عدوان آثم على لبنان
يمكننا القول أن كل ما تفعله إسرائيل هو من أجل إعادة الاعتبار لصورتها التي مزقت في السابع من أكتوبر الماضي، وهي عبر دموية القتل والإبادة تسعى لإعادة هيبة كيانها في المنطقة، واستعادة هيمنتها في إطار مساعيها لإحكام السيطرة على كل الجهات والجبهات، وما كان هذا ليحدث لولا مساعدة ومساندة أمريكا لها ودعمها اللا محدود ماليًا وعسكريًا وسياسيًا، والمتابع لفصول الحرب يعلم حقيقة الدور الأمريكي، والذي لولاه لما استطاع الكيان خوض حربه سواء في غزة أو في لبنان ومع جبهات أخرى، لكن أمريكا لن تسمح لأحد بأن ينتصر على هذا الكيان المدلل لها، ولن تسمح بأن يدخل حربًا ويخرج منها مهزومًا، ولن تسمح بأن يكون طفلها المدلل أضحوكة المنطقة، خاصة وأنه مشروعها ومشروع الدول الاستعمارية والتي زرعته في المنطقة.
السابع من أكتوبر يؤرق قادة الكيان حتى بعد أن مضى عليه عام كامل، وبعد أن قاموا بمذابح انتقامية لم يشهد التاريخ مثيل لها، وبرغم ما فعلوه ويفعلوه إلا أنه سيبقى يلاحقهم حيث أظهر ضعفهم وهشاشة فكرة الاستعمار والاستيلاء والاستيطان، وهذا ما يدفعهم لمواصلة حرب الانتقام التي يخوضونها ويسعون لتشمل أكثر من بلد، في محاولة ترقيع صورتهم الممزقة.
الانتقال لحرب أوسع على الجبهة اللبنانية، والقصف المجنون الذي حدث على مناطق واسعة في لبنان، وسقوط مئات الشهداء اللبنانيين في يوم واحد، وأكثر من ألفي جريح، عبر هجمات جوية صاروخية غير مسبوقة، وهذه الصورة المتكررة في غزة رأيناها في لبنان، وهي من أجل فرض أمر واقع جديد، يهدف إلى زيادة الهيمنة ونفوذ الكيان، وتفكيك قوى المقاومة، ورسم خرائط جديدة تقوم على أساس، توسع الكيان في الجنوب من لبنان وفي شمال غزة وفق أطماع الاحتلال المستمرة، ومساعيهم للقضم والضم وفرض خرائط جديدة على الأرض.
حزب الله الذي تلقى في الآونة الأخيرة ضربات موجعة، منها ما كشف عمليات اختراق مباشرة وغير مباشرة، ومنها ما هو أبعد من ذلك، فهو لا يزال يراوح مكانه ولم يغير في أدواته التي استخدمها طيلة الأشهر الماضية، كجبهة مشاغلة على حد وصفه، أما اليوم وقد تعرض لما تعرض له من قصف عنيف طال العديد من المناطق وأودى بحياة المئات، فإنه ملزم بتغيير تلك الأدوات إلا إذا كان لا يملك أدوات متقدمة وأسلحة أكثر تطورًا، وتلك طامة كبرى.
الحرب على لبنان ليست كالحرب على غزة، فهي تحتاج إلى تحالفات وتفاهمات أوسع وأكبر من المنطقة، بل وربما تتعدى الإقليم أيضًا، وهي حرب قد تجر إلى حرب أكبر وأشمل وأوسع، لذا فإن الخطوات المحسوبة تكون واجبة في إطار ما اتفق عليه خلف الكواليس، وهذا ربما ما جعل حزب الله يحافظ على ردود معروفة رغم حجم الاعتداء عليه، وسقوط العدد الكبير من الضحايا.
نتنياهو وجيشه مرة أخرى يهرب من جبهة إلى جبهة، فبعد أن عجز عن تحقيق صورة النصر في غزة التي لا تزال تتعرض لحرب الإبادة، وقد أتى الخراب فيها على كل شيء، وبينما لم تحقق لجنرالات الاحتلال وحكومتهم أي صورة من صور النصر الذي يريدونه، ويسعون إليه لاستعادة صورتهم التي كانوا عليها قبل السابع من أكتوبر، ذهبوا بفرقهم العسكرية لفتح جبهة أخرى مع لبنان، الأمر الذي قد يفتح الباب أمام حرب إقليمية أكبر وأوسع وخارج دوائر خططتهم.
يسقط الضحايا في غزة ولبنان على يد المجرم نفسه، ولا يتحرك العالم لوقف هذه الحرب والإبادة، بل تلتقي الوفود على هامش اجتماع الهيئة العامة للأمم المتحدة هذه الأيام، ويتصافحون ويبتسمون أمام أعين الكاميرا، فأي قُبحٍ هذا الذي يسيطر على العالم! وأي صمت هذا الذي لا ينفجر في وجه كل ما يحدث من جرائم.