مسؤوليتنا الوطنية في ذكرى احتلال ما تبقى من فلسطين واستمرار حرب الإبادة
مروان اميل طوباسي
السؤال المهم الآن، ألا يستحق ما ترتكب من مجازر ومحارق وتصعيد حرب الإبادة والتهجير الفاشي، وما جرى منذ نحو ثمانية أشهر وما قبلها طبعاً، عقد لقاء عاجل يضم كافة القوى داخل وخارج منظمة التحرير والمستقلين، بدل انتظار لقاء الصين، والخروج بمبادرة سياسية واضحة متكاملة تحمي شعبنا والمقاومة ومشروعنا التحرري الوطني، وتتضمن تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في لقاء موسكو الشهر الماضي دون الحاجة إلى تكرار الذات؟ مبادرة وطنية سياسية يعلنها الرئيس محمود عباس باسم شعبنا والكل الوطني وتتضمن الرد الواضح على مبادرة بايدن وتعديلاتها الإسرائيلية والتواصل بهذا الخصوص مع كافة أعضاء مجلس الأمن.
فنتنياهو يريد إشعال المنطقة والأمريكان ليسوا براء من ذلك. أما مسؤوليتنا الوطنية فهي واجبة الفعل فورا، ولنترك المحاسبة والتقييم لشعبنا إلى حين إجراء الانتخابات ليقرر ويحاسب هو، فالزمن لا ينتظر أحدا.
إن ذكرى ٥ حزيران التي مرت علينا قبل أيام ليست "نكسة" كما يصفها البعض، بل هي الذكرى ال ٥٧ لاستكمال المشروع الاستعماري باحتلال ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية ومساحته ٢٢ %، إضافة إلى اراضٍ عربية أخرى .
جريمة مكتملة الأركان ارتكبتها إسرائيل الاستعمارية بمفهوم القانون الدولي، بعد جريمة الاقتلاع والتطهير العرقي ضد شعبنا في العام ١٩٤٨ من خلال عصاباتهم الإرهابية التي أسست "لدولتهم" تمهيدا لتنفيذ مشروعهم المتكامل بدعم قوى الاستعمار الغربي على حساب حقوق تاريخية وسياسية وقانونية لشعب أصلاني هو شعبنا الفلسطيني .
واليوم وبعد تلك الجرائم المتنوعة والمستمرة شكلاً ومضموناً ضد شعبنا الفلسطيني وضد الأعراف الدولية وتحديدا مبادئ حق تقرير المصير، والحرية، والديمقراطية، والعدالة، والسلام والتي دفعت شعوب العالم تضحيات كبيرة من أجل ترسيخها بعد هزيمة النازية في الحرب العالمية الثانية، وبشكل خاص في أوروبا، وقبل أن تنقلب عليها الولايات المتحدة التي مارست الجرائم لاحقا بحق شعوب الأرض، وهيمنت على النظام الدولي لخدمة رؤيتها، تستمر الحركة الصهيونية بأدواتها ومكوناتها المختلفة الأجناس والأعراق بتنفيذ أبشع جرائم عرفها التاريخ منذ ذلك الوقت بحق شعبنا وتلك المبادئ الإنسانية السامية .
لقد أصبحت هذه "الدولة" أن جاز تسميتها كذلك، ترتقي في تكوينها بعد مفهوم الاستعمار إلى شكل من أشكال النظم الفاشية والفوقية الدينية العنصرية، وتعيش أزمات عميقة وتناقضات متعددة الاتجاهات تنخر في الفكر الصهيوني نفسه الآن، وبمكونات مجتمعاتهم المتباينة أصلا. فبالإضافة إلى كونها دولة احتلال استيطاني وابارتهايد وتطهير عرقي، فهي دولة من دون دستور أساسي ومن دون حدود معلنة، وبنشيد وطني يقوم على أساس الكراهية والتحريض والقتل الدموي والإرهاب ضد الفلسطينين وأصولهم التاريخية، وبالتالي لا أعرف إذا كان مصطلح ومفهوم "دولة" ينطبق على إسرائيل، سوى بفرضها أمرا واقعا، ودون الاستناد إلى القرار ١٨١ الأممي الداعي لإقامة دولتين.
إنه كيان مصطنع وظيفي كولونيالي أقيم أساساً عام ٤٨ وتمدد عام ٦٧ على حساب حل المسألة اليهودية في المجتمعات الأوروبية التي كانوا يعيشون فيها كجزء من شعوبها، وفق رؤية تقوم على أساس الهجرة الاستيطانية والإحلال السكاني والتطهير العرقي لشعبٍ هو صاحب هذه الأرض، وكأداة متقدمة للغرب الاستعماري لإجهاض تقدم العالم العربي وضرب نهوض حركة شعوبه القومية .
بعد هذه السنوات، وضرورة استكمال مشروعنا التحرري الوطني الفلسطيني، والبناء الديمقراطي، فإن السؤال الذي يبرز الاَن هو : كيف نبني اليوم على تلك الأزمات وهذه العزلة المتزايدة التي تعيشها إسرائيل ونعمقها، خاصة في ظل تزايد مواقف اليهود حول العالم المناهضة لشكل وجوهر إسرائيل الحالي ، وبدء تراجع الهيمنة الأمريكية وبدايات ظهور معالم نظام دولي جديد ومتغيرات واسعة وجذرية في الرأي العام الدولي وحتى في المواقف الرسمية لعدد من الدول وتعاظم مناهضة دولة الاحتلال ووقوفها في قفص العدالة الدولية لأول مرة ؟
أعتقد أن الإجابة على هذا تكمن في ضرورة فهم المتغيرات الجارية في العلاقات الدولية وصعود أقطاب دولية جديدة وتعاظم التضامن مع كفاح شعبنا الذي يحتاج منا مواقف واضحة من التشبيك معها والارتقاء بمفاهيم وأشكال التضامن الدولي مع الشعوب تحديدا من جهة، ومن جهة أخرى ضرورة اسكتمال الوحدة الوطنية لكافة مكونات شعبنا على قاعدة وحدة الأرض والشعب ووحدانية تمثيل منظمة التحرير باعتبارها جبهة وطنية عريضة والارتقاء بدورها وتعزيز مكانتها وبناء مؤسساتها ديمقراطيا وانتخابيا باعتبار شعبنا هو مصدر السلطات، حتى لا يبقى غياب ذلك مبررا للغرب لمواصلة حديثهم عن الإصلاح والتجديد والذي يراد منه خدمة سياساتهم في المنطقة وتنفيذ مشروعهم "الشرق الأوسط الجديد" بأدوات متعاونة في كامل المنطقة .
هذا يتطلب الابتعاد عن وهم مشاريع السراب الأمريكي وعن استمرار جوهر "مسلسل كليلة ودمنة" للحوار الوطني والمصالحة، والابتعاد عن مؤثرات هنا وهناك لا تريد أن ترى شعبنا موحداً، واعتماد برنامج وأدوات كفاحية واضحة استنادا لقدرات شعبنا وتضحياته ورؤيته الراسخة للوصول إلى وحدة كافة مكونات شعبنا وإلى حقنا في تقرير مصيرنا واستقلالنا الوطني وإسقاط نظام الفصل العنصري الاستعماري .
والآن وقد تحول مضمون وشكل هذا الاحتلال الذي ظن البعض انه يتسم بطابع الاحتلال العسكري المؤقت عام ٦٧ ولذلك سمي "بالنكسة"، إلى تنفيذ شمولية المشروع الصهيوني الاستيطاني والإحلالي منذ فترة طويلة، بل منذ بدايته وفق مخططات الحركة الصهيونية، فلا يمكن القبول باستمرار العلاقة التعاقدية معه وفق الاتفاقيات الموقعة والتي لم تلتزم بها دولة الاحتلال، بل وتنكرت لها واعتبرها نتنياهو لاغية منذ زمن، وإنما بضرورة صياغة هذه العلاقة على أساس كفاحي يقوم على التحرر الوطني أسوة بكل شعوب الأرض التي تحررت، وإلحاق الهزيمة بمشروعهم الهادف لاستدامة الاحتلال التوسعي بأشكال مختلفة .
إن اعتبار هزيمة الجيوش العربية "نكسة" في العام ٦٧ كانت محاولة لإخفاء الأثر الفادح لاستكمال احتلال أرض فلسطين، وذلك قبل أن تاتي "ملحمة الكرامة: ليعيد الفدائيون وجنود الجيش الأردني فيها جزءا من هذه الكرامة المفقودة منذ العام ١٩٤٨.
لم يكن مخططا له بأن يكون احتلالا عسكريا مؤقتا أو أن يتسم بهذا الواقع أمام حقيقة الأمر الذي تنطبق عليه مواصفات القانون الدولي أو قوانين الحروب. فبعد ٥٧ عاما لم يعد مؤقتا لأغراض عسكرية، وبعد ٥٧ عاما فهم يعملون حتى يكون مستداما بوجود قرابة المليون مستوطن إسرائيلي أو أقل بقليل في مناطق تم احتلالها عسكريا عام ٦٧ ويقيمون وفق نظام قانوني خاص بهم تجسيدا لنظام الابارتهايد، فيمارسون الإبادة الجماعية والتطهير العرقي حتى لا يتم وصف كيانهم على كامل أرض فلسطين التاريخية لاحقا وفق رؤيتهم الصهيونية التوراتية بنظام "فصل عنصري"، بحيث يتخلصون من شعبنا، إما بالقتل أو الترحيل أو التهجير ليبقى كيانهم هذا يهوديا خالصا وفق خطط الحسم المبكر القديمة الجديدة .
في هذه الذكرى التي تاتي اليوم في ظل ارتكاب أبشع جرائم التطهير العرقي والمحارق والإبادة والتدمير الذي يراد لها أن تجعل غزة مكانا غير قابل للحياة. كما في مخيماتنا وفي كل فلسطين، يصمد أهلها بإصرار رغم التضحيات الكبيرة حتى تبقى بهم ويبقون بها قابلة للحياة والانتصار، فهل يرتقي الكُل الوطني بالفهم وبالأداء إلى مستوى ذلك ؟
...........
يجب اسكتمال الوحدة الوطنية لكافة مكونات شعبنا على قاعدة وحدة الأرض والشعب ووحدانية تمثيل منظمة التحرير باعتبارها جبهة وطنية عريضة والارتقاء بدورها وتعزيز مكانتها وبناء مؤسساتها ديمقراطيا وانتخابيا باعتبار شعبنا هو مصدر السلطات، حتى لا يبقى غياب ذلك مبررا للغرب لمواصلة حديثهم عن الإصلاح والتجديد.