مملكة "يهودا والسامرة" الغاية الأخيرة /// طبول التهجير تُدقّ في الضفة إيذانا بنكبة جديدة!
سامي مشعشع
بدون إطالة شرح، بات واضحاً ومنذ بدايات المقتلة على غزة وأهلها أن هدف الكيان الإسرائيلي بحربه كان مزدوجاً، إما سحق المقاومة، وإن صعبت المهمة وفشلت، وهي تفشل، فعليهم إذن تدمير غزة انتقامًا واجتراحا لصورة نصر. الهدف الآخر الماثل، وعبر محاولات حثيثة ووحشية للغاية، فرض نزوح وراءه، نزوح لمئات الآلاف من الغزيين، وخلق واقع دموي لحملهم على التهجير القسري. ولولا ثبات أهل غزة هاشم، ولولا عدم رغبة وخوف حكومة "الأشقاء" في مصر الحبيبة من دخول أعداداً كبيرة إلى أراضيهم لنجح الاحتلال في هدفه بعيد المدى في "تجفيف" أعداد الغزيين، قتلاً وترحيلاً وإبعاداً وتهجيراً، وخفض سكان القطاع لأعداد مقبولة، ولكان ذلك مدخلاً للاحتلال إما لإعادة سيطرته على القطاع، كما كان قبل انسحابه منه في العام ٢٠٠٥، أو جعله مقبرة وسجناً مفتوحاً محاصراً، وبعدد سكان أقل ينهشه المرض والجوع والقهر.
إذن هدفاه فشلا، ولكن جهود التهجير ومحاولات تطبيقه هناك لم تكن إلا "بروفة"، إن شئتم ، للتوجه الأساس ألا وهو تهجير أكبر عدد ممكن من سكان الضفة الغربية (لاجئيه وسكانه – مهاجريه وأنصاره) خارج المملكة العبرية المنتظرة "مملكة يهودا والسامرة"، وعد الله لشعبه، وحلم المتدينين القوميّين الإسرائيليين وجل اليمينيين المتزمتين المدعومين من اليمين "الرسمي" وأطياف من "المعارضة" الإسرائيلية.
تلقف الإعلام الغربي بكثير من الانفعال والقلق الزائفين تصريح وزير خارجية دولة الاحتلال كاتس، دائم الغطرسة، وأمام ممثلي المستوطنين، بأن مخيم جنين هو"تحت السيطرة الإيرانية"، وأن مخيمات اللاجئين في الضفة "هي محور الشر وأن عليها (الدولة) إخلاء مخيم جنين من قاطنيه، والتعامل معه كما يتم التعامل مع قطاع غزة". مخيم جنين والذي دفع فاتورة صموده دماء عزيزة في العام ٢٠٠٠ وشهد حينها دماراً واسعاً يستمر في دفع فاتورة البقاء، وأعداد الشهداء الموجع والدمار الكبير الذي لحق بمخيمات الشمال حتى اللحظة هو بمثابة إيذان بدخول خطة التهجير الإسرائيلية لمرحلة متقدمة.
دعكم من كاتس. وزير المالية والمسؤول عن عمل ما تسمى الإدارة المدنية لدولة الاحتلال في الضفة هو مهندس المرحلة. الهدف الملح لسموتيريتش هو رفع أعداد المستوطنين لمليون مستوطن "ضفاوي" بأسرع وقت، وبناء مستوطنات جديدة، وتسمين مستوطنات قائمة، و"تشريع" مستوطنات وبؤر استيطانية، وتسليح أعداد كبيرة من المستوطنين، وتشكيل ميليشيات مدربة لا تأتمر للجيش، وتنسيق هجمات على المخيمات والقرى والتجمعات البدوية وسكان قرى التماس، وتفعيل عجلة النزوح الداخلي (وهو الحاصل الآن بالهجرة الداخلية من المناطق المصنفة "ج" إلى مناطق خارجها)، والتحضير المتدحرج للدفع بالتهجير القسري خارج الضفة.
منذ أشهر طوال هناك استهداف ممنهج للمخيمات السبعة في شمال الضفة: مخيم بلاطة، وهو الأكبر من ناحية عدد القاطنين، ومخيم جنين، ومخيم طولكرم، ومخيم نور شمس، ومخيم العين (رقم ١)، ومخيم عسكر (القديم والجديد ) ومخيم الفارعة. هناك ١٩ مخيم للاجئين معترف بهم من قبل الأونروا في الضفة الغربية، وهناك عدد من المخيمات وتجمعات للاجئين غير معترف بها من قبل وكالة الغوث ولكنها تتلقى خدماتها وقاطنوها مسجلون رسمياً في سجلات الأونروا. ومن أصل ثلاثة ملايين فلسطيني ضفاوي (والضفة تشكل ٢١٪ من مساحة فلسطين التاريخية)، ينحدر ٣٠٪ منهم من مهجري حرب ١٩٤٨. هذا الواقع القائم في الضفة لا يستقيم لسموتيريتش وزبانيته، ولا للحكومة ولا لقادة المستوطنات. ومهما لحق إسرائيل من ضعف ووهن عسكري وسياسي وحتى نفسي بعد الطوفان إلا أن "همة" غلاة المستوطنين وفتيان التلال ومجلس المستوطنات عالية، وشهيتهم المتوحشة على الاستيلاء والقتل والهدم والتوسع والتهجير تستمد إلهامها من هوس توراتي وعقائدي، ومن تمركز قادتهم داخل الجيش والحكومة والكنيست وارتكازهم على تمويل ودعم مالي مفتوح من الحركات المسيانية الغربية المجنونة ودعم أصحاب البلايين اليمينيين في الغرب.
إذن الهدف الأساس هو إقامة دويلة/ مملكة يهودا والسامرة، وكلما تعمقت الخلافات بين "علمانييهم" و"عقائدييهم"، كلما ازدات موجات الحج والتوطين في مستعمرات الضفة الغربية، وكلما تمكن اليمين الإسرائيلي من جر الجيش وأعداد كبيرة من المستوطنين المسلحين إلى رفع وتيرة المذابح المناطقية. الهدف الحالي هو مخيمات الشمال ومناطق "ج"، وكلما ازداد وارتفعت وتيرة الفعل الفلسطيني المقاوم المضاد، كلما توسعت المواجهة، ومخيمات الوسط والجنوب ستكون الهدف القادم وميدان المواجهة القادم كذلك. تمكين القبضة الإسرائيلية ميدانياً في مناطق "ج"، وتشريع قبضتها على المناطق المصنفة "ب" والاستباحة اليومية لمناطق "ا" لا تعنى فقط (وأخيراً!) السقوط الميداني وعلى أرض الواقع لاتفاقية أوسلو، ولكنها كلها مداميك لتجفيف أعدادنا في الضفة، والعمل المركّز لفرض التهجير وكيّ وعينا بأن لا حق بالعودة ولا عودة.
الهجوم المركز على الأونروا واستمرار الجهود التشريعية لإعلانها منظمة إرهابية، والعمل الجاد لطردها من القدس، وإنهاء دورها في غزة، وإضعاف دورها في الضفة، وتجفيف مواردها المالية، وتحفيز فكرة توطين اللاجئين الفلسطينين في الدول المضيفة لهم ( وقد شرحنا في مقالات سابقة كل هذه التطورات) كلها تصب في ذات الهدف: التهجير. والتهجير. والتوطين. أما في الضفة، فالهدف هو إقامة المملكة العتيدة وأي مخيم وأي قرية وأي تجمع يقاوم سيجد مخيمه وقريته وتجمعه غزة ثانية.
واخيراً، مضيعة لوقتنا جميعا التحدث مرة أخرى عن: ما العمل؟ سلاح الوحدة هو الأساس. بدونه ربحهم مضمون وخسارتنا أكيدة.
إن لم ننجح في خلق وحدة سياسية وميدانية على الأرض، فلن نستطيع توليفها في بكين!
كلما ازداد وارتفعت وتيرة الفعل الفلسطيني المقاوم المضاد، كلما توسعت المواجهة، ومخيمات الوسط والجنوب ستكون الهدف القادم وميدان المواجهة القادم كذلك.