أسد علينا وفي الحروب نعامة
بهاء رحال
متلازمة الأنظمة الديكتاورية نعامات في الحروب مع الأعداء، قاسية وظالمة وقاهرة لشعوبها، ولعل في هروب الأسد عبرة لمن يعتبر، ودرسًا لكل من يفكر بتلك الطريقة البلهاء والحمقاء، ونحن نرى مشاهد يندى لها جبين الإنسانية وجبين الرجولة والبطولة، فهذا الأسد علينا هرب فجأة، وهو يحتفظ بحق الرد، فكان مثالًا للجبن والخسة، والشرط في سقوط الأنظمة الديكتاتورية هذه الصورة وهذه المشاهد التي رأيناها، وهذا الانحطاط الذي ظهر عليه الحكم الديكتاتوري الذي قهر شعبة وطغى، وكان متجبرًا طيلة خمسة عقود من الزمن، مستخدمًا استزلام المرتزقة وبعض الذين مورس عليهم الكذب والخداع، وبعض رخيصي الثمن ممن باعوا ضمائرهم وارتضوا أن يكونوا أعوانًا للديكتاتور الوارث عن أبيه أبشع الصفات، وما من كلام يصف غضبنا على ما رأينا من صور ومشاهد لأسرى الرأي السياسي، والمعارضين الذين خرجوا من السجون بعد عقود من الزمن.
تقفز حكايات المظلومين من وراء قضبان سجن صيدنايا بعد أن أطلت عليهم شمس الحرية، وبعد أن خرجوا من مقبرة الأحياء، يحملون معهم ذكرياتهم المؤلمة وعذابات أيامهم، وسنواتهم التي قضوها داخل زنازين المعتقل يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب النفسي والجسدي.
من أكثر الشعوب التي عانت من ذلك النظام البشع، الشعب الفلسطيني الذي حاول الديكتاتور عبر عقوده الخمسة، شراء الذمم والنفوس وبث الأفكار الكاذبة تحت التدليس، من بعض المارقين الذين باعوا ضمائرهم وعدالة قضيتهم، لقاء أن يكونوا قادة أحزاب وفصائل مقسمة ومجزأة، كان شغلها الشاغل هدم القرار المستقبل، وتمزيق وحدة الصف الفلسطيني، وتفريق منظمة التحرير الفلسطينية، ووضع العصي في الدواليب، والضغط على قيادتها بشتى الطرق والسبل، لإضعافها في كل مرحلة من مراحل النضال الوطني، ومن خلال قراءة سريعة للتاريخ يستطيع القارئ العلم بكل ما كان النظام الأسدي زرعه وبثه في البيت المعنوي للشعب الفلسطيني وهو منظمة التحرير الفلسطينية، فطاوعهم البعض الآثم وللأسف استطاعوا خداع البعض الذي عانينا منه لسنوات طويلة.
كلما قلنا لهم إلى متى يحتفظ نظام الديكتاتور بحق الرد، يقولون لنا انتظروا فإن الرد قادم، وتعددت الضربات الإسرائيلية لمعاقلهم المركزية، واستعرت في السنوات الأخيرة، وبقوا يحتفظون بحق الرد، وكان الرد في النهاية هذا الهروب السخيف، الضعيف والجبان، وتلك الصور التي رأيناها من سجونه التي امتلأت بالأسرى الفلسطينيين والأردنيين واللبنانيين والعراقيين، ولم يكن فيها سجين إسرائيلي واحد، وهذا يفضح حقيقة النظام البائس، الذي تغطى لسنوات تحت عباءة الممانعة الكاذبة وخدعة المقاومة والاحتفاظ بحقه في الرد.
سوريا اليوم أمام لحظة مصيرية، ولحظة تاريخية لها ما لها وعليها ما عليها، وهذا يتطلب أن لا تنجر وراء عقلية الثأر، ووراء التيارات المتعصبة والأفكار المتطرفة، فواجبها اليوم أن تعيد بناء نفسها على قاعد لم الشمل، والتخلص من عباءة القسمة والانقسامات، ومن الطائفية والحزب الواحد، وأن تكون منفتحة على التعددية السياسية واحترام سيادة القانون، وأن لا تنجر إلى تيه الاقتتال والخلافات الداخلية وتصفية الحسابات، بل أن تصنع غدها الناهض، ومستقبلها المتين، لمواجهة كل الأخطار وكل ما يعصف بها، لضمان عودة الحياة إلى طبيعتها في شام العز والبطولة، وأن تعود لتحتضن كل أبنائها من كل ألوان الطيف السياسي والاجتماعي، ليعود الأمل في وجوه الأجيال الصاعدة، وتكون سوريا لكل السوريين