الفلسطينيون والهنود الحمر مصير مشترك أم قراءة واعية للتاريخ؟
"إنّ جلادنا المقدّس واحد" جملة قالها (مايكل هولي إيجل) أحد نشطاء الهنود الحمر، عندما تحدّث عن الإبادة التي يواجهها الفلسطينيون حاليًّا، وبدورنا نبقي التساؤل مفتوحًا على مصراعيه: ماذا لو لم يضل (كريستوفر كولومبوس) وجهته الهند، عام 1492م، إلى أمريكا؟ ولم يحتل الأوروبيون أمريكا؟ ولم يبيدو سكانها الأصليين (الهنود الحمر)؟ ويقيموا ديمقراطية الدماء على أشلاء السكان الأصليين؟ حينها، ربما، لم ولن تتوفر الأيدلوجية الأوروبية (الأمريكية حاليًّا) الصهيونية حتى يومنا هذا، ولم يُنكب الشعب الفلسطيني نكبة الهنود الحمر.
أخطأ الهنود الحمر عندما صدّقوا الأوروبيين، ولم يتركوا أدنى شك في نواياهم، عندما ادّعوا أنهم يرغبون في مساعدتهم بحيث تعود المساعدة على الطرفين، يقدم الأوروبيون مساعدات كبيرة مقابل منحهم الأراضي والذهب، وهذه ترجمة حرفية لمفهوم التنسيق بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، وكذلك التطبيع الذي تقيمه الدول العربية مع إسرائيل، مقابل الدعم والتطور المزعوم تنهب إسرائيل مدخرات الدول العربية وثرواتها.
عندما قويت شوكة الأوروبيين وازداد عددهم قرروا التخلص من الهنود الحمر وإبادتهم، فانتهى الأمر بخروج الهنود الحمر من التاريخ والجغرافيا، وهجرة الأوروبيين للقارة الأمريكية واستيطانهم فيها، وقد اقترنت إبادة الهنود الحمر برؤية توراتية وعلمانية مزدوجة، فسمى المتدينون البيوريتان (إحدى طوائف البروتستانت) أنفسهم عبرانيين، وادعوا أنهم في مهمة مقدسة، لتطهير أرض الميعاد من الكنعانيين، وتواترت هذه الرؤية بأسطورة أرض الميعاد التي هي من الأساطير المحببة لبني إسرائيل وأحفادهم، مفادها أن الرب قد منحهم أرض كنعان وهي فلسطين الحالية، ليعودوا إليها تحـت قيادة الماشيَح (المسيح المخلص)، أي الأرض التي سـتشهد نهاية التاريخ.
عام 1948م قام الكيان الإسرائيلي، حيث نفذ اليهود عدة مجازر لترهيب الفلسطينيين وتدفعهم للخروج من بلادهم، في مجزرة مدينة اللد تنكر اليهود بلباس عربي ووضعوا الكوفيات على رؤوسهم، فظنهم الفلسطينيون من جيش الإنقاذ العربي، ليتم ذبحهم جميعًا، وها هو السيناريو الذي ورثه اليهود عن الأمريكيين المحتليين، منذ أول إبادة حتى آخرها (مجزرة الركبة) التي أجهزت على آخر قبيلة من الهنود الحمر، تعيده أمريكا مرة أخرى بميناء غزة الإنساني، الذي يشبه مجزرة اللد، فالأمريكيون يتنكرون بلباس المساعدات الإنسانية، هذه المساعدات حق يراد به باطل، وهي أكذوبة مساعدة الهنود الحمر ذاتها، بأكذوبة المساعدات الإنسانية لغزة. فهل يمكن لشعب ما العمل على تطوير أرض شعب آخر غني بالخيرات، ولا تراوده نفسه على الاستيلاء عليها؟
الأرض والذهب مقابل كذبة التطوير، كانت نتيجتها إبادة جماعية واحتلال أوروبي لأمريكا وإحلال شعب مكان شعب بعد إبادة الشعب الأصلي، وكذبة إسرائيل حول إعمار المنطقة والديمقراطية والسلام، هو باب دخلت منه على فلسطين، هو الشأن ذاته، أيدولوجيا متواترة مستنسخة.
إن الجملة التي رددها كولومبوس بشأن الهنود الحمر، وحث الأوروبيين على احتلال أرض أمريكا الشمالية والجنوبية: "هؤلاء السكان يجب أن يكونوا خداما جيدين وأتباعًا مخلصين للكنيسة"، ردّد الصهاينة جملًا أكثر وأبشع منها بشأن الفلسطينيين، إيتمار بن غفير، سوموتريتش، تاي جوتليت، عوفر كيسيف، وغيرهم، حدّث ولا حرج يرددون: "الفسطينيون حيوانات لخدمة اليهود"، "اقتلوا العرب، الفلسطينيين، الأطفال..."، بل إنّ عضو الكنيسيت (عميحاي إلياهو) طالب بإلقاء قنبلة نووية على غزة.
كما أن الكتب الإنجليزية التي صدرت عن الهنود الحمر في بداية القرن الـ16، وصفتهم بأنهم "وحوش لا تعقل ويأكلون زوجاتهم وأبناءهم"، وهي العبارات ذاتها التي تحاول إسرائيل الصاقها بالفلسطينيين والغزيين خاصة، أنهم قاتلين إرهابيين يغتصبون النساء ويقطعون رؤوس الأطفال، على الرغم من تلك الممارسات التي وثقت بالصوت والصورة أنها ممارسات للجيش الإسرائيلي الدموي اللاأخلاقي.
في 28 أيار 1980م أصدر الكونغرس قانونًا عرف باسم قانون "إبعاد الهنود"، وسمح هذا القانون للرئيس بالتفاوض مع الهنود الحمر لإبعادهم إلى أراض فدرالية غرب الميسيسيبي، مقابل التخلي عن أراضيهم الأصل، وهو ما تخطط له إسرائيل حرفيًّا مع الفلسطينيين بإبعاد الغزيين إلى سيناء، وفلسطينيي الضفة إلى الأردن.
استمرت ثورات السكان الأصليين من الهنود الحمر حتى 29 ديسمبر عام 1890م، حيث ارتكب الجيش الأميركي مذبحة "الركبة الجريحة" في منطقة "ساوت داكوتا"، فقتل الجيش الأميركي مئات من المدنيين العزل وبينهم النساء والأطفال، وشن حملة اعتقالات واسعة في صفوف السكان الأصليين، مما أدى إلى سحق مقاومتهم وتمكين الأميركيين الجدد من فرض سلطتهم على كل ما يسمى حاليًّا الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما تفعله إسرائيل حاليا بدعم أمريكي في غزة، من إبادة جماعية متكررة واعتقالات واسعة وسحق المقاومة وفرض سلطة المحتل.
الجدير بالذكر ان مخطط إسرائيل، وأكذوبة شعب الله المختار، لا تقتصر على فلسطين، بل وفق تصريحاتهم، من الفرات إلى النيل، ومن الأرز في لبنان إلى النخيل في المدينة وخيبر السعودية، بل كل أرض تطؤها قدم اليهود فهي لهم، وهي ليست إلا مسألة وقت، فمن لا يقرأ التاريخ محكوم عليه أن يعيده، فأيها العرب اقرؤوا التاريخ جيدًا حتى لا يدرككم وقت لا ينفع فيه الندم.