ماذا يلزم لاستعادة غزة؟ بين الواقع والطموح
د. دلال صائب عريقات
تشهد الساحة الفلسطينية تطورات سياسية متسارعة وخطيرة، خاصة في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها غزة جراء الأزمات الإنسانية، والعنف المستمر في ظل جريمة الإبادة وعملية فصل غزة عن الضفة من جهة، وإرهاب المستوطنين بحماية جيش الاحتلال في الضفة، وما يوازيها من هجمات شرسة على مدن ومخيمات الضفة للقضاء على الحق الفلسطيني في تقرير المصير، وفرض الواقع العسكري تحت غطاء إدارات مدنية.
وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة إلى إطار سياسي شامل يضم جميع فئات المجتمع الفلسطيني. ورغم الجهود الدبلوماسية والتدخلات القانونية الدولية، مثل تلك التي تقوم بها محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، إلا أن هذه الجهود لم تكن كافية لوقف التدهور الإنساني والعنف المتصاعد.
إن إعادة إعمار غزة وفقاً للنهج التقليدي لم يعد كافياً، بل أصبح مصطلح "إعادة الإعمار" ذاته مشكلة في سياق الاحتلال. فالخطط السابقة التي ركزت على السلام الاقتصادي والمبادرات الإنسانية، أثبتت عدم فعاليتها. من هنا، تتطلب المرحلة المقبلة تبني استراتيجية أوسع وأكثر شمولية مدخلها إنهاء الانقسام والوحدة، مدخلها استعادة غزة.
توحيد النظام السياسي، ضرورة ملحة: توحيد النظام السياسي الفلسطيني يعد الخطوة الأولى والأساسية نحو إعادة إعمار حقيقية في غزة. الانقسام الحالي بين حماس في غزة والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية أضعف التمثيل السياسي، وأثر على شرعية الحكم. على الرغم من بارقة الأمل التي قدمها الاتفاق الذي توسطت فيه الصين، إلا أن التاريخ يعلمنا أن مثل هذه الاتفاقيات قد تفشل دون إطار استراتيجي قوي، والتزام حقيقي من جميع الأطراف.
المصالحة، شرط لا غنى عنه: لا يمكن الحديث عن نظام حكم مستقر وممثل، دون تحقيق المصالحة السياسية. تتطلب هذه المصالحة إجراء انتخابات ديمقراطية تعكس الإرادة الحقيقية للفلسطينيين في كل من غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية. ولضمان استقرار النظام السياسي، يجب فك المركزية من الدائرة الضيقة الحالية، وتبني نموذج حوكمة يضمن الشفافية والمساءلة، حيث يتم التنافس على السلطة عبر وسائل ديمقراطية وليس بالقوة أو التدخل الخارجي.
دور المرأة والشباب في صنع القرار: يعد تمثيل المرأة في السياسة الفلسطينية أمراً أساسياً لبناء نظام سياسي شامل. يجب أن تكون المرأة شريكاً فعالاً في عمليات صنع القرار، ليس فقط لتحقيق المساواة الجندرية، ولكن أيضاً لجلب وجهات نظر جديدة تركز على التعاون ورفاهية المجتمع. الدراسات تشير إلى أن العمليات السياسية التي تشارك فيها المرأة تكون أكثر نجاحاً واستدامة.
كما أن إشراك الشباب الذين يمثلون أكثر من 60% من السكان يُعد ضرورة ملحة. الشباب يحملون رؤى جديدة ويمكنهم تقديم حلول مبتكرة للتحديات القائمة. برامج تطوير القيادة والتعليم السياسي يجب أن تكون جزءاً من جهود تمكين الشباب وإدماجهم في أدوار الحوكمة.
المستقبل الفلسطيني، الذي يشمل غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، يجب أن يُبنى على أسس الشمولية والعدالة والحوكمة الديمقراطية. إطار سياسي شامل يمثل جميع الفئات، من نساء وشباب وفصائل سياسية، هو الأساس لتحقيق التنمية المستدامة سياسياً ووطنياً.
إعادة تصور الحوكمة الفلسطينية بعيداً عن الانقسامات الفئوية، وتبني نظام سياسي موحد وشامل، يعدان الخطوة الأولى نحو تحقيق طموحات الشعب الفلسطيني في بناء دولته المستقلة. من خلال تعزيز الحوار الوطني والتمثيل واحترام سيادة القانون، يمكن للفلسطينيين بناء نظام سياسي قادر على مواجهة التحديات والحقائق التي يفرضها نتنياهو وحكومته على الأرض.