قرأت لكم… "كأنها نائمة" رواية للراحل إلياس خوري

يونيو 22, 2025 - 09:31
قرأت لكم… "كأنها نائمة" رواية للراحل إلياس خوري

بهاء رحال

يأخذنا إلياس خوري في روايته "كأنها نائمة" إلى عوالم متشابكة من الذاكرة، الولادة، الزواج،الوطن، البلاد، وفي متاع شاق بين الحقيقة والخيال،الواقع والحلم، الموروثات والعاداتوالخرافات، والبحث عن الهوية في سياق رحلة أبطاله بين بيروت والناصرة ويافا، ويعود بنا إلى زمن ما قبل النكبة الكبرى في العام 1948، حين كانت البلاد تعيش بلا حواجز ولا معابر ولا حدود. ففي هذه الرواية سرد شيق للأحداث، ووصف دقيق للأماكن، وتراها بعين الحقيقة الأقرب إلى الخيال، كما تراها بعين الخيال الأقرب إلى الحقيقة، فهي تجربة أدبية عميقة وغنية في المعنى والتأصيل للواقع، وممزوجة بأسلوب خوري الرائعالذي يجمع بين الواقعية والسردية العميقة.

ما يميز "كأنها نائمة" هو الأسلوب السردي الذي يتبعه خوري بما فيه من شاعرية عميقة، وتكثيف للمعنى، وهنا يظهر بطلًا آخر في الرواية وهو اللغة، إذ أن لغته السردية الشاعرية بطلًا بحد ذاته، إلى جانب أبطاله الآخرين في الرواية،الرئيسيين والثانويين. 

الرواية ليست خطية، بل تتنقل بين الأزمنة والأمكنة، وتتداخل فيها الأصوات والروايات المتعددة، وتنتقل بين أزمنة متقاربة ومتباعدة، وفيها جمع أسفار البدايات، ولهاث الواقع في دقات الانتظار، الأمر الذي أضفى جمالًا وسحرًا في السرد الذي يجعل القارئ يواصل القراءة بشغف، ويدفعه لتفكيك الأحجيات وتقلبات الزمن،والانتقال بين أكثر من مكان وأكثر من شخصية، فالحوارات شيقة وشقية، مدفوعة بالحماس والرغبة في اكتشاف الأحداث.

الرواية تُلقي الضوء على قضايا محورية مثل الذاكرة الجمعية والفردية، وكيف تُبنى وتُهدم وتُعاد صياغتها. الشخصيات في الرواية ليست مجرد أدوات للكلام، بل هم حاملو ذاكرة، كلٌّ منهم يحمل جزءًا من الحكاية وكلٌ منهم يحمل قسمًا منها، ومن خلالهم يُسلط خوري الضوء على جانب من ظروف الحياة والمعيشة في ذلك الزمن،ويطوف بنا في محطات حنين الذكريات، وألم الترحال، والمخاض العسير، وبساطة العيش، ونوازع الذات، وبين هواجس الحاضر واستشراف المستقبل في واقع المتغيرات التي تعصف به ريح الحروب، حين كانت البلاد على أعتاب النكبة في العام 1948. 

"كأنها نائمة" رواية أدبية تستحق القراءة بتمعن، فهي ليست من النوع السهل، ولغتها مركبة لكنها سلسة وقادرة على جذب القارئ، كما وأنها طيعة وجميلة، وهذا ما يميز أسلوب إلياس خوري في مجمل أعماله، لهذا فهي رواية لا تقرأ مرة واحدة، بل تحتاج إلى إعادة قراءة لاكتشاف طبقاتها المتعددة ومعانيها العميقة.

"كأنها نائمة" عملٌ أدبي مميز كسائر أعمال إلياس خوري، إذ يتطلب من القارئ انغماسًا عميقًا وتفاعلًا مع نسيجها المعقد، كما تُظهر هذه الرواية براعة إلياس خوري في نسج نص أدبي يلامس الوجدان، ويُعيد وصف الأشياء في قالبٍ فني رفيع، مرتبط ببعضه من دون انقطاع، ومستعد لنهاية غير متوقعة.