الدين الحافظي الطيب ممن انضم للمغول، ومعه عديد. وأيضًا كان "الملك السعيد"! ابن الملك العزيز ابن الملك العادل أخي صلاح الدين الأيوبي الذي سلم لهولاكو قلعة النمرود أوالصبيبة (في سوريا)، وانضم إليه في زحفه! عمومًا يذكر التاريخ أن هذا "الناصر يوسف" عندما لاحت أعلام الغول حول دمشق سقط قلبه بين قدميه، و"قرر وكافة  الأمراء والجيش معًا الفرار وترك مدينة دمشق وشعبها الكبير دون حماية ولا دفاع"، فسقطت دمشق بعد أن سقطت بغداد! وتقاسم المغول والفرنجة فلسطين، لكن مصر كانت لهم بالمرصاد فكان ما كان من أمر النصر اللاحق في عين جالوت في فلسطين ضد المغول.
ولمن يرغب بالاستزادة عن الحكام الآخرين وغيرهم الرجوع لأمهات الكتب، وإن كان لاحاجة اليوم لذلك لما أظنك تراهُ من هوان الأمة وتشتتها وتشظيها، واستهلاكيتها وتصاغر شأن القيم والرسالة لديها، وتقوقعها في (دائرة اللهم أسألك نفسي) وتقبلها الخَطِر للمحتل والمستعمِر والمعتدي الآثم، بل والثقة والركون والاستنجاد به! في ظل العلوّ والغلواء والسطوة الإسرا-أمريكية المضرّجة بالدماء والعنصرية والكذب وخيانة العهود والإذلال ما يحتاج من كُبراء الأمة وأفذاذها لتصحيح المسار السياسي والثقافي العام بالوعي بالقدرات والامكانيات، ولفكرالحكمة والنهوض بكافة أشكاله، كما يحتاج لفكر التواصل والتقارب والوحدة، ومنطق (أكلت يوم أكل الثورالأبيض) و(الجسد الواحد) وإدراك أن ليس لحماية ونهضة وعزّة وكرامة لهذه الأمة إلا بيد أبنائها الأبطال فقط لا سواهم.