المساعدات مصائد للموت

يونيو 4, 2025 - 08:50
المساعدات مصائد للموت

بهاء رحال

كلُّ الوساطاتِ الدوليةِ والعربيةِ والإقليميةِ لم تُفلح في وقفِ الحرب، ولا حتى في كسرِ الحصارِ وإدخالِ الطعامِ والشرابِ والدواءِ، وكلُّ الجهودِ التي تُبذلُ لم تستطع حتى اليوم وقف شلالِ الدمِ الجاري واتساعِ رقعة القتلِ والخراب، فالاحتلال يوسع عملياته الدموية ويهدد بالمزيد، وما نراهُ من بشاعةٍ في القتلِ فاقَ كلَّ الحدود، وما شهدناهُ من جرائمَ تعدّى وصف الإبادة، فما من كلمةٍ تصفُ وحشية الجرائم التي تُرتكب ببشاعةٍ تفوقُ الوصف، كأن يُساقَ الناسُ إلى مناطقَ آمنة ثم يُقصفوا، وأن يتجمعوا أمام مراكز توزيع الطعام فيُقصفوا، وأن يَلجأوا إلى المستشفياتِ من أجل الحصول على العلاج، فيُقصفوا.

لقد طال القصفُ كلَّ شيء، فلم تعرف آلةُ الإجرام والقتل حدودًا، وقد كسرتْ كلَّ المحرَّمات، وتجاوزت الأعراف الإنسانية، وضربت عرض الحائط بكلِّ القوانين والشرائع، وهي تواصل حربًا بلا نهاية، وبلا تردد تقتل وتوسع دائرة الخراب لتشمل كل شيء في غزة.

يذهبُ الجوعى للحصولِ على رغيفِ خبز، فيأتي القصفُ مع سبقِ الإصرارِ لقتلهم، فيموتونَ جوعى وعطشى، ولا يتحرك العالم بمؤسساته الدولية والقانونية لوقف هذه الجرائم التي يشاهدونها بالصوت والصورة، وفي مشاهد عديدة شكلت وصمة عار على جبين العالم، خاصة كلما رأينا طفلًا يموت جوعًا، وكلما جاءت الطائرات وقصفت طوابير الجوعى عند مراكز التوزيع التي أقيمت منذ أيام، وادعى الاحتلال أنها مناطق آمنة، ثم عاد وقصفها في لحظة كان الناس ينتظرون فيها رغيف الخبز.

مشاهد الناس في غزة وواقع الجوع والحصار الذي يشتد عليهم، وآلة القتل والموت التي تحصد أرواح البشر بلا هوادة، والعالم لا يزال صامتًا بلا حياء. فكيف يُمكن للعالم أن ينام وهناك أطفال يدفنون تحت الأنقاض؟ أطفال جوعى وعطشى. كيف تُرفع شعارات العدالة الدولية وقد سقطت سقوطًا مدويًا خلال هذه الإبادة؟ 

إن ما يدَّعيه الاحتلال من خطط لتوزيع المساعدات على حد ما زعمه، هو استمرار لحرب الإبادة والتطهير العرقي في غزة، حيث أنه يتعمد جمع الناس في مناطق يقول أنها آمنة، وقبل أن يستلموا الغذاء والدواء تأتي الطائرات وتقصفهم. شكل لا أخلاقي غير مسبوق، ووحشية تتصيد الأبرياء لقتلهم بكل الطرق والوسائل، وفي حسابات حكومة التطرف هدف واحد، هو استمرار الحرب وقتل الناس وارتكاب المزيد من المجازر والمذابح.

"الجوع كافر" يا أيها العالم الذي يقف على الحياد صامتًا. أيها العالم الذي يدعّي الحضارة والتطور والديمقراطية، كيف تنامون وأطفال غزة جوعى وعطشى، تحت القصف والحصار، بلا مأوى، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء.