إنتصار الدم على القاتل

فبراير 3, 2025 - 16:36
إنتصار الدم على القاتل

عيسى دياب

يذكرني هذا الحدث بقصة البقرة التي ذكرها الله تعالى في القرأن الكريم في سورة البقرة العظيمة إذ أمر الله اليهود بذبح بقرة وحاولوا التذاكي والتهرب والله صبور على عباده إلى أن أحاط بهم فذبحوا البقرة وضُرب الميت ببعضها فأحياه الله وأشار إلى قاتله فأنكشف خبث أشراف القوم وظهر الحق على الباطل والله يظهر الحق على الباطل ولو بعد حين. 
 
 "" فبعضنا تائه اليوم في معرفة من الذي يقتلنا ""
 
السؤال الذي لم يجد له أحد جواب هو دهشة إيران وحلف الممانعة والساحات بعملية السابع من أوكتوبر! أما نحن أصحاب العقل الذي يعبث في كل شيء ليعرف الحقيقة الحقيقة لا يمكننا تصديق أن قرار عملية كهذه هو قرار داخلي صرف إنما يساورنا الشك في أن الرؤوس الكبيرة واللذين يتمتعون بالمونة على حركة حماس هم من وقتوا وأشاروا لتنفيذ العملية للسير في هذا المشروع لإنضاج الشرق الأوسط الجديد طبعاً دون إطلاع القيادة على أبعاد العملية وخلفياتها فحركة حماس قامت بالعملية لتفاوض الإحتلال على اسراه واجباره على اطلاق الاسرى الفلسطينين من سجون الإحتلال ووقف اعماله العدائية ضد ابناء شعبنا في الضفة والقدس ومحاولة فك الحصار عن قطاع غزة ولكن هذا ما يجنيه من لا يبحر في عالم السياسة ( عالم المكائد ). لا يوجد فلسطيني قيادي واحد عميل، لا في المنظمة ولا في حماس والجهاد ولكن الإرتكاز على الخارج دائما ما يجلب الصداع والإنغلاق الفكري يسهل على العدو ادخال البهارج الخداعة.
 
في الحقيقة نحن نشعر بفرحة محملة بغيوم الدموع بوقف إطلاق النارالذي  يحقن دماءاً كانت تحسب في كل يوم من العدوان أنها في عداد الموتى ولكن وقف إطلاق النار ليس وقفاً للحرب بإي معنى فالحرب متواصلة ومن اهدافها تهجير لاجئي غزة، فالمشروع تدمير غزة وتمييز ساكنيها بين لاجئ وغزي الأصل لشطب حق العودة الذي تمسكت به القيادة على مر السنين، من هنا وقف اطلاق النار ليس نهاية المشروع فإستكماله في الأسابيع والأشهر المقبلة عندما لا يجد الغزيين ما يأويهم ولا يقيهم تفتح لهم بالتزامن بارقة أمل في عدة دول فهل حركة حماس تستشرف المستقبل وهل هي قادرة على وقف تسونامي التهجير القادم.
 
كل ذلك وتقف حماس لتقول أن أوهام اليوم التالي للحرب تبخرت؟!!!!
 
أليس فيكم رجل رشيد! أم أننا سنبقى على مقولة أيا ليت الزمان يعود يوماً، يعود؟! إلى تاريخ الإنسحاب الأحادي للإحتلال الإسرائيلي من غزة يا ليت هذا التاريخ يعود لنقدر نضالات اسلافنا في حركة فتح والفصائل ونقف على وحدة وطنية ونبني بالشراكة مؤسسات لأبناء شعبنا لنثبت أقدامهم ونُثبت للعالم أننا قادرين على بناء دولة أسوة بباقي الدول وان تكون من مصافي هذه الدول نسبة لفتوتنا ولإيماننا وثقافتنا واعداد متعلمينا ولكننا بدلا عن ذلك قمنا بإحتلالها وقسمنا شعبنا وعادينا بعضنا وخونّا الحليم العارف بمقادير السياسة الدولية بالغرام، لنكون حسرة في قلوب بعضنا وسخرية عند العالم ومدعاة ذلة في إقليمنا، لو أننا سمعنا حديث ابو مازن الذي إعتبرناه إستسلام وكان في الحقيقة همة الصمود والحنكة والكيد في وجه ما رُسم ويُرسم وقراءة معمقة لسياسات الدول الكبرى بعد مسرحية احداث ١١ ايلول وتدمير برجي التجارة في نيويورك الولايات المتحدة الأمريكية وإطلاق الحرب على الإرهاب والراديكالية ونشر الإسلاموفوبيا!! طبعاً هذا حال الواهمين الذين قاموا بمساعدة الصهانية في تنفيذ مشروعهم عند الإستيقاظ ان كانوا نائمين أما إن كانوا في صحوة فهناك الف علامة إستفهام!
 
خلال تدمير الاحتلال الإسرائيلي كافة أشكال الحياة في غزة تصاعدت الدعوات لأهلنا في الضفة لدخول الحرب واصحاب النداء يعرفون ان الإحتلال مستعد لدفع الغالي والثمين لمن يعطيه ذريعة تدمير الضفة وهتك حلم الدولة فطلت مجموعة تتبع الخمينية من زواريب مخيمات الضفة أُدخِل لها السلاح الخفيف بمساعدة الإحتلال أذِنين له بشن عمليات عسكرية داخل الضفة الغربية لهتك سيادتنا وربما لمسح السيادة والسلطة التي يهاجمها الإحتلال ويحلم بتدميرها!! 
ويخرجون علينا بكامل أناقتهم لينفخوا في بوق النصر، أرجوكم عن أي نصر تتحدثون؟ ولا تزال ورقة تفاهم وقف إطلاق النار سرية لكي لا تفضح بنودها ومراحلها ونهايتها!
 
من هنا سأدخل إلى الإنتصار الكبير التاريخي الفلسطيني الوحيد على الإرادة الصهيونية الذي أرخى ذيول الهزيمة والإنكسار واللاعودة لمشروع إسرائيل الكبرى.
 
إنطلاقة الثورة الفلسطينية عام ١٩٦٥ كانت الممحاة التي مسحت حدود الأجندة الصهيونية القائمة على التوسع حتى تحقيق الحلم المضني بإسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل.
هذه الثورة التاريخية التي ولدت من رحم الهون والمعاناة بأموال فقراء شتات شعبنا ودماءهم الذكية قاتلت الصهاينة في بقاع الارض بمواجهات وعمليات نوعية بتضحيات جسيمة أخضعت هذا الكيان الطامح الجامح للتنازل والقبول بإقامة دولة فلسطينية في قلب دولتهم المزعومة وهذا الإنتصار هو أعظم إنتصار عسكري سياسي فلسطيني أصيل على الإرادة الصهيونية، فبهذا الإتفاق الموقع ما بين الطرفين والمعترف به دولياً وما تبعه من قرارات أممية تكرس الحق الفلسطيني بأرضه ودولته المستقلة حوصر الإحتلال وأصبح مقيداً دولياً ولو أن التجاوزات كثيرة كثيرة ولكن التضحيات مسار تحقيق المراد.
 
لذلك نحتفي في بداية كل عام بذكرى إنطلاقة الثورة الفلسطينية التي بدلت ذلنا عز وقهرنا كيد ولجوئنا نضال لإنتزاع الحقوق.
 
فهل هناك إنتصار يشبه هذا الإنتصار؟؟ حرب الإحتلال على الأراضي الفلسطينية جميعها التي كانت إرثاً صهيونياً لإبادة غزة والضفة وتهجير شعبها لم تحقق هذا الهدف للكيان وذلك بصمود دولة مصر ومملكة الأردن حالياً بإغلاق الحدود لبقاء الفلسطينين في ارض الوطن وإلى متى يصمدون؟ ولكن غزة محتلة اليوم والضفة تنتهك يومياً! وكانت غزة محررة عند الإنسحاب الأحادي للمجرم شارون وكانت الضفة وغزة على قاب قوسين من تثبيتها دولة برعاية عربية ودولية!
 
الدبلوماسية الفلسطينية التي حمّلت دمائنا في رقاب حكومات الغرب ودموية الصهاينة في إستحلال قتل النساء والأطفال قلبت الرأي العام العالمي الذي بدأ يتعرف على طبيعة الصهاينة المقيتة! ولكن ""الإنتقام"" الإيراني بدفعتي الصواريخ فارغة الرؤوس اللتان ملئتا سماء الشرق الأوسط ضجيجاً أضعف الهيجان الشعبي المناصر لمظلومية الشعب الفلسطيني وعادت عواصم العالم فارغة من الشعارات المناهضة للإحتلال الإسرائيلي والمطالبة بوقف النار ومحاكمة الضالعين في حرب الإبادة! فالمجتمعات الغربية ما تزال تحت تأثير بروباغندا الإرهاب والراديكالية والإسلاموية.
 
كل ما ذكر وصمود القيادة الفلسطينية والضغوط الأمريكية على الإحتلال الإسرائيلي لإنهاء الحرب وفرض شخصية الرئيس الأمريكي ترمب الذي قال أنا الحاكم على العالم وعليك نتنياهو الخضوع لإرادتي وقبول صفقة وقف إطلاق النار ففر فزعاً بن غفير وأعوانه ورئيس الأركان لإضعاف حكم نتنياهو لجره لمزيد من التنازلات التي ستفضي في نهاية الأمر بإعترافه وحكومته المتطرفة بحقوق الشعب الفلسطيني وصمود قيادته وهذا إنتصاراً لتضحيات القيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس الأخ محمود عباس إلا أنني أرى أن هذه الحقوق ستكون مشابهة لطرح صفقة القرن.
 
تضحيات القيادة وعلى رأسها محمود عباس؟!
من الطبيعي على مشاهد عناوين الأخبار أن يصاب بالدهشة ذلك لأنه غير مضطلع على أعماق السياسية وميزان الربح والخسارة الإستراتيجي، الرئيس والقيادة يدفعون أثماناً باهظة وضغوطاً عالمية من جهة وفي الضفة الأخرى  شكوك بعض أبناء شعبنا وإمتعاضهم الذي سينقلب تفهماً واحتراماً في المستقبل القريب.
 
أما بالنسبة للإنتصارات التي عرفناها منذ ١٩٨٧ لغاية اليوم يمكن قياسها بحسب النتائج الجيوسياسية والبشرية والإقتصادية.
 
 
دعونا نلتفت إلى ما يسمى هزائم الولايات المتحدة الأمريكية، النصر الوحيد الذي إعترفت به هو نصر الحلفاء على دور المحور! أما حروب فيتنام وأفغانستان والعراق فأطلت واشنطن بثوب الخاسر الذليل وفي الحقيقة هم قاموا بتغير الديمغرافيا والاعراف والتقاليد وشكلوا أحزاباً متنافرة ضمن هذه الدول وشكلوا حكومات هم في الحقيقة الاب الروحي لها بخطوط عريضة لا يسمح أبدا بتجاوزها ببيروقراطيات داخلية سياسية غير مؤثرة على النظام العالمي وشكلوا إنظمة معادية في هذه الدول لجوارها وأيضا وأيضاً ما يكون نصراً في العمق ظاهره هزيمة بالنظرة السطحية.
 
وهكذا وليدة الولايات المتحدة الأمريكية دولة الإحتلال الإسرائيلي فأهداف حروبها غالباً ما تكون جوهرية ومخفية وظاهرها ما يطرح في الإعلام من أهداف لا تتحقق لإخراج سينمائي بمؤثرات مشهدية تشغل القلوب بنصر مهزوم وهزيمة مكللة بنجاح إستراتيجي عميق ليتظهر نصرهم بتحقيق الأهداف واحداً واحد.
 
إن إنتصار حركة المقاومة الإسلامية دون تقليل من تضحيات المقاومين الأبطال منهم ومن كافة أطياف الفصائل الفلسطينية الذين قدموا كل ما يملكون ليس إلا سراباً مقصوداً بإخراج يقنع المشاهد ويمسح من ذاكرته عمق الخسارة الجيوسياسية والبشرية الهائلة والإقتصادية فالمطلوب أن تنتشي نصراً على جثث أكثر من 50 ألف غالبيتهم من الأطفال.
 
غزة اليوم مدمرة كلياً وكما يقال أن إزالة الردم تتطلب سنوات وتحتاج لمليارات الدولارت فما بالك بالإعمار وهذه المشاريع ستكون مجمدة لحين تفريغ غزة من نصف ساكنيها وإستسلام حماس لرؤيتهم لأن الدول الداعمة لا ترغب بحرق اموالها في أمكان مهددة بالدمار مرة أخرى بسبب الرؤى السياسية المنفصلة عن الواقع فضلاً عن محاربة الإحتلال للسطلة الوطنية للفلسطينية ورفضها إدارة غزة.
وأحتار أيضاً بتوافق حماس مع الإحتلال برفض تسلم السلطة الوطنية الفلسطينية الحكم في غزة لربطها ببباقي تراب الوطن وجمع شمله!!!

 مفهوم سياسة الإمبراطورية، الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لا يهمه إلا مشروعه، فمشروع الممر الهندي الذي يبني جسراً تجارياً بين شرق أسيا والمتوسط والغرب هو من أهم مشروعات الغرب للسيطرة على القوى الصاعدة الصين والهند والتجارة العالمية وتطبيق الإتفاق الإبراهيمي في الشرق الأوسط عماده الإقتصاد وإلإتفاقات القادمة بين لبنان وسوريا والاحتلال لجر التفط والغاز إلى اوروبا لخنق الإقتصاد الروسي "التطبيع الإقتصادي"
 
السيد القارئ كل ما عليك فعله لفهم الواقع الحقيقي وان لا يغرك الباطل ولو اتاك بأبهى الصور أن تقرأ المشهد السياسي في منطقة الشرق الأوسط وخاصة فلسطين ولبنان.
 
تفكر من هو الجانب الذي ساعد في تدمير العراق وسوريا ولبنان وغزة؟؟؟أرجوا أن أن تطالعني بمفهوم التخوين لأننا لسنا من يطلق الأحكام ولكن هناك مثلاً يقال بين الأشخاص : "ما بدي أستفاد كرمال ما أفيدوا" وتنطبق هذه الحكمة على الدول أيضاً " لا تسفيدي يا إيران كي لا تفيدي الإحتلال" رغم أن الإحتلال هو المستفيد الوحيد على الإطلاق وإبران ومحورها تقزموا وأصبح غاية النظام بالكلية الحفاظ على حكمه أرض أيران.
 
 في هذه المنطقة ٣ مشاريع مشروع أمريكا ومشروع أمريكا ومشروع امريكا كيف؟
 
مشروع أمريكا الأول هو المشروع السياسي الذي تطرحه الدول العربية بناءاً على مخرجات القمة العربية على مبدأ الأرض مقابل السلام بموافقة الإتحاد الأروبي وروسيا والصين "ألإحتلال وأمريكا غير موافقين عليه"
 
 والمشروع الثاني هو مشروع محور الممانعة الذي البسته امريكا لجمهورية إيران الإسلامية الذي يهدف لرمي الإحتلال الإسرائيلي في البحر ضمنه الصراع السني الشيعي وتمدد ولاية الفقيه فيتصادم المشروعان لينفذ المشروع الأمريكي الثالث والحقيقي وهو ما طرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى ما سمي بصفقة القرن "القدس عاصمة أبدية للإحتلال الإسرائيلي"  وتم رفضها بصرامة من القيادة وخاصة الرئيس محمود العباس ليقوم بتحضير أرضيتها خلفه بايدن ليعود ترمب اليوم لعرضها في ظل تراجع القوة الفلسطينية والعربية والإقليمية وحتى الدولية " روسيا والصين والإتحاد الاوروبي".
 
إن مطالب القيادة الفلسطينية كانت ولم تزل إقامة دولة فلسطين سيدة مستقلة على حدود ٦٧ والقدس الشرقية عاصمة أبدية وذلك لواقعية القيادة السياسية وإدراكهم ميزان القوى وكررت القيادة من سنين أننا أصحاب القضية والقرار مع ثباتهم على حقوق الشعب الفلسطيني كاملاً بأرضه ومقدساته وأحيائه واسراه وشهدائه ورفضت القيادة الفلسطينية أي تدخل حتى من الدول الشقيقة والصديقة. 
 
ولكن على ما يبدو أن حماس لا تريد أن ترى المشهد بوضوح فهي لا تزال مصرة على إستغلال دماء الغزيين في مشهد إنتصارها الذي لا يمكنني أبدا ان أفهمه لتقول أن اليوم التالي للحرب أصبح من الماضي وكأن أدارة شؤون شعبنا والحفاظ على ما تبقى من كرامة وأمن هو خطيئة كفارتها صلب الشعب الفلسطيني. 
 
منظمة التحرير الفلسطينية هي المسؤول الشرعي والوحيد عن الشعب الفلسطيني وقضيته أحلامه وأمنه ومستقبله، لا إيران ولا قطر ولا بريطانيا ولا أمريكا.
 
نأمل أن يعود الجميع إلى كنف سلطة الشعب الفلسطيني ومواجهة القادم من سياسات تقزيم القضية 
الفلسطينية وبيعها في المزادات بسبب هذا الخلاف العقيم الذي يحمل في جعبته الكثير من الخناجر والسم الأسود الذي لا يحيى شاربه.