الاحتجاجات الدولية والموقف من حرب غزة
هل استطاعت القوى الناعمة في أمريكا وأوروبا عبر التظاهرات المليونية والاحتجاجات المستمرة أن تغيّر في المواقف الرسمية والحزبية من الحرب على غزة؟ وهل فعلت تلك القوى كل ما بوسعها أم أنها لا تزال تحتفظ بأوراق أخرى ضاغطة وذات فاعلية؟ الجواب نعم، ولو لم يكن بالقدر الكافي، ولو جاء متأخرًا بعد أشهر من الحرب، أو بدت حركته أقل مما يجب أن تكون عليه، إلا أن عجلة التأثير واضحة على مواقف وسلوك الحكومات
والسياسيين الذين تبدلت مواقفهم، أو تراجعت حدتها عما كانت عليه بعد السابع من أكتوبر.
حراك ودعم القوى الناعمة في أوروبا وأمريكا عادة يؤتي نتائجه ولو كان يسير ببطء، كما وأن الأحزاب السياسية والسياسيين يخشون تلك القوى وهم يرضخون لصوتها، وهي ذات تأثير واضح، وهذا مهم، برغم أن الإبادة الجماعية في غزة دخلت مراحل صعبة والناس تحتاج إلى قرارات سريعة ملزمة للاحتلال لوقف الحرب، بيد أن ما يحدث على المستوى الدولي مهم، وستكون له النتائج المرجوة منه في المستقبل القريب، ولمن يتتبع مواقف وقرارات الكثير من الدول سيلحظ التغيير الذي حصل في قراراتها.
لقد كشفت الشعوب حقيقة ما يحدث في غزة، بعد أن وقعت ضحية الأكاذيب والدعاية الصهيونية الكاذبة لفترة من الوقت، فسرعان ما خرجت مندفعة إلى الشوارع بمسيرات وتظاهرات مليونية في مختلف العواصم، معلنة عن مواقفها الرافضة للحرب، المنددة والمستنكرة للجرائم التي ترتكب في غزة، وهذا انتصار للإنسانية ولصوت العدل ولحقوق شعبنا، وهذا اغصب الاحتلال وهو يرى كيف فضحت شعوب العالم أكاذيبه، وخرجت تجوب العواصم بالملايين رفضًا للحرب والعدوان وهي تطالب بضرورة وقفها وتنادي بالحرية والاستقلال لفلسطين.
إن التظاهرات الشعبية التي تجوب معظم عواصم العالم هي استفتاء أممي على دعم وتأييد الحق الفلسطيني في الحرية والاستقلال والخلاص من الاحتلال ومحاسبته على ما يرتكب من جرائم، وهي تأكيد على أن الضمير الإنساني خرج من لوثة الكذب والتضليل التي مورست عليه وأصبح يعي الحقيقة، فكشف زيف الإدعاء، ورأى ما يحدث من حرب إبادة ممنهجة في غزة، فخرج في معظم العواصم، ولا يزال يخرج معبرًا عن رفضه لهذه الجرائم ومطالبًا بوقفها.
لطالما حاول الاحتلال جاهدًا طمس الرأي العالمي بسيل من الأكاذيب، مستفيدًا من الإعلام ومن الدعاية الكاذبة التي يسوقها، بيد أن منسوب الحرب الدموية والإبادة الجماعية التي ارتكبها الاحتلال في غزة كشفت عمليات التضليل وفضحت هذا المحتل وأكاذيبه. وكضرورة بات على الفلسطيني عدم تجاهل هذه الحراكات التي تثمر وإن جاءت متأخرة، وأن الشعوب الحرة تنتصر وإن جاءت متأخرة، وأنها لا يمكن أن تهزم، لأنها تدافع عن الحق في مواجهة الضلال، ومواجهة العنصرية التي مصيرها أن تسقط وأن تزول.
التغيير الحاصل في مواقف الدول الرسمية مرده إلى فعل هذه القوى الفاعلة والتي خرجت في تظاهرات مليونية وعبرت عن دعمها لوقف الحرب والعدوان، وهذا وإن كان ليس كافيًا بالمستوى المنظور إلا أنه يمكن أن يتسع، وتكبر دوائر الفعل وهذا هو المطلوب لفرض مزيد من العزلة على هذا الاحتلال.