معركة كسر العظم بين ايران وإسرائيل: الدخول الامريكي على خط المواجهة مسألة وقت فقط

معركة كسر العظم بين ايران وإسرائيل:
الدخول الامريكي على خط المواجهة مسألة وقت فقط
بروفيسور عوض سليمية
باحث في العلاقات الدولية- معهد فلسطين لابحاث الامن القومي
الضربة الاستباقية المفاجئة التي نفذتها إسرائيل في الساعات الاولى من فجر يوم الجمعة 13 يونيو/حزيران أحدثت خسائر كبيرة في القدرات والأصول العسكرية الإيرانية، شملت من بين أهداف أخرى، إغتيال عدد من القيادات العسكرية البارزة في الجيش الإيراني، بما في ذلك قادة الحرس الثوري والباسيج والقوة الجيوفضائية وقادة سلاح المُسيرات. بالإضافة الى اغتيال نخبة العلماء النوويين الذين لعبوا دوراً محورياً في تطوير البرنامج النووي الإيراني. إلى جانب ذلك، تعرضت العديد من المنشآت العسكرية والأصول الاستراتيجية الإيرانية للتدمير الجزئي أو الكلي، بما في ذلك، منشآت نووية، قواعد عسكرية، موانئ، مطارات عسكرية ومدنية... هذا الهجوم، شكل تطوراً خطيراً في مسار قواعد المواجهة الايرانية-الاسرائيلية، ووضع القيادة الإيرانية أمام خيارات صعبة، فرضت عليها الرد باليد الإيرانية هذه المرة، بعيداً عن سياسة الصبر الاستراتيجي ونقل المعركة خارج الاراضي الايرانية التي يتبناها قادة طهران منذ عقود.
يعكس نجاح سلاح الجو الإسرائيلي في تنفيذ "الضربة الافتتاحية" المتواصلة كما وصفها نتنياهو، مستوى متقدماً من التخطيط والتنفيذ العسكريين، ويشير إلى تطور قدرات إسرائيل بشكل ملحوظ في تحقيق دقة عالية وتوقيت مفاجئ في مهاجمة الأهداف الاستراتيجية، ويعكس مدى التكامل بين القدرات التكنولوجية والاستخباراتية، مما يبرز تطوراً خطيراً في قدرة إسرائيل على اختراق العمق الإيراني، وتنفيذ عمليات معقدة ليس أقلها إنشاء قاعدة تجميع طائرات مسيرة داخل إيران، ونشر عملاء على الارض، الى جانب الاختراقات السيبرانية، دون الكشف المبكر عن مجمل هذه التحركات وإجهاضها.
منذ العام 1992 -كان عضواً في الكنيست الاسرائيلي، لم يتوقف نتنياهو عن نشر مخاوفه الحزبية حول التهديد الوشيك الناجم عن إمتلاك ايران للسلاح النووي في مدة اقصاها 3-5 سنوات، على أمن اسرائيل ومستقبل وجودها في المنطقة. وتواصلت هذه الهواجس حتى عودة ترامب للبيت الابيض للمرة الثانية في يناير 2025، حيث اعلن نتنياهو حالة الطوارئ وجدد نشاطه لمعالجة البرنامج النووي الايراني من عدسة القوة العسكرية هذه المرة، وعدم الانتظار لبلورة صيغة جديدة بين ويتكوف وعراقجي، تشبه إتفاقية باراك اوباما "إتفاقية العمل الشاملة المشتركة" الموقعة عام 2015. على الرغم من حروبه المستمرة على عدة جبهات منذ احداث 7 اكتوبر.
ترامب الذي تظاهر في تصريحاته كضابط إيقاع يكبح جماح نتنياهو من التصرف منفرداً ضد المصالح الامريكية، وكشف في أكثر من مناسبة عن إرتياحه للتقدم الحاصل في جلسات المفاوضات النووية، التي إستضافتها سلطنة عمان على مدار خمسة جولات سابقة، بدءاً من شهر ابريل/ نيسان، كان يخطط في الخفاء مع نتنياهو على ان تكون الجولة السادسة مع الايرانيين بلغة القنابل الاسرائيلية، بدلاً من الدبلوماسية النشطة على طاولة المفاوضات. على هذا النحو، فإن تغير مزاج ترامب المتقلب اصلاً، ربما يعود لنجاح مبعوث نتنياهو الخاص رون ديرمر في نقض رواية مديرة استخبارات ترامب، تولسي غابرد الخاصة بقدرات ايران النووية، بالاضافة الى إقناعه أن طهران تقف خلف محاولتي الاغتيال التي تعرض لهما خلال حملته الانتخابية، وفقاً لتصريحات نتنياهو لقناة فوكس نيوز. وتحت ضغط صقور الحرب في واشنطن وفي مقدمتهم السيناتور الجمهوري ليندسي اغراهام، نجح رعاة الحرب في دفع ترامب الى سفينة نتنياهو الحربية.
قرار نتنياهو بالهجوم على إيران كان قد سبقه قرار تمهيدي صادر عن مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إتهم إيران بتجاوز التزاماتها، بما في ذلك "تخصيب اليورانيوم بنسبة تتجاوز الحد المسموح عند 3.67%"، كما وردت في إتفاقية خطة العمل المشتركة التي مزقها ترامب منذ العام 2018. توقيت القرار كان لافتاً، حيث جاء قبل يومين فقط من انعقاد الجولة السادسة من المفاوضات النووية، وبعد يوم واحد فقط من إنتهاء مدة الـ 60 يوم التي منحها ترامب لايران للتوقيع على صفقة جديدة، مما أثار تساؤلات حول أهدافه الحقيقية وتأثيره على مسار الدبلوماسية. في الواقع، كانت الضغوط الداخلية على ترامب وقرار الوكالة الدولية وإنقضاء المدة الى جانب "نفاذ صبر" ترامب، مبررات كافية لاتخاذ نتنياهو قرار البدء بالهجوم على إيران، قبل موعد إنعقاد جلسة المفاوضات السادسة بيومين.
من ناحية، على الرغم من عدم إتخاذ ترامب قراراً بالمشاركة الرسمية بشكل مباشر في الحرب حتى اللحظة، وإتخاذه نهجاً متوازناً يعكس حالة الخلاف المُثارة داخل فريقه الاستشاري، الى جانب قراره تأجيل المشاركة في الحملة العسكرية لأُسبوعين آخرين لاتاحة الفرصة أمام الطرفين للعودة الى "رشدهم" وفق تصريحاته. إلا أنه، إحتضن نتنياهو بشكل كامل بعد ان تكشف حجم الضرر الذي الحقته الضربة الاسرائيلية الافتتاحية بالاصول العسكرية والنووية الايرانية. في هذا السياق، واصل ترامب تحذيراته لايران بسوء القادم الذي ينتظرها إذا لم "تستسلم"، ويتفاخر ترامب بحيازة بلاده لافضل انواع الاسلحة الفتاكة على وجه الارض وأن "إسرائيل تمتلك كميات كبيرة منها، وهناك المزيد في الطريق".
من ناحية أخرى، تُظهر التصريحات الواردة حول وجوب "الاستسلام غير المشروط" وفق النمط الياباني والألماني في الحرب العالمية الثانية، والتي أشار إليها ترامب، أن الهدف من الحملة العسكرية على إيران يتجاوز مجرد تفكيك برنامجها النووي- على غرار البرنامج الليبي أو نزع سلاحها الباليستي- على غرار برنامج العراق. الى جانب وقف تدخل إيران في شؤون الداخلية للدول المجاورة. مع تركيز واشنطن على تحقيق استجابة فورية لهذه الشروط، قبل اتخاذ خطوات تصعيدية قد تشمل ضرب المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية بالقنابل الأمريكية الخارقة بما فيها منشأة فوردو النووية الحصينة، كتمهيد لإسقاط النظام. عند هذه النقطة، برزت مواقف إسرائيلية متقدمة تدعو إلى استثمار الفرصة المواتية لتغيير النظام في طهران بشكل كامل، حيث عبّر قادة إسرائيل عن تطلعهم إلى إسقاط النظام الإيراني والاستفادة من التحولات الإقليمية لتحقيق أهداف استراتيجية أوسع. يعكس هذا النهج تصعيداً واضحاً، مما يضيف مزيداً من تعقيد المشهد السياسي والعسكري امام طهران.
تقليدياً، يتعمد ترامب إظهار حالة من التضارب في تصريحاته بشكل مقصود كأداة استراتيجية للمحافظة على حالة الغموض التي يتصف بها بهدف إستمرار التضليل وحرمان الطرف الايراني من الوصول الى قراءة واضحة لمواقفه المستقبلية. في الواقع، إعلان ترامب منح الطرفين مدة اسبوعين لوقف الحرب ما هو إلا دخاناً في الهواء، ويمكن تفسيره على أنه محاولة لكسب الوقت من أجل إعادة تموضع ونشر القوات الامريكية في المنطقة، بما يخدم اهداف الحرب الاستراتيجية، بينما تسعى إسرائيل الى ممارسة حالة الضغط القصوى على القيادة الايرانية بالوسائل العسكرية. يمنح ترامب الدبلوماسية الروسية فرصة أخيرة لاحداث إختراق يفضي الى إلتزام ايران بمطالبه، في إنتظار نتائج الجلسة المقرر عقدها يوم 23 من الشهر الجاري بين عراقجي وبوتين في موسكو. بعد فشل محادثات ترويكا الاوروربية (فرنسا، المانيا وبريطانيا) مع عراقجي. وعلى الرغم من الجهود الدبلوماسية النشطة لاحتواء الموقف، إلا أن احتمالية التصعيد العسكري تبقى قائمة، وتظهر الحشودات العسكرية الامريكية في المنطقة إستعداداً واضحاً بأن مسألة إنخراط واشنطن في الحرب بشكل رسمي باتت مسألة وقت. وسط سباق من يقتل المرشد الاعلى أولاً.