حرب الإبادة على غزة .. نتنياهو منتصر بدون نص

يونيو 30, 2024 - 12:18
حرب الإبادة على غزة .. نتنياهو منتصر بدون نص

حمدي فراج

لا أحد يدين المنتصر على انتصاره، حتى حين يرتكب أخطاء مشهودة، وجرائم محظورة تعاقب عليها القوانين المرعية في دولته أو تلك العالمية، فسرعان ما تسقط بالانتصار الذي يجبّها، ويسدل عليها ستاره السميك، بل تصل الأمور إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، بأن يلتف الجميع حول ذلك الانتصار، ويصطفون خلف ذلك المنتصر، بمن فيهم خصوم السياسة الذين كانوا حتى اللحظة التي تسبق النصر يعارضون، ويشككون، ويحذرون، ويتوعدون .


يدور الحديث هنا عن انتصار نتنياهو الذي يتشدق ويتلمظ به منذ تسعة أشهر، لا يفوّت خطابا، أو مقابلة، أو تصريحا، من دون أن يذكره بالاسم، ويشدد عليه، بل ويبالغ فيه. لا يقبل أن يكون "نصرا" فقط، بل "كاملا"، و"مطلقا"، و"حاسما"، و"نهائيا"، ثم ينتقل إلى تحديد مستقبل المنطقة والشعب، فهو لا يريد لا "فتحستان، ولا حماسستان".


ولنبدأ من الآخر. على ماذا يعتمد نتنياهو في كل هذه الثقة الغلوائية الخالية من أي ملمح واقعي؟ يعتمد على أمريكا التي هاجمها بعنف، وأخل بما جرت عليه العادات والإجراءات والمراسيم والمواثيق، ووصل الأمر حد نبذه، وعدم استقباله في البيت الأبيض منذ انتخابه قبل سنتين.


لا تذهب بعيدا، وانظر أمامك، واسمع بلغتك الأم، ما قاله الناطق الرسمي باسم جيشك، "إن القضاء على حماس هو مجرد ذر للرماد في عيون الشعب الإسرائيلي"، واسمع ما قاله أهل بيتك، زوجتك، "إن قادة الجيش يرتبون انقلابا عسكريا ضدك"، وابنك الذي يتهم جهاز مخابراتك بالخيانة.

 وإذا كانت هذه "مجرد" أقوال، فإن انسحاب حلفائك غانتس، وإيزنكوت من مجلس الحرب، احتجاجا على ما تقوم به، ليس أقوالا، بل أفعال فعلية جوهرية لها مفاعيلها، واستحقاقاتها المستقبلية، وقد بدأت تعطي أكلها على شكل مظاهرات في الشوارع، وكذلك وضع الجيش "الأكثر أخلاقا" في العالم، على "قائمة العالم السوداء".


قلت إن النصر مرتبط برفح، وها أنت في رفح منذ ثمانية أسابيع، لكنك على ما يبدو اكتشفت أن أمورك لم تحسم في غزة، وجباليا، وبيت حانون، وخانيونس، والبريج، والمغازي، وها أنت تعود إليها من جديد للمرة الثانية، فتكتشف أن النصر مرتبط بالشجاعية لا برفح، التي تعود إليها للمرة الثالثة.


جنودك الأسرى المحتجزون لدى المقاومة منذ تسعة أشهر، ويدخلون شهرهم العاشر خلال أيام، وهو أشبه بالسجن الإداري لهم. لم تحرر إلا أربعة مدنيين، وقتلت العشرات منهم، دماؤهم سالت على يديك، بينما كانوا واثقين بأنك ستنقذهم خلال أيام أو أسابيع، وأنك لن تتخلى عنهم، ولن تتركهم في أيدي "الإرهابيين المتوحشين الحيوانات"، وهي الأوصاف التي اطلقتموها على الشعب الغزي، ولهذا قتلتم من أبريائه عشرات الآلاف، وجوعتموه عقابا لهم على أن الله خلقهم غزاويين.


انظر حولك، إلى شمال "البلاد"، إلى حيث يتربصك حزب الله، وما بعد بعد حزب الله، العراق، وسوريا، واليمن، وإيران. لم يتبق إلا أن تنظر خلفك، لترى كم هذه الغابة كبيرة، وكثيفة، ومخيفة، وخطيرة، وموحشة، وهي التي فاخرتم بها الدنيا، باعتبارها الدولة الوحيدة من بين كل دول العالم التي أقيمت بكتاب "مزمور" من رب العالمين.
..............
قلت إن النصر مرتبط برفح، وها أنت في رفح منذ ثمانية أسابيع، لكنك على ما يبدو اكتشفت أن أمورك لم تحسم في غزة، وجباليا، وبيت حانون، وخانيونس، والبريج، والمغازي، وها أنت تعود إليها من جديد للمرة الثانية.