غزة أسقطت مخطط التهجير يا سيد ترامب

فبراير 1, 2025 - 10:33
غزة أسقطت مخطط التهجير يا سيد ترامب

بهاء رحال

مشاهد الزحف المبين، وقوافل العائدين من جنوب غزة إلى شمالها، سيرًا على الأقدام، ولسان حالهم يقول: "لن نهاجر ولن نغادر غزة"، وفي أصواتهم خيمة عن خيمة بتفرق، بين خيمة في الجنوب، أو خيمة فوق ركام بيوتهم التي دمرتها حرب الإبادة والتطهير العرقي في الشمال، اختار الناس العودة إلى ركام بيوتهم، وسط الدمار الشامل الذي حلّ بالقطاع، وقرَّروا العودة ولو على حطام ما خلفته الحرب القاسية، وفي عودتهم مشاهد بمعاني تشهد على ارتباط الفلسطيني بأرضه وحقه وعظمة تضحيته.

القوافل العائدة كالطوفان البشري، من أقصى الجنوب إلى الشمال، تحمل على ظهرها وأكتافها حاجاتها وأطفالها، وتمشي فوق الحصى في الطرقات الوعرة التي خربتها الحرب، تحمل الكثير من الرسائل، أهمها لحكومة الاحتلال التي سعت طيلة أشهر الحرب إلى اقتلاع الناس من أرضهم وطردهم وتهجيرهم إلى خارج غزة، ومن لف لفيفها في أفكار التطهير العرقي، آخرها دعوة الرئيس ترامب الذي طالب مصر والأردن باستيعاب أهل غزة، لفترة زمنية حتى يعاد بناء ما دمرته آلة الحرب والقتل والإبادة.

وهذه المكيدة الجديدة لا يمكن أن تنطلي على أهل غزة الذين أصروا على العودة ولو على ركام البيوت وبين الخراب الذي حلّ بالقطاع، فتلك المزاعم هدفها التطهير العرقي، وما عجزت عنه آلة الإبادة يراد تنفيذه ببعض الدعوات المزعومة، وهذا لن يحدث، لأن الفلسطيني في أرضه ليس سائحًا ولا مهاجرًا إليها، ولم يكن وجوده طارئًا يومًا، ولا يلهث خلف التصريحات الأمريكية، ولا يسعى لمغريات العيش، بل هو صاحب الأرض الذي يسعى إلى الحرية والاستقلال والخلاص من الاحتلال.

مشاهد العائدين إلى الشمال تعبر عن حالة الوعي الكامل التي عليها الناس، والارتباط الحقيقي بالأرض والمكان، فقد تعلم الفلسطيني من أيام النكبة والنكسة، ولن يكرر فصول المأساة والمعاناة، ولن يهاجر إلى الشتات ثانية، مهما فعل الاحتلال ومهما حاول وسعى، ولن يصدّق الفلسطيني أيًّا من الوعود التي تطرح أفكار التهجير المؤقت، ليتم بناء ما دمره الاحتلال بحسب مزاعم ترامب. وقد كسب الفلسطيني الرهان وسقطت مؤامرات التهجير، ولم تستطع آلاف الأطنان من البارود أن تجعل الفلسطيني يهاجر إلى خارج غزة، بل إنه مع اللحظات الأولى لوقف إطلاق النار حمل نفسه بنفسه، عائدًا إلى بقايا بيوت لم تسلم من القصف، وإلى ركام بيوت سويت بالأرض، ووضع خيمته فوقها في شارة منه إلى أن الرهان على هجرته حلم لن يتحقق ولو في الخيال، وأن خطط التطهير العرقي سقطت أمام بقائه وصموده، وأن غزة لأهلها وناسها الذين لن يتركوها مهما قست حياتهم، ومهما بلغت المؤامرات عليهم. فيا سيد ترامب، إن كنت تفكر بأهل غزة، عليك إنهاء الاحتلال إلى الأبد، ورفع الظلم التاريخي الذي سقط على شعبنا الفلسطيني، والاعتراف بدولة فلسطين حرة مستقلة، وما دون ذلك، فإن المستقبل لهذه الأجيال التي نجت من الإبادة الجماعية، سواء شئت أو لم تشأ، فالناجون هم صناع الغد وصناع المصير.